صانعة اللقيمات
7 أبريل، 2022
كانت أمي شيخة تصنع اللقيمات، كانت لذيذة جدًا، الجيران في شهر رمضان المُبارك، كلّما قدمناها لهم تنتابهم السَّعادة، ليغدو الدُّعاء لغتهم.
كان الجيران، يُنادونها مُنذ كنت صغيرة “شيخة أم اللقيمات”، أمي اسمها “شيخة”، وكانت تصنع اللقيمات مُنذ صغرها، لأمي طُقوسها في إعداد اللقيمات بنكهة الجُبن، والقشطة، والشُّوكولاتة، تُعد العجينة من الظّهر، فتضع فيها الطَّحين والنَّشا، واللّبن والزَّيت والسُّكر، والخميرة الفورية.
كنت أسمع صوت العجن، وهي تعجنه بيديها الحنونة، وتضع عليه بعضًا من وريقات الزَّعفران، حتى تُكسبه اللّون الذَّهبي، وأحيانًا تضع حبَّة البركة، والجيران والأصدقاء دائمًا، يطلبون منها أن تقُوم بإعدادها، فاتخذت رُكنًا بسيطًا في منزلنا، لتوفيرها، كطلبيات تُعدها يوميًا لهم، لذا فإنَّهم، يطلبون منها أن تقُوم بإعدادها في القرقيعان في النُّصف من شعبان.
أمي، تعشق الطَّبخ، وتشعر بالسَّعادة الغامرة عندما ترى سعادة النَّاس، وتتلمس فرحتهم باللقيمات، أحب رُؤيتها، وهي تقُوم بتجهيزها، إنَّها قمة السعادة، إنَّهاتضرب العجينة بيدها بحركة دائرية سريعة، فقد اعتادت يدها على ذلك، لتكون جاهزة، وتضعها في مكان دافئ، حتى تختمر كليًا.
دائمًا أساعد أمي في تجهيز الطَّلبيات، أقوم بالكتابة على العلب أسماء الجيران، فاليوم لدينا خمس طلبيات، ستكون إلى:
أم أحمد، وأم محمد، وأم عادل، وأم نور، وأم زهراء، كم كانت سعادتي لا توصف، فأمي الشّيف، وأنا مساعدتها.
أنتعش كلّما تُسخن أمي الزَّيت، وتضع العجينة بأصابعها في حركة فنية سريعة، لأستمتع بالنَّظر إلى انعكاس النَّار في وجه أمي المُضيء بالفرح، وقُبيل الأذان بساعة تقريبًا، تبدأ بوضع اللقيمات على النَّار، فأقوم بمُشاغبتها، أحركها بلطف، كأنَّما أمارس الرَّسم، وأنفّذ تعليماتها بحذافيرها، كي لا تحترق.
كنت حريصة عليها، فإن احترقت، فإنَّها تُقلل من حصتي اليومية، وعندما ننتهي من قليها نضعها في العلب، ونضع إلى جانبها العلب الصَّغيرة من الدّبس القطيفي اللّذيذ، شيرة، ونوتيلا، عسل طبيعي، لنجعل من أصحاب الطلب لهم الخيرة في الاختيار.
لقيمات أمي شيخة جميعها بذات الشَّكل، مُقرمشة، كأنَّ صوتها همس دافئ، تستلذ به، تشم من خلال رائحة اللقيمات، لتعيش الماضي، وأجواء شهر رمضان المُبارك قديمًا على أنفاس أمهاتنا، كمنازلهن القديمة، التي تأخذك ناحية الصَّفاء والبهجة الغامرة بالدّفء، البعض يُسميها عوامات؛ لأنَّها تعُوم في الزّيت، ونحن نُسميها لقيمات، وبعض النَّاس يُسمونها تلاقين، هذا الاسم أراه جميلًا، وعجيبًا؛ لأنَّ فيه نغمة غريبة.
يا قارئي، ألا تعلم أنَّ في اللقيمات سرًّا؟! أنا، لا أعلم، أمي شيخة تعلم، سأنتظرها بشغف، تبُوح به ذات يوم، لتكن في الانتظار يا قارئي