تنغرس جذور المحبة عبر إعداد حلويات وموائد الإفطار المعدة تشاركيا (بيكسلز)
تساهم مساعدة أفراد العائلة بعضهم البعض خلال شهر رمضان المبارك في تقوية العلاقات في ما بينهم، وقد تنعكس فوائدها في خلق ذكريات جميلة.
وتصقل التشاركية الحالة النفسية والصحية للفرد المشارك، ويعم شعور بالفرحة ناتج عن تعزيز الذات والثقة بالنفس، ويقوي الاندماج مع الآخرين فتقل العزلة والشعور بالوحدة الناتجين عن استخدام الهواتف المحمولة، وهذا ما يؤكده الخبراء خلال حوارهم مع الجزيرة نت.
التشاركية تنتج أنواعا مختلفة من الأحاديث والمناقشات بين أفراد الأسرة (بيكسلز)
تقوية الروابط العائلية
التشاركية وتوثيق اللحظات الجميلة يقويان الروابط العائلية، وهذا ما تؤكده الموظفة لبنى العشا، وهي أم لـ4 أبناء، مبينة أن التشاركية تسهم في إنعاش العلاقات، والابتعاد عن الفتور الذي يصيبها بين الحين والآخر، فتتاح فرصة تنمية مهارات الحوار خلال تنفيذ المهام المنزلية، سواء بتحضير مائدة الإفطار أو السحور أو جلي الأطباق، أو التحضير لإحدى الولائم وغيرها، وقد تختلق مواقف طريفة للدعابة والمزاح فتكسر البرود في بعض العلاقات.
وبحكم تجربتها الأسرية تقول "التعاون بمهام المنزل يقرب وجهات النظر بين الآباء والأبناء، حتى إن كانت بسيطة، ويقلل الفجوات التي تنتج أثناء انشغال الجميع في أعمالهم اليومية، فساعات العمل تزداد في رمضان وتضفي نوعا من المتعة وإزالة الحواجز المعيقة للتواصل بين أفراد العائلة".
التعاون في مهام المنزل يقرب وجهات النظر بين الآباء والأبناء (بيكسلز)
بصمات وأماكن
ويقول الخمسيني أبو عامر إن جذور المحبة تنغرس عبر موائد الإفطار المعدة تشاركيا، والتي تلبي رغبات كل فرد، فكل بصمة لها مكان على هذه المساحة المخصصة على المائدة أو في ركن الشعائر.
ويصف أبو عامر التشاركية بأنها تتحول مع مرور الوقت إلى "استذكار تاريخي لأفراد العائلة، فهذا الواقع التشاركي تتقاطع فيه نتاجات إنجازات الأسرة، فتضيء ذاكرتهم كلما حل الشهر الفضيل".
تعتبر التشاركية نوعا من التقدير للأم والزوجة (بيكسلز)
قدوة حسنة
بدوره، يقول الخبير والمستشار الأسري الدكتور منير عقل إن التعاون في نطاق الأسرة مبدأ عام وأصيل أكدته الشريعة الإسلامية، ومارسه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
ويضيف عقل للجزيرة نت "من باب أولى أن يكون التعاون بين أفراد الأسرة في شهر رمضان المبارك، لما لهذا الشهر من خصوصية روحية وتعبدية وسمو أخلاقي وإيماني، وخلق التعاون والعمل المشترك المثمر أحد أركان منظومة الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام".
ويتابع "فشهر رمضان شهر يحمل معه الكثير من الخيرات والبركات والنفحات الربانية والمغفرة والرحمة، وهو فرصة للتراحم والتسامح وصلة الأرحام والتكافل والتعاون".
المستشار الأسري الدكتور منير عقل: على الأب والأبناء وضع برنامج عمل لشهر رمضان لتوزيع المهام اليومية عليهم
برنامج للمهام
ويقول الدكتور عقل "لا ينبغي إسناد جميع المهام الأسرية والبيتية للأم، لأنها أيضا تريد أن تكون لها مساحة من الوقت للعبادة والتعرض لهذه النفحات الإيمانية خلال الشهر المبارك، فعلى الأب والأبناء الالتفات إلى هذا الأمر، ووضع برنامج عمل لشهر رمضان يتضمن توزيع المهام اليومية على أفراد الأسرة".
وعلى رب الأسرة متابعة تنفيذ هذا البرنامج، وهذا بحد ذاته يعتبر تدريبا عمليا للأبناء على تحمل المسؤولية، وغرس روح التعاون والتشارك في العمل المنتج، ومن شأنه أيضا تقوية الروابط الاجتماعية وزيادة المحبة والألفة بين أفراد الأسرة، وهو يعتبر أيضا تقديرا للأم والزوج، وفق عقل.
ويشير إلى أن هذا من شأنه أيضا أن يخلق جوا جديدا من الترابط والتراحم، والتواصل المستمر طوال شهر رمضان ينتج أنواعا مختلفة من الأحاديث والمناقشات التي تساعد أفراد الأسرة على التجمع والتقرب من بعضهم البعض، مما يؤدي إلى المزيد من الاستقرار الأسري واختفاء كثير من المشكلات التي قد تكون ظهرت خلال أشهر السنة.
الدكتور مازن مقابلة: عندما تشعر الأم بالإرهاق الشديد تفقد قدرتها على أداء مهامها (الصحافة الأردنية)
الاحتراق النفسي
وحول الأثر النفسي جراء إلقاء كافة المهام الأسرية والبيتية على عاتق الأم في الشهر الفضيل، يقول اختصاصي الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة "يتسبب عدم تعاون الأهل مع الزوجة في أداء الواجبات المنزلية في شهر رمضان في وصولها إلى حالة تعرف في علم النفس بالاحتراق النفسي (Psychological Burnout)، وهي حالة من الإجهاد العاطفي والعقلي والجسدي تنجم عن الضغط المفرط والمستمر لفترات طويلة".
ويبين للجزيرة نت "تحدث هذه الحالة عندما تشعر الأم بالإرهاق وتفقد قدرتها على أداء مهامها المطلوبة، وقد تنتج عنها أعراض القلق وتدني المزاج واختلال الوظائف الحيوية، كالنوم والشهية للطعام".
ويعلل مقابلة "لذلك تعتبر مشاركة الرجل لزوجته في الواجبات المنزلية ضرورية، ليس فقط لحمايتها من الوصول للاحتراق النفسي، وإنما لتربية الأبناء على المساواة بين الرجل والمرأة في تحمل المسؤولية، أيضا تعزيز اعتمادهم على أنفسهم وعدم الاتكال على الآخرين من خلال مشاهدة تعاون الوالدين والتعلم من سلوكهما بشكل غير مباشر، وهو ما يسمى النمذجة (Modeling) أو من خلال مدح الأهل وثنائهم على تعاون الأبناء بشكل مباشر، وهو ما يسمى تعزيز السلوك".