قال الشريف الرضي: كتب أمير المؤمنين هذه الوصية لولده الإمام الحسنبحاضرين عند انصرافه من صفين. وحاضرين اسم بلدة في نواحي صفين.
و الإمام الحسن هو السبط الأول لرسول الله(ص)، والمولود البكر لأميرالمؤمنين، والإمام الثاني من أئمة أهل البيت(ع)و رابع أصحاب الكساء، وأحدريحانتي النبي، وسيدي شباب أهل الجنة. ولد ليلة النصف من رمضان سنة ثلاثمن الهجرة، وسماه رسول الله(ص)حسنا، وهو أول من سمي بهذا الاسم، وفي صحيح البخاري ومسلم: ان رسول الله قال: اللهم اني أحب الحسن، فأحببه واحبب من يحبه. وتولى الخلافة بعد أبيه أشهرا، ثم جرى الصلح بينهو بين معاوية.
و تكلم الناس وأطالوا حول هذا الصلح قديما وحديثا، ومنهم من صوب، ومنهم من خطأ بخاصة ان معاوية نقض الشروط التي أبرمها على نفسه للإمامالحسن(ع). . روى ابن أبي الحديد، في أول شرحه لهذه الوصية، عن المدائنيان معاوية بعد الصلح خطب أهل الكوفة، وقال لهم فيما قال: «أ ترون أنيقاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجونو لكني قاتلتكم لأئتمر عليكم وعلى رقابكم. . أ لا ان كل شرط أشترطه فتحت قدميهاتين» .
و تكلمنا عن هذا الصلح بنحو من التفصيل في كتاب«الشيعة والحاكمون».
و مجمل القول: إن الذين خطأوا الإمام الحسن في هذا الصلح نظروا الى ما ينبغيأن يكون، وتجاهلوا الظروف والأحداث التي أحاطت بالحسن وفرضت نفسهاعليه. . اعتمدوا على اللمحة العابرة، أو النظرية المجردة عن الزمان والمكان، وصرفوا النظر عما يعترض تطبيقها من العقبات.
أما قول من قال: كان على الحسن أن يستشهد كما استشهد أخوه الحسين، فإنما يصح لو أدى استشهاد الحسن الى نفس النتيجة التي أدت اليها تضحية الحسينمن إحياء الدين وإعلان حقيقة الأمويين، أما مع اختلاف النتيجة لاختلاف الظروفو المؤثراتـفلا مبرر للقياس. قال العقاد في كتاب«معاوية» : «آلت خلافةالإمام الى ابنه الحسن في معسكر مضطرب بين الخوارج والشيعة والموالي والأتباعالذين لا يعملون عمل الأتباع طائعين، ولا يعملون عمل الرؤساء مقتدرين مضطلعين، وورث الحسن معسكرا لم يطل عليه عهد الولاء لأحد قط ليناضل به معسكرا لم يقع فيه خلاف قط». ومعنى هذا في واقعه ان الحسن لو لم يصالح لقتل بسيوف معسكره لا بسيوف أعدائه، كما أوضحنا في كتاب«الشيعة والحاكمون».
و الخلاصة أن الحسن أخو الحسين، وروح أبيه وأخيه بين جنبيه، وقداستشهد الحسين لخير الإسلام والمسلمين، وصالح الحسن للغاية نفسها، ودفع اللضرر الأشد بالضرر الأخف، لا رهبة من الموت، ولا رغبة في الحياة.