في معادلات القوى الإقليمية التي تتغير موازينها حسب وسائل ردعها ، والمستجدة على ساحة الصراع قواعد اختل اتزانها لأن الواقعية في الميدان أصبحت أكثر جدية مما كان ، ففي ما مضى كان الصراع أشبه بمسرحية تُعد فصولها على يد مُعدٍ خبير في اختيار المشاهد التي تبهر المتلقي وقبله الممثلين الذين تصيبهم نشوة انتصارهم في أول المشهد. مثلما يصاب بها أي خمار في بدايات معاقرة الخمر، وقبل أن يستفيق الجميع من تلك النشوة ومازالوا يعانون من غبش الرؤية يداهمهم البطل الذي ُرسم له ان ينتصر دون اعتبار الى عدم معقولية انتصاره . في وضعية كانت المنازلة تجري حسب ظروفها وعوامل الميدان الحقيقية ، ولكن الكاتب والمعد أرادوا ان تكون هكذا النهاية في المشهد الأخير،
ليقف على حافة الخشبة يلقي تحيته بغرور وعنجهية على المشاهدين وزملائه الممثلين الذين بدورهم هنأوه على إجادته الدور.
معضلة هؤلاء الكُتَّاب و المخرجين في هذا الزمن ان اصبح المسرح مُضاء بأنوار الحقيقة الكاشفة التي لا تعطي مجالاً للمناورة خلف الكواليس،
والنار هذه المرة حقيقة تدمي الطرفين
والخسائر اصبحت حتمية وليست خيار تخسر فيه هنا وتعوضه هناك اضعاف مضاعفة. كذلك الفصول والمشاهد لم يعد بمقدورهم التحكم في أوقاتها كما في السابق بل انها تقع تحت تأثير ظروف وعوامل الميدان الذي يرجح كفة اهله في أي نزال لأنهم أعرف بطبيعته وعُقد تضاريسه .
في هذه المقدمة محاولة متواضعة لتسليط الضوء على التبدلات الحاصلة في ميدان الصراع الذي كان فيما مضى فيه الحركة مقيدة بين دفتي اتفاقية كامب ديفيد وتخاذل العرب الذين ترتعد فرائصهم حين يقرأون بنود وثيقة الدفاع العربي المشترك سابقا، أما اليوم فهو صراع اخذ مداه على مدى اتساع الأرض التي يتواجد عليها الاحرار والأنصار ، الامتداد المبني على عقيدة مؤمنة بقضية وجودية مرتبطة ارتباط وثيق بعلاقة الإنسان مع الله ، حيث هذه العلاقة ومن خلال الفهم الصحيح لمشروعيتها ، كانت عامل مهم في أن تتغير موازين القوى لصالح محور المقاومة ، حتى اخذ العدو يناور من حالة التقدم والهجوم الى التراجع و الدفاع، وفي قراءة موضوعية لما كان يحدث في السابق وما يحدث حالياً، تستطيع وبأبسط وسائل البحث أن تكتشف الفرق بين ما كان وبين ما هو كائن الآن .
انا اتكلم عن خط يحمل عنوان يناقض و يناهض كل المشاريع التي تروج للأستسلام وزرع روح الهزيمة واليأس والإحباط والرضى بكل ما يُملى وفق رغبة ورؤية الأعداء.
العدو لم يعد لديه غير الاعلام المضلل يستر به هزائمه المتتالية والمستمرة في الميدان العسكري والسياسي.
ومن هذا المنحنى لجأ الى ادوات الحرب النفسية والتلاعب بعقلية شعوب المنطقة من أجل أن يجهض المحور المقاوم من خلال بيئته الحاضنة.
ومن بين الأدوات التي يستخدمها حالياً.
-فكرة ان التطبيع رديف الرفاهية والازدهار. والمقاومه لا تأتي إلا بالفقر والحصار.
هذا ما حاولت اتفاقيات التطبيع أن تروجه .
هناك اليوم محاوله فيها زخم إعلامي وثقافي وأكاديمي جدا كبير يقول أن المسار الوحيد لشعوب المنطقة لتنهض اقتصاديا وتلبي حاجاتها ورفاهها هو التطبيع.
ويتم الاستدلال بعينة محدودة من الدول التي التحقت بالمشروع الأمريكي الصهيوني بالمنطقة .
ويتم استكمال هذه السردية من خلال تشديد الخنق الاقتصادي والحرب المالية على دول وقوى المقاومة لأفقار البيئات الحاضنه لأستثارة غضبها وسخطها ثم اغرائها بإللحاق بالمشروع الأمريكي الصهيوني باعتباره الخلاص الموعود.
واقعا ان هذه العينات لدول النفطية لها عائدات نفط كبيرة .
بالمقابل الدول الغير نفطية التي انخرطت بشكل كامل بالتسوية مع العدو الاسرائيلي مثل مصر والاردن فإن احوالها مازالت سيئة و سيئه بشكل كبير، لأن ليس من مصلحة اسرائيل نهوض أي دولة من الدول العربية خصوصا دول الطوق ليبقى قادرا على اختراقها واخضاعها.
، وقوة كيان مثل اسرائيل مرتبطة بضعف محيطها وتخلفه.
و مشروع اسرائيل ليس فقط ان تكون موجوده او مجرد البقاء بل هو مشروع توسع وسيطرة وبالتالي القول إن التطبيع سوف يعطينا رفاه هو وهم وفخ وتضليل لأن رفاهنا ونهوضنا هو تهديد وجودي للاحتلال الاسرائيلي.
يجب ان نفهم ان معركة تحرير فلسطين ودعم مقاومة فلسطين لها أثر مباشر على أمننا ونهوضا الاقتصادي كعرب، فإن وقوفنا الى جانب القضية الفلسطينية هو ليس فقط أمر ايديولوجي او انساني او قومي او وطني او ديني بل له علاقة مباشرة بمستقبلنا.
فإن كل وقوف مع فلسطين وشعبها ومقاومتها هو وقوف مع حالنا.
-الفكرة الثانية المقاومة خيار لا يخدم شعوب المنطقة.
وجدت دراسة معمقة لمعهد راند أن واحدة من أبرز مصادر الدعم الشعبي لحركات المقاومة هو إيمان الجماهير ان الانتصار ممكن.
فإن الإيمان بالانتصار يدفعنا لتحمل تكاليف دعم المقاومة لهذا السبب تحاول الماكنة الاعلامية للعدو ان تزرع اليأس و التشكيك بأفعال المقاومة وتقول لنا ان اثمانها كبيرة وتكاليفها عالية وعوائدها محدودة وغير مضمونة ، فيتم تظهير خيار المقاومة باعتباره خيار ليس واقعي و ايدلوجيا متخلفه لا تمت الى الواقع بصلة.
ويجري تدعيم وتضخيم الاخفاقات التي تمر بها بعض حركات المقاومة والتعمية على النجاحات والمنجزات، والتشويش على دوافع المقاومه واخلاقياتها والترويج لوجود بدائل اهم وافضل مثل التسوية وعملية السلام وهذا يفسر جزء كبير من الحملة التي نشهدها بالسنوات الاخيره على المقاومة ،بالحديث كونها منظمات اجرامية وارهابية والحديث عن ملفات فساد لقيادات فيها و فبركة ملفات او تضخيم ملفات اوربط كل المآسي التي تحصل بالمقاومة وان دوافعها هي طائفيه ومذهبيه وهي جزء من مشاريع الاحتلال.
التشكيك بالدوافع جزء منه هو عملية القول للناس أن خيار المقاومة ليس له جدوى.
لكن الوقائع التي كرستها حركات المقاومة ضد العدو الاسرائيلي في لبنان وفلسطين و ضد الاحتلال الامريكي بالعراق و إخفاق أميركا بافغانستان واليمن تجعل فكرة المقاومة أجدى من ألف استسلام .
بما ان المقاومة خيار له جدوى فإن العدو يعمل على رفع كلفة المقاومة قبل أن تنتصر واذا انتصرت تذهب اقتصاديا وسياسيا لتفرغ منجزاتها من مضمونها .
هذا الأمر يوجب على المقاومة أن تطور استراتيجيات تدعم بيئتها الحاضنة ماديا وعلامياً لتحصينها من الاعداء مثلما عندها استراتيجيات للحرب خاصة عندما يكون الصراع مديد لا سيما جزء كبير من جهد العدو صار يستهدف البيئات الحاضنه وليس حركة المقاومة نفسها .
تخصص امريكا وحلفائها استثمارات مادية وتقنية ومعرفية هائله جدا في المجالات المرتبطة بالتأثير على وعي الجماهير وعقولها وهي عمليات بمجملها غير مرئية وأن مجمل الناس عاجزين لأسباب مرتبطة بضغوط الحياة اليومية وعدم المعرفة بهذه التقنيات، يعجزوا أن ينتبهوا لهذه الحملات ويتم اخضاعهم نفسيا و شعوريا لمقولات فيها شيء من الواقع لكن الكثير من التلفيق والكذب .
مسؤولية الشباب والمناضلين هي الاشتباك مع هذه المقولات بالرأي والحجة ولكن الأهم مقارعتها بالواقع بالنضال السياسي والوطني والاجتماعي.
لا تخلو اي تجربة بشرية من النقص وهذا يشمل حركات المقاومة لكن الفادح ان تتسلل الماكنة الاعلامية للعدو من هذا الأمر لتشيطن حركات المقاومة بوعينا ووجداننا.
صلب أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية نابع من أن بلادنا مستعبدة ومحتله ومستغلة من قبل الاستعمار الغربي .
المضحك المبكي في أن البعض استطاع هذا الاعلام ان يتلاعب بعقولهم وفكرهم الشاذ فأخذتهم أوهامهم أن العدو يصنفهم أصدقاء له لكن في الحقيقة هم مطايا يحمل على ظهورهم نواياه الخبيثة واهدافه المريضة التي يظن أنه سيحققها، ثم يلقيهم على قارعة الطريق منبوذين مهانيين.
الجيد في الأمر ان حركات المقاومة تسير نحو هدفها بكل ثبات ويقين
ربما يحدث هنا او هناك بعض التراجع او التوقف ، لكن في المجمل العام نسق الحركة الدؤوبة في تقدم مستمر ، وفي الجانب الآخر هناك تراجع واضح لا يمكن أن يخفى على كل ذي عينين وعقل. .
بعض الفقرات مقتبسة بتصرف