أشارت دراسة أميركية حديثة إلى دور محتمل لنقص مستوى الحديد بالدم في رفع معدل معاناة النساء مما يتفق على تسميته «متلازمة ما قبل الحيض (الدورة الشهرية)» أو «PMS»، التي تشمل عددا من الاضطرابات الجسمانية والنفسية والسلوكية التي قد تؤثر على نمط حياة السيدة في الفترة التي تسبق الطمث.. مما قد يسهم في سبر أغوار إحدى المشكلات الطبية الغامضة، التي لا يعرف لها سبب أو علاج حقيقي حتى الآن.
وأوضحت الدراسة التي أجريت بمعرفة الباحثين بمدرسة الصحة العامة وعلوم الصحة في جامعة ماسوشيستس أمرست الأميركية، بالتعاون مع جامعة هارفارد، أن السيدات اللائي تناولن وجبات غنية بعنصر الحديد كن أقل عرضة للإصابة بأعراض المتلازمة بنسبة نحو 30 إلى 40% من نظرائهن اللائي كن يتناولن وجبات شحيحة المحتوى من الحديد.
واستمرت الدراسة البحثية، التي تنشر نتائجها حاليا على الموقع الإلكتروني للجامعة ومجلة «علم الأوبئة الأميركية» (American Journal of Epidemiology)، في متابعة نحو 3 آلاف سيدة لنحو 10 سنوات بين عامي 1991 و2001، حيث تم توجيه ثلاثة استبيانات للسيدات خلال تلك الفترة عن نمطهن الغذائي، علما بأن هؤلاء النسوة كن لا يعانين من أي أعراض للمتلازمة في أول الدراسة.
نقص الحديد
* وفي نهاية مدة البحث، تم تشخيص حالة نحو ألف سيدة من العينة بوجود «متلازمة ما قبل الحيض».. وبمقارنة النمط الغذائي للسيدات، لوحظ أن المريضات كن يستهلكن قدرا أقل من عنصر الحديد في نمطهن الغذائي خلال تلك السنوات؛ فيما تقل فرص التعرض للإصابة بما يوازي نحو 30 إلى 40% في حال الاستخدام الأمثل للحديد.
وتقول الباحثة الرئيسية بالدراسة إليزابيث بيرتون - جونسون، الأستاذ المشارك بكلية الصحة العامة وعلوم الصحة في «ماسوشيستس أمرست»، إن فريقها اكتشف أن نقصان تناول الوجبات الغذائية الغنية بعنصر الحديد، خاصة النوعية التي لا تتصل بتكوين الهيموجلوبين والتي توجد بكثرة في المصادر النباتية، كن أكثر عرضة للإصابة. وكذلك لوحظ أن عنصر الزنك يلعب دورا مشابها في الحماية من الإصابة، في حين أن ارتفاع معدل البوتاسيوم قد يكون له دور عكسي في الرفع من معدل الإصابة بالمتلازمة.
كما أشارت بيرتون - جونسون إلى أن مستويات استهلاك الحديد التي أظهرت الدراسة أنها قد تسهم في معدل الإصابة، أعلى من الجرعات اليومية الموصى بها من قبل المراكز الصحية العالمية (التي تبلغ 18 ملليغراما يوميا)، حيث تحتاج السيدة إلى أكثر من 20 ملليغراما من الحديد نباتي المصدر، وهو ما قد يوفره نحو مقدار ونصف من الحبوب المدعمة بالحديد «iron-fortified cereals»، أو المكملات الخارجية.
وترجح بيرتون - جونسون، وعدد من العلماء، أن عنصر الحديد يلعب هذا الدور في تقليص نسبة الإصابة بالمتلازمة، نظرا لارتباط الحديد بعملية صناعة «السيروتونين»، وهو أحد المركبات الكيميائية التي يصنعها الجسم للعمل كـ«ناقل عصبي»، ويعتقد علميا أنه المسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية والإحساس بالسعادة.
وتعد «متلازمة ما قبل الحيض» إحدى أبرز المشكلات التي قد تواجه السيدات في العصور الحديثة، وقد تصل نسبة المصابات بها لما بين 3 و10 في المائة من نسبة السيدات وفقا للمجتمع والدولة، وتقدر منظمة الصحة عدد المصابات حول العالم بنحو 200 مليون سيدة (أي نحو 6% من السيدات إجمالا)، خاصة أن أسباب الإصابة بها غير مفهومة تماما حتى الآن؛ وتبقى في حيز الافتراضات والنظريات العلمية. وتشير الدراسات إلى أن الاستهلاك المرتفع للكافيين، والتدخين لمنتجات التبغ، والضغوط النفسية الشديدة على السيدات، إلى جانب التاريخ المرضي العائلي المشابه، كلها عوامل قد تسهم في رفع معدلات الإصابة بالمتلازمة، أو تفاقم أعراضها.
تشخيص الحالات
* كما أن تشخيص الإصابة بالمتلازمة في حد ذاته مختلف عليه بين العلماء، حيث يشير عدد من المراجع العلمية إلى أن التشخيص يجب أن يتم بناء على وجود نسبة معينة من الأعراض الجسمانية والنفسية والمزاجية «معا» في الفترة التي تسبق نزول الدورة الشهرية (نحو 10 أيام)، وبصورة متكررة «دائما»، وتصل إلى أنها قد «تعوق» المصابة عن ممارسة حياتها «بصورة طبيعية».. إلا أن مراجع أخرى وأطباء كثيرين لا يلتزمون بتلك المعايير الصارمة، ويقومون بإدراج كثير من حالات «المعاناة المتكررة» في الفترة التي تسبق الحيض في تلك المتلازمة.
وتشمل أعراض المتلازمة مناحي رئيسية؛ هي الجسمانية والمزاجية والنفسية والسلوكية، ولكن الأعراض الأبرز هي التهيج (العدواني)، والتوتر، وغياب السعادة. أما الأعراض الجسمانية فتشمل المغص في منطقة البطن (سواء كان ناتجا من الأمعاء أو المبايض)، وآلام الثدي، والوهن العام، وآلام العضلات والجهاز الحركي، كما قد يزداد ظهور البثور الجلدية (حب الشباب)، فيما تشمل الأعراض المزاجية والنفسية الاكتئاب، والتقلب المزاجي السريع، وسرعة الغضب، والتشوش الذهني، والأرق.
ونظرا لعدم معرفة السبب اليقيني لنشوء تلك المتلازمة لدى السيدات، فإن الأبحاث لم تتوصل كذلك لعلاج شاف بصورة مقنعة، إلا أن الأطباء يتعاملون مع المرضى من خلال محاولة إعادة بث الثقة في النفس، واللجوء إلى الرياضة، وحثهم على البحث عن نمط حياتي بعيد عن القلق والتوتر والعوامل التي قد تفاقم من الإصابة (مثل الكافيين والتبغ)، إلى جانب استخدام محدود لأنواع من مضادات الاكتئاب في بعض الحالات، خاصة التي يخشى من تفاقمها.
اليوم السابع