شهر رمضان.. رحلة التغيير
قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة 183].
هل تريد أن تغيّر في ذاتك خلال شهر رمضان؟
إن شهر رمضان هو شهر التغيير، إن خططنا لذلك، فهو “شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات” كل لحظة في شهر رمضان لها قدسيتها، لها أهميتها، ومن يعي هذه الحقيقة فإنه يستعد لشهر رمضان برسم خطة تغيير تسهم في بناء ذاته.
في شهر رمضان تجد الأجواء مهيأة لبدء رحلة التغيير ومن يقرأ خطبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يجد أنها ترسم الخطوط العريضة لهذه الرحلة، فـ”هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب”.
وفي هذا المقال نقتبس بعض الأفكار من هذه الخطبة المباركة:
النية الصادقة
الخطوة الأولى في هذه الرحلة أن تكون صادقاً مع ذاتك وتكون نيتك نية صادقة “فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة” كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
النية الصادقة هي التي تبدأ من القلب، ومن ثم تُترجم إلى عمل من خلال الجوارح.
النية الصادقة تعني العمل الجاد، والمثابرة في العمل.
النية الصادقة هي العزّم، والإرادة على فعل شيء نابع من داخل النفس.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفضل العمل النية الصادقة (1).
التوبة.. مرحلة جديدة
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): “وتوبوا إلى الله من ذنوبكم” التوبة ليست كلمات جوفاء بل لها معانٍ عميقة فهي عودة العقل، وقلب إرادة من الخطأ إلى الصواب، ومن السفه إلى الرشد ومن الجهل إلى الحكمة ومن الكبوة إلى النهضة، ومن الموت إلى الحياة.
التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة.
التوبة انتصار كاسح لقوى الخير في الذات، وتفلت من قبضة الشيطان، وحبائل النفس الأمارة بالسوء.
التوبة هي هدم وبناء كما يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: 153].
ربيع القرآن
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة/185].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور”.
عن الإمام الباقر عليه السلام، «لكل شيء ربيع، وربيع القرآن الكريم هو شهر رمضان» (2)
كان ربيع القرآن وميلاده شهر رمضان؛ الشهر الكريم الذي يضاعف الله سبحانه وتعالى فيه عمل الإنسان أضعافاً كثيرة، ولا سيما قراءة القرآن المجيد. فما أروع أن يتحدث الله مع عبده الصائم، فيعيش هذا الأخير الأجواء الروحية الرمضانية التي مَنّ الله بها عليه.
فيا ترى هل يعلم الإنسان كيف يصبح جليس ربه، فيكون محدَّثه؟
عليه أن يعرف أن وسيلة ذلك هي قراءة القرآن قراءةً لا يكون محورها التخلص منها والوصول إلى نهايتها، وإنما ينبغي أن يقرأ الآيات القرآنية، فيكون همّه الاستماع بأذنه وبقلبه وبروحه وبعقله.. فيثار العقل وتطهر الروح ويصفو القلب وتعي الأُذن.
استثمر طاقاتك
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم.
أنعم الله عليك بنعم كثيرة (النطق، النظر، السمع) فهي طاقات جدير بك أن تستثمرها في طاعة الله وبناء ذاتك، فتطهرها عن الاستماع والمشاهدات السلبية (المسلسلات الفارغة).
لتكن هذه الطاقات وسيلة لكسب الأجر والثواب، من خلال: تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأدعية والاستماع للمحاضرات الهادفة.
برنامجك الاجتماعي
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم.
شهر رمضان شهر التكاتف والترابط الاجتماعي، والخروج من سجن الذات.
لذا قرر أن تكون لك مشاركات اجتماعية: المساهمة في مساعدة الفقراء. كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): “وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم”.
التواصل مع الأرحام. كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه.
إن شهر رمضان هو أفضل فرصة للتصالح الاجتماعي، وإعادة العلاقات المقطوعة.
مدرسة الأخلاق
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها الناس: من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام”.
الصوم مدرسة للتربية الأخلاقية والفضيلة الإسلامية، ولا قيمة لصوم لا يغير من أخلاق الصائم، وسيكون حظه الجوع والعطش، روي أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، امرأة تسب جارية لها، وهي صائمة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطعام، فقال: كلي، فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة؟، وقد سببت جاريتك، إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب) (3).
إن الصوم الحقيقي هو الذي يعالج نوبات الغضب ويضبط انفعالات الصائم ويجعله أكثر صبراً وحلماً. ويهذب اللسان، فلا يغتاب ولا يسخر، وإنما لسانه يلهج بذكر الله والصلاة على النبي الأكرم وآله الأطهار فـ”من أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم تخف الموازين”، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
الهوامش:
(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة 3420
(2) معاني الأخبار ص228 ، أمالي الصدوق ص36
(3) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 93 – الصفحة 293