يتوقع علماء الفلك أن بإمكانهم النظر إلى ما قبل 200 مليون سنة بعد الانفجار العظيم من خلال تلسكوب جيمس ويب.
صورة "حقل هابل العميق" التي كشفت عن إجمالي ما يقرب من 5500 مجرة (تلسكوب هابل الفضائي)
يحتوي كوننا المرئي الذي يمتد لعشرات المليارات من السنين الضوئية في جميع الاتجاهات، على عدد هائل من المجرات بداخله. وتحتوي كل مجرة على مجموعة ضخمة من النجوم. لكن هل تساءلت يوما كم عدد المجرات الموجودة في الكون؟ يبدو أن عدّها وحصرها مهمة مستحيلة نظرا لمحدودية أدواتنا.
وفقا لمقال منشور على موقع "بيج ثينك" (Big Think)، فإن العدد الدقيق للمجرات كان لغزا، إذ ارتفعت التقديرات من الآلاف إلى الملايين إلى المليارات، وكل ذلك مع تحسن تكنولوجيا المنظار (التلسكوب).وإذا أجرينا التقدير الأكثر وضوحا باستخدام أفضل التقنيات المتاحة اليوم، فسنذكر أن هناك 170 مليار مجرة في كوننا. لكننا نعرف أنها أكثر من ذلك بكثير، إذ يشير التقدير الحديث إلى وجود تريليوني مجرة في الكون.
صورة حقل هابل العميق
تمثلت الإستراتيجية المتبعة من قبل العلماء لرصد المجرات بالكون في توجيه تلسكوب ليحدق طويلا في بقعة فارغة محددة من السماء لا يوجد بها أي نجوم أو مجرات معروفة. وكلما طالت مدة تحديق التلسكوب في تلك البقعة زاد الضوء -القادم من بعيد- الذي يجمعه، وبالتالي اكتشاف المزيد من المجرات في الكون.
فعل العلماء ذلك لأول مرة في منتصف التسعينيات باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، الذي ركز على رصد بقعة معينة من السماء مثلت واحدا على 32 مليون جزء من السماء، والتي كان من المعروف أنها لا تحتوي على أي شيء تقريبا.
ومن خلال مراقبة تلك البقعة الصغيرة جدا من السماء، نتجت صورة "حقل هابل العميق" Hubble eXtreme Deep Field) XDF)، التي كشفت عن إجمالي ما يقرب من 5500 مجرة، مما مثل أعلى كثافة للمجرات تمت ملاحظتها على الإطلاق. وكانت هذه أفضل محاولة قام بها العلماء لرصد عدد مجرات الكون.
الخطوة التالية كانت هي تقدير عدد المجرات في الكون كله، وهي طريقة واحدة، إذ نأخذ الجزء من السماء الذي صوره التلسكوب. ثم باستخدام نسبة الجزء من السماء الذي تم تصويره إلى الكون بأكمله، يمكنك تحديد عدد المجرات في الكون.
ويمكن اتباع هذه الطريقة في التقدير نفسها، بافتراض أنه لا يوجد تباين كوني كبير، وأن الكون متجانس. يقول ماريو ليفيو، عالم الفيزياء الفلكية في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ماريلاند (Space Telescope Science Institute in Baltimore, Maryland)، في تقرير منشور على موقع "سبيس" (Space) إن الكون متجانس وفقا للمبدأ الكوني الذي يعود إلى نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين.
كما أنه، ووفقا لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" (NASA)، إذا نظرت إلى محتويات الكون فستظهر كما هي تقريبا في كل مكان وفي كل اتجاه. وهذا يعني أن المادة في الكون متجانسة، حتى عند حساب متوسطها على نطاقات كبيرة جدا، وهذا ما يسمى بالمبدأ الكوني.
يمكننا إذن تقدير عدد المجرات في الكون من خلال أخذ الرقم الذي لاحظناه في صورة "حقل هابل العميق" أي 5500 مجرة وضربه في عدد الصور التي قد نحتاجها لتغطية السماء بأكملها وهي 32 مليون صورة، مما سينتج عنه في النهاية 176 مليار مجرة في الكون.
ورغم ذلك، فإن هذا ليس تقديرا حقيقيا. هذا هو الحد الأدنى، إذ لا تظهر في هذا التقدير المجرات الخافتة جدا أو الصغيرة جدا أو القريبة جدا من المجرات الأخرى. كما أنه لا تظهر المجرات المحجوبة بالغاز المحايد والغبار في أي مكان، ولا تظهر المجرات الموجودة خارج قدرات الانزياح الأحمر لتلسكوب هابل.
هناك أكثر من 10 أضعاف عدد المجرات التي يستطيع هابل رؤيتها (شترستوك)
تريليونا مجرة.. كيف؟
اليوم، يقدر العلماء أن هناك أكثر من 10 أضعاف عدد المجرات التي يستطيع هابل رؤيتها، أي حوالي تريليوني مجرة داخل الكون المرئي. ولكن كيف تم التوصل إلى هذا الرقم؟
وفقا لموقع بيج ثينك، فإن المكون الكبير الذي نحتاجه للتوصل إلى تقدير حقيقي هو كيف تتشكل البنية بدقة في الكون. إذا كان بإمكاننا تشغيل محاكاة تبدأ بالمكونات التي يتكون منها الكون، والشروط الأولية الصحيحة التي تعكس واقعنا، والقوانين الصحيحة للفيزياء التي تصف الطبيعة، يمكننا محاكاة كيفية تطور هذا الكون.
اللافت للنظر أنه عندما ننظر إلى المحاكاة التي تطابق البيانات المرصودة بشكل أفضل، نحصل على تقدير للعدد الحقيقي من المجرات الموجودة في كوننا المرئي، وهو تريليونَا مجرة.
يحتوي كوننا الذي يمتد في جميع الاتجاهات على عدد هائل من المجرات (شترستوك)
وعند مقارنة هذا الرقم بالرقم الذي توصلنا إليه من صورة "حقل هابل العميق"، سنجد أن أكثر من 90% من المجرات داخل كوننا تفوق قدرات الكشف حتى لأعظم مرصد للبشرية.
يقول ليفيو إن علماء الفلك سيكونون أكثر قدرة على تحسين هذا الرقم المرصود من خلال تلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope)، إذ إن تلسكوب هابل الفضائي يستطيع النظر إلى المجرات التي تشكلت بعد حوالي 450 مليون سنة من الانفجار العظيم، في حين يتوقع علماء الفلك أن بإمكانهم النظر إلى ما قبل 200 مليون سنة بعد الانفجار العظيم من خلال تلسكوب جيمس ويب.