المدرسة الفيتاغورية الفلسفة اليونانية فلاسفة
الفيتَاغوريون هُم جماعة من الفلاسفة الّذينَ تزعمهم فيثاغورس وكانوا أقرَب مَا يكون إلى جماعَة دينية تجمّعَ أفرادُها حولَه، نجهل اسماء معظَم أفراد هذه الجمَاعة نظراً للسرّية التي أحاطوا أنفسهم بهَا، إلا أننا نعلَم الكثير منَ الحقَائق المختلطَة بالأساطير والخرَافات عن فيتَاغورس مؤسس هذه الجَماعة.
يقول ديوجين اللايريتي نقلا عن ارستبوس القورينائي في كتابه عن الأطباء: "إن فيتاغورس اكتسب اسمه لأنه " نطق بالحق" كشخص معصوم من الخطأ، كما تفعل عرافة دلفي المسماة pythian " وقال عنه وِل ديورانت : "إن معنى كلمة فيتاغورس هو " الناطق الغيثي" بلسان مهبط الوحي في دلفي. وكان كثير من أتباعه يقولون عنه إنه هو أبولو نفسه"، كما تناقل عنه بعض المصادر المبكرة كونه ساحرا يزعم أنه اختبر تجارب "سرية" أو صوفية، وأنه كان يتواجد في أماكن مختلفة في نفس الوقت، هذه بعض القصص والأساطير التي نسجت حول شخصية فيتاغورس.
عموما يمكننا القول أن فيتاغورس قد ولدَ في مدينة ساموس حوالي 572ق.م، (وإن كانَت هناك روايات تقول أنه ولِد عام 580ق.م أو عام 570ق.م) وعلى أية حَال فقد ازدَهر شأنُه حوالَي 532ق.م في عهد بوليقرَاطس طاغيَة سامُوس. وقد هاجر إلى 'كروتُونا' في 'اليونَان الكبرَى' حوالي عام 538ق.م فرار من بوليقراطس في ملطيا، حيث أسس هناك جماعة ذات طابع ديني، هَدفهَا تطهير النّفس للوصُول إلَى الحياة السّعيدة بعد المَوت. و لهذه الجَماعة شُروطُها الخاصّة وقواعِدها و محرّماتها ( مثل حظر أكل الفاصولياء وأنواع بعينها من اللحوم، عدَم التكلم في الظلاَم ...إلخ[1]) وهِي في هذا تشبه كثيرًا التجَمعات السّرية الدينية المسمّاة بـ " الأوريفية" [2].
"إن علاقات فيتاغورس بالطائفة الكهنوتية المصرية كان لها عليه أعظم تأثير، لا بالحكمة النظرية العميقة التي يقال إنه جناها من هناك، بل بالفكرة التي كونها نفسه هناك عن تطبيق الضمير، عن التحقق الفعلي للوجود الأخلاقي للإنسان".
- هيجل.
لقد كان للمدرسة الفيتاغورية نظام من الأخوة، كأنها دير أو معبد، فجميع الطلبة يرتدون زياً واحدا هو الملابس البيضاء، ويعيشون معيشة واحدة هي حياة الزهد والتقشف والبساطة، ولا ينتعلون – في الأعم الأغلب – بل يمشون حفاة الأقدام على نحو ما كان يؤثر عن سقراط الذي كان متأثرا بتعاليم الفيتاغورية تأثرا شديدا على نحو ما يتضح في محاورة "فيدون" ولا يحفلون بالآلهة لأن من "واجب المرء أن يكون صادقا بغير قسم"، كما كانو يحاسبون أنفسهم في نهاية اليوم على ما فعلوه طوال النهار، فيسأل كل منهم نفسه عن الشر الذي ارتكبه، والخير الذي قدمه، والواجب الذي أهمل في أدائه. ورغم ذلك فقد كانت جمَاعة فيتاغورس تتميّز بكونهاَ ذات نشاط علمي، وعلى الأخص ريَاضي، وأنهَا مدّت نشاطهَا من الريَاضيات إلى الفلسفَة، حتى أنّ هناك نظرِيات رِياضية تنسَب إلى فيتاغُورس، حتى أنه يمكن القول أنّ الريَاضيات كانت أساس الفلسفة الفيتاغورية، هذه الفلسفة التي استمرت لثمانية قرون على الأقل منذ عهد فيثاغورس.
إعتَقد الفيتاغوريون أنّ عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء وأن العالم عدد، وقد كشفَ ارسطو عن جَوهر التفسير الفيثاغوري للعالم حينما قال" إنهم رأوا أنّ مبادئ الأعدَاد ( الرياضيَات) هي مبادئ كل الأشياء وأنّ العالم أشبه بعَالم الأعداد منه بالماء أو التّراب أو النّار". وَإذَا علمنَا انّ الأعداد في ذلك الوقت كانت عبارة عن أشكال هَندَسية، فالعدَد واحد هو النقطة، والإثنان قطعَة، والثلاثة هو المثلث، والأربعة مربّع وهكذَا ... سهُل فهم تصورهم هَذا، فقولُهم أن العالم عَدد يعني أن العَالم في الحقيقَة هوَ أشكال هندسية، وأن هذه الطبيعَة الهندَسية أهم من الماء والهواء، فمؤَدى هذه النظرية هو عدم المبالاة بالبحث عن نوع المادة الاولى لأنّ هذا الأمر لا أهَمية له الآن، وهذا يبين أهَمية المرحلة الفيثاغورية فِي تطَور العلم اليوُناني نحوَ شكل عقلي فيه قدر أكبر من التّجريد، حيث تم الابتعاد عن تفسير الأشياء بالرجوع إلى المادة التي صنعت منهَا، والرجُوع إلى صورتهَا Eidos التي يمكن أن يعبر عنهَا تعبيرًا رياَضيا.