سكاي نيوز عربية - أبوظبي
جانب من عملية مد خط "نورد ستريم 2" في بحر البلطيق
جددت أوروبا رفضها للقرار الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بشأن بيع الغاز والنفط مقابل العملة المحلية "الروبل"، بعدما أحدث ارتباكًا في الأسواق على مدار الأيام الماضية، في حين تمضي موسكو إلى التنفيذ دون تراجع.
ويرى خبراء طاقة ومحللون أن روسيا تُصر على تطبيق القرار كوسيلة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فرضها الأوروبيون والولايات المتحدة كرد فعل على العملية العسكرية في أوكرانيا، وتهدف بالأساس لتحسين وضع عملتها المحلية ونظامها الاقتصادي، والضغط على الدول "غير الصديقة" لإثنائها عن مواقفها الصارمة تجاهها.
وقال وزير الاقتصاد الألماني، روبيرت هباك، الاثنين، إن مجموعة السبع ترفض مطلب بوتنالدفع بالروبل لشراء الطاقة الروسية، لافتًا لإصرار المجموعة على ضرورة احترام موسكو لعقود الطاقة.
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على الغاز الروسي الذي يمثل حوالي 55 في المئة من إجمالي وارداتها الغازية.
وهذا ما سبق وأن أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي اعتبر أن مطالبة بوتن بدفع ثمن شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بالروبل وليس بالدولار أو اليورو، "غير ممكن ولا تنص عليه العقود".
لكن بالتزامن مع ذلك، أكد الرئيس الروسي اليوم تمسكه بالقرار، وتحويله إلى صيغة تنفيذية على أرض الواقع، إذ أوعز بوتن للحكومة والبنك المركزي وشركة غازبروم، مجددًا، باتخاذ إجراءات لتغيير عملة الدفع مقابل الغاز إلى الروبل للدول "غير الصديقة" بحلول 31 مارس الجاري.
تخفيف الحصار الاقتصادي
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي والرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، في تصريحات لـسكاي نيوز عربية، أن الإصرار على تنفيذ هذا القرار كان متوقعًا، لأن روسيا انقطعت عن نظام "سويفت" المصرفي الدولي بإصرار الدول الغربية التي فرضت حصارًا اقتصادياً على روسيا.
بوتن: قررنا بيع النفط والغاز بالروبل الروسي
وتسببت العقوبات الاقتصادية الصارمة، التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، في تدهور النظام المصرفي الروسي، وإحداث انهيار حاد في قيمة الروبل مقابل العملات الأجنبية.
وأضاف الرفاعي أنه "بالفعل فالعقوبات الاقتصادية تسببت في انهيار الاقتصاد الروسي، وتدهور كبير في الروبل خلال الأسابيع الماضية قبل أن يستقر مؤخرًا، وبالتالي فالقرار من الناحية الروسية يعد إيجابياً للاقتصاد الروسي كما أنه بمثابة اختبار لقوة الحصار الاقتصادي عليها".
وأشار إلى أن قرار بوتن ساهم في ارتفاع في العملة المحلية، وكذلك ارتفاع في أسعار الغاز بأوروبا خاصة بريطانيا.
وعوضت العملة الروسية جزءا من خسائرها التي منيت بها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ يتم تداول الدولار دون مستوى 94 روبلا حالياً.
وتوقّع الرفاعي أن يكون للقرار تأثير مؤقت على أسعار النفط، مرجحًا أن تتصاعد الأسعار لتصل مجددا إلى ما فوق 130 دولارًا للبرميل مع بداية تنفيذ القرار، مضيفًا: "يجب أن نعطي وقتًا لهذا القرار لكي نرى كيف يواجه تجار النفط هذه المشكلة".
وقبل يومين من تنفيذ القرار الروسي على أرض الواقع، استقرت العقود الآجلة لخام برنت عند مستوى 115.62 دولار للبرميل، اليوم.
كان بنك جيه.بي مورغان توقع أن خام برنت قد ينهي العام عند 185 دولارًا للبرميل إذا استمرت الإمدادات الروسية في التعطل، مع تجنب التجار النفط الروسي.
مخاطر كبيرة
وعاد الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" للقول إن "أي دولة تريد النفط أو الغاز الروسي لابد من التحويل للروبل، ورغم أن ذلك يُحدث استقرارًا للعملة، لكن في نفس الوقت فالمستثمر يواجه مخاطر أعلى لأن التداول في الروبل صعب اليوم".
وأشار إلى أن الكثير من الدول الأوروبية لديها سياسات في منع التعاون والتبادل التجاري مع روسيا أو التعامل مع الروبل، وإذا امتنعوا عن الشراء بالروبل فهذا معناه الاتجاه لدول أخرى لشراء النفط بثمن أعلى.
لكن الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة "فيروسي" لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية سيريل ويدرسهوفن، قال لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تصريحات بوتن "لن تفعل على أرض الواقع، إذ سيلتزم معظم مستوردي الغاز الروسي الحاليين بعقودهم الحالية طويلة الأجل، والتي لا تعتمد على الدفع بالروبل أو تنص عليها".
وأضاف ويدرسهوفن أنه "إذا تمسكت موسكو بهذا القرار سيحدث خرقًا كبيرًا في التعاقدات، مما يعني ضرورة بدء مفاوضات لتوقيع عقود جديدة في الواقع. وبالنظر إلى وجهة النظر الحالية التي تتبناها أوروبا فلن تكون هذه عملية سهلة، حتى لو أخذت في الاعتبار من قبل أي من الدول الأوروبية المستوردة".
وفوّضت دول الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية لشراء الغاز والغاز الطبيعي المسال والهيدروجين بشكل مشترك وذلك بهدف استغلال الثقل الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من أجل الاستفادة من أسعار مواتية، إلى جانب تسهيل الاتصالات مع المُوَرّدين الدوليين من أجل تنويع مصادر التزويد.
جدير بالذكر أن بيانات شركة "غازبروم" الروسية تشير إلى أن 58 بالمئة من مبيعاتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول أخرى حتى أواخر يناير الماضي جرت تسويتها باليورو، فيما شكّل الدولار حوالي 39 بالمئة من إجمالي المبيعات، والجنيه الإسترليني نحو 3 بالمئة.