من القطيف.. إرث عمره 120 عامًا بين يدي حسين الهجهوج.. يصنع الحلوى نقلًا عن أبيه وجده
بواسطة : وجيهة الناصر - القطيف اليوم - القطيف اليوم
25 مارس، 2022
منذ أن كان صغيرًا عرف الكثير عن أسرار المهنة التي ورثها أبًا عن جد، فرغم تطور صناعة الحلويات بصورها المختلفة الآن، إلا إن الإقبال على شراء الحلوى التقليدية لا يتوقف، ما جعله يكمل مسيرة بدأت قبل 120عامًا في صناعتها.
بدايته مع الحلوى
نشأ، وترعرع حسين عبد المجيد عباس الهجهوج، في كنف والده الذي كان يصطحبه لصناعة، وبيع الحلوى؛ ليغوص في خفاياها الممتعة، واجدًا ثمرة الجهد، والمشقة في صناعتها عندما تذوب في فم كل من يهوى التلذذ بحلاوة طعمها.
وللحديث عن أسرار الرحلة التي تتوارث جيلًا بعد جيل، كان لـ«القطيف اليوم»، لقاء مع “الهجهوج”.
ربط الماضي بالحاضر
يرى ابن القطيف خريج الثانوية العامة، والعسكري المتقاعد أن فكرة توارث الأجيال مهنة آبائهم وأجدادهم، والإصرار على أن تظل موجودة بمعزلٍ عن الانقراض لها تأثير يمتد من جيلٍ إلى آخر؛ ليشكل أبعادًا عميقة في ربط الماضي بالحاضر، وذلك يعد ضمانًا لاستمراريتها ووفاءً للسنوات الطويلة التي قضوها في سبيل بناء اسمها، وبقاء مهنتهم تتوارثها الأجيال، وهذا هو التحدي الأكبر، على حد وصفه.
تطوير مشروعه
ويستعيد “الهجهوج” ذكرياته مع الحلوى التي ظل يصنعها طوال 27 عامًا، موضحًا أن بداية الفكرة كانت مساعدة لوالده، ولكنه أحب الصنعة واحترفها، بل ووضع لمساته الخاصة فيها، وسعى إلى تطوير مشروعه، وافتتاح محله الخاص الذي تباع فيه الحلوى، والقبيط، والرهش.
وواصل حديثه، مؤكدًا أن مظاهر الحداثة والتطور الذي طرأ على عالم الحلويات، وصناعتها، وتنوع أشكالها، وألوانها، وطعمها اللذيذ، لم يسحب البساط من الحلوى التقليدية، التي احتفظت بزبائنها رغم مظاهر التنافس، والتجديد، ولعل هذا جعله يواصل عمله، ويطور في صناعته ليرثها أبناؤه وأحفاده بعد ذلك.
إرث عائلي
وقال: “هذه المهنة إرث لعائلتي بداية من جدي عباس الهجهوج -رحمه الله – الذي بدأ مزاولة هذه الصنعة منذ 120 عامًا، حيث كان يعمل مسؤولًا في جمارك مدينة الجبيل، متجهًا بعدها إلى ممارسة الغوص، واستخراج اللؤلؤ، مزاولًا بعد عودته مهنة صنع الحلوى التي تعرّف على تفاصيلها وطريقة صنعها من أصدقاء له، وهو في بداية العشرينيات من عمره، ومارسها حتى وصلت إلى الأبناء وكان يبيعها في سوق “السكة” وكانت تُلف بورق الشجر، وتباع ببضعة قروش”، لافتًا إلى مداومة والده عبد المجيد الهجهوج على صناعة الحلوى، والقبيط، وغيرهما من الحلويات التى ورثها عن والده إلى جانب وظيفته في البريد لمدة 30 عامًا.
تاريخ الصنعة
وأخبرنا أن أصلها يعود إلى عُمان أو جزيرة زنجبار، وانتقلت إلى الخليج بسبب الرحلات البحرية، والغوص انتقلت إلى دول الخليج، وكان الغواصون يقبلون عليها نظرًا لصلاحيتها الطويلة جدًا، والتي قد تصل إلى 6 أشهر، فضلًا عن أنها تمدهم بالطاقة، مشيرًا إلى عدم اختلاف مكوناتها منذ بدايتها حتى الآن، وهي تتكون من السكر والنشا، والزيت، والماء بالإضافة إلى الهيل والمكسرات، وأُضيف لها مؤخرًا الزعفران وألوان الطعام، بينما يتكون القبيط من الدبس، والسمسم بمقادير معينة، والرهش من دبس، وحلاوة الطحينية.
وأوضح أن “القبيط ” أكلة محلية وخليجية من التراث القديم يكثر الطلب عليها في موسم الشتاء، وكان جده بارعًا في صنعها ثم والده، وأبان أن مجرد سمسم ودبس تمر يُكوّنان طبقًا فاخرًا لدرجة أن من يتناوله لا يصدق أنه من مكونين فقط.
مراحل الإعداد
استطرد: “لعل الزبون الذي يستمتع بطعم الحلوى السائغ في فمه لا يعرف أنها تتطلب مقدارًا كبيرًا من الجهد، والمشقة في إعدادها؛ فالحلوى بنسختها التقليدية عبارة عن خليط من السكر والنشا والماء والزيت يوضعون في إناء نحاسي يحتوي على قدر من الماء المغلي، وقد تبدو العملية سهلة في شكلها الظاهر، ولكنها تمر بخطوات، وطريقة معينة وكيفية مناسبة، فالخلل في كيفية خلط هذه المواد مثلًا قد يؤدي إلى احتراقها، أو التصاقها بالقدر، وكذلك حركة اليد الدائرية والعمودية والأفقية أمرًا أساسيًا لنجاح الحلوى أو فشلها، إضافةً إلى أهمية جودة المواد المستخدمة حتى تبقى الحلوى لذيذة الطعم، ولأطول فترة ممكنة للحفظ”، مشيرًا إلى إن مدة طبخ الحلوى تستغرق من ساعة ونصف إلى ساعتين، والرهش من ثلاث إلى أربع ساعات، بينما القبيط يستغرق إعداده خمس ساعات تقريبًا، ويدوم أشهر دون أن يتأثر عند وضعه في الفريزر.
وتابع الهجهوج قائلًا: “مع مرور السنوات اختلفت الأسعار كانت تباع الحلوى، والقبيط والرهش في السابق بقروش وفي زمن والدي أصبحت بخمس ريالات، أما الآن يُباع الكيلو من الحلوى بـ 50 ريالًا، والقبيط بـ 80 ريالًا، والرهش بـ 50 ريالًا للكيلو” مضيفًا إن الحلوى الصفراء الأكثر طلبًا، وأكثر المواسم إقبالًا على الشراء في فصل الشتاء.
وتحدث عن تعبئة الحلوى قائلًا :” كانت مستوحاة من البيئة البسيطة كورق الشجر، ثم علب النيدو ثم انتقلت إلى القصدير، وعلب الحديد ثم العلب الكرتونية المزينة، والمزركشة الجميلة، والبلاستيكية.
واختتم “الهجهوج “حديثه، قائلًا: “أن تكون واحدًا من قلة قليلة امتهنت حرفة، وصنعة الآباء، والأجداد ومواصلة مشوارهم مع الشغف الدائم في صناعتها والعمل عليها، هو الإيجابية الكامنة التي تدعوك أن تتقن عملك، وتورثه بحب وولع تام لأجيال تأتي بعدك، وتغرس فيهم قيمة الصبر، والإصرار للوصول إلى النجاح والتميز”.