يوم كنا صغارًا كان في مدارسنا جرسٌ صغير - واحد - يُعلمنا مواعيد ابتداء الحصص والفسح وانتهاء الدوام! كبرنا وتشظَّى الجرسُ أجراسًا في كلِّ حينٍ ومكان! أجراس تُعلمنا الزّمانَ وأخرى تُعلمنا المكان، في بعضها آلامٌ وفي بعضها آمالٌ وعبوات من البهجةِ والسعادة. آه يا زمان! لن أحكي لكم اليومَ عن الأجراسِ البغيضة، عندكم من الهمومِ ما يكفي! لا تعجبي يا سلمُ من رجلٍ... ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى!
عدّوا على أصابعكم: واحد، اثنان، جمعة، جمعتان وتسمعون أجملَ الأجراس، الجرس الذي يحيي الموتى، جرس شهر رمضان. لا بدّ أنكم كانت لكم في شهر رمضان ذكريات مع الأجراسِ الجميلة التي توقظكم للسحور على صوتِ طبل المسحراتي، والإفطار على صوتِ التكبير في المآذن وأصوات الدعاء وتلاوة القرآن في البيوتِ والمجالس!
كبرتم عن الأجراس الصغيرة وأصوات قرع الطبل، وبقي جرس يذكركم بقيمة العمل والعبادة في شهرِ رمضان! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ، دعوة للعيش والحياة، الحياة المعنويَّة والحياة الماديَّة، ذلك صوت الله في كلِّ زمان، لكنه يعلو في شهر رمضان.
أنتم تتنفسون وتأكلون وتشربون وفيكم كل وظائف الأحياء، ومع ذلك تحيون حياةً شاملة واسعةَ الآفاق! هل نسمع هذا الجرس الرمضانيّ في هذه السنة ونكون في الأحياء؟ أم نكون من الأحياء - الموتى - وتفوتنا الفرصة؟ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ، كن حيًّا - ذكرًا كنت أم أنثى لا فرق - واستمتع بذلك الجرس الزمنيّ الفريد في شهرِ رمضان.
ألا ترون أن شهر رمضان في منطقتنا - القطيف وما حولها - من أجملِ الشهور؟ فيه يعود المسافر للصيام في بلده وبين أحبته ويؤخر الرحيل من عزمَ على السفر، كل هذا من أجلِ سماع أصوات وأجراس الدَّاعين وقرَّاء القرآن في كلِّ دارٍ ومجمع! وأيضًا أصوات الأحبة والرفقة الجميلة في لياليه!
”لكلِّ شيء ربيع وربيع القرآنِ شهر رمضان“، في هذه السنة يأتينا شهر رمضان في فصل الربيع، من جهةٍ تنمو الأزهارُ والورود والثمار ومن جهةٍ أخرى ينمو أجركم وثواب تلاوتكم القرآن، فأي أجراسٍ ترون وتسمعون أجملَ من هذه الأجراس؟!