لماذا العنصرية مع الحمار!
الحياة لا تستقيم إلا بالقليل من المزاح، مثل الملح في الطعام، وأرجو أن يجد القراء الكرام في هذه الخاطرة شيئًا من المزاح الخفيف ”إن الله عزّ وجل يحب المداعب في الجماعة بلا رفث“.
ألتقي أنا وثلة من الشبَّان كل صباح في حصة الرياضة، وهم يحملون الأوزان والحديد يقولون لبعضهم: يا وحش يا وحش، من أجل التشجيع وشدّ الأزر. فقلت لهم ممازحًا: وماذا عن الحمار؟ ألا يُذكر عندكم؟ قالوا: لا، الوحش رمز القوَّة والبأس والحمار رمز الغباءِ والسذاجة!
هل ركب أجدادكم الوحش؟ هل وضعوه في حظائرهم؟ هل حرثوا بالوحشِ أرضهم؟ كل ذلك فعله الحيوان - الحمار - الذي تتبرؤون منه وتشتمونه وتذمونه!
تعلمون يا شبَّان أنكم مخطئون؟ ذلك الحمار الذي قلتم عنه أنه غبيّ هو أذكى من وحشكم! رحمَ الله أيَّام زمان، في تلك الأيام كان الفلاح والبحَّار في القطيف - وما حولها - يعتمد على الحمار في التنقل بين الحقول وفي صيد الأسماك. يركب الفلَّاح فوق الحمار وينطلق نحو الحقل، الفلاح ينام ولا يستيقظ إلا حين يقف الحمار في الحقل، في نفسِ النقطة! هل يستطيع وحشكم أن يفعل هذا؟!
يركب البحَّار فوق الحمار وينام، يخوض الحمار عبابَ البحر ولا يجد البحَّار نفسه إلا في مكان الصيد وسط البحر دون بوصلة، في الظلام، في أوساط الليالي! فهل يستطيع وحشكم فعل هذا؟ أجزم حتى التقنيات الحديثة لا تستطيع إيجاد نقطة الصيد ”الحضرة“ في البحر التي يعرفها الحمار بكل دقَّة وشطارة!
قالوا: كيف والقرآن ذمّ الحمار؟ قلت أين؟ قالوا: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾! قلت لهم: ولم يمدح وحشكم! ماذا لو وحشكم حملَ الأسفار؟ هل سوف يعرف ما فيها؟ وحشكم ضعيف أصلًا ولا يستطيع حمل الأسفار!
قالوا: صوته قبيح ﴿إنَّ أنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾! قلت: قبيح نعم، ولكن سوف يؤنسكم في الغابة، فماذا لو سمعتم صوت وحش؟ بالتأكيد سوف تحدثون حدثًا لا تنسوه، أما الحمار فسوف ينفعكم!
لا أستطيع أن أحصي لكم الفوارق الجيدة في الحمار والتي تفوق ما في وحشكم الذي لا ينفعكم. هذا من أنواع العنصرية غير أن الحيوانات لا تقاضي البشر! السمع.. الطاعة.. الوفاء.. المنفعة، أما وحشكم فليس فيه إلا الوحشية والافتراس وظلم الحيوان والاعتداء على الإنسان، فاختاروا ما شئتم!
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، فهل تستطيعون أن تركبوا الوحوش وتتخذوها زينة؟ الحمار ذلك الحيوان المعطاء، ينقل ما ومن فوقه بكلِّ راحة وتوفير وقت. ومن المؤسف أنَّ معيار تقييم قوة الآلات جاء من الغرب - حيث يندر وجود الحمير - فصارت القوة تقاس بالأحصنة وليس بالأحمرة!