في اليوم العالمي للشعر يشتكي شعراء من رداءة المشهد الأدبي العربي، ويؤكد الناقد عبد الواحد التهامي العلمي أن الضحالة أصبحت أمراً سائداً على الرغم من غزارة الإنتاج الشعري وطبع الدواوين، حيث كثرة الشعراء وقلة الشعر.
رسم الروسي هوريماشت من القرن الـ19 يصوّر الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد صاحب المعلقة الشهيرة
يجمع يوم 21 مارس/آذار مناسبات مختلفة، فهو عيد النيروز لدى العديد من الشعوب، ويوم الشعر العالمي، وكذلك يمثل عيد الأم في العديد من المجتمعات العربية.
والنيروز يكاد يكون العيد الثقافي الوحيد الذي تحتفل به شعوب مختلفة، خاصة في آسيا؛ إذ يضم قوميات منها الطاجيك والأوزبك والكازاخ والبلوش والبشتون والقرغيز، وحتى مقدونيا والبلقان في شرق أوروبا.
ويحتفل نحو 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بعيد النيروز (يوم الاعتدال الربيعي) باعتباره بداية العام الجديد، وللاحتفال تاريخ طويل منذ أكثر من 3 آلاف سنة في آسيا الوسطى، وكذلك في حوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وقزوين ومناطق أخرى.
وتحتفل الشعوب الإيرانية والكردية والأفغانية والباكستانية وشعوب وسط آسيا بالنيروز، ويعتبر الإيرانيون حلول النيروز تزامنا مع تجدد الطبيعة عند بداية فصل الربيع رسالة لها معان إيجابية كثيرة؛ كالتفاؤل والحب والأمل والسلام، ويحتفى بالنيروز كذلك في ساحل شرق أفريقيا، ويسمى باللغة السواحيلية "النيروزي".أما الشعر فهو حوار الحالمين، ويحتفل المجتمع الدولي بيوم الشعر العالمي في اليوم نفسه بمناسبة يراها الكثيرون فرصة لاسترجاع نغمة الشعر وبوح القصيد، في مجتمعات لم تعد تبالي بالقريض، بعد أن احتلتها الهواتف الذكية والصور والفيديوهات بدل الدواوين والكتب.
وفي هذا التقرير تفتح الجزيرة نت نافذة لاستقراء نفوس بعض الشعراء المغاربة، بحثا عما ظل من بوح ونفس شعري في حياتهم.
الشعر والحاضر
في الواقع، لم يعد للشعر ذلك الألق، وفق الدكتور عبد الواحد التهامي العلمي، في لقائه بالجزيرة نت، وقال إن المكانة التي كانت للشعر في مجتمعنا فيما قبل من سنوات الستين والسبعين حيث كان له جمهور واسع من القراء والمتلقين، بل حصل نوع من التردي والانحطاط في الكتابات الشعرية التي نقرؤها اليوم، ومع غياب النقد البناء الصريح، فتح المجال للمجاملات والعلاقات وتبادل المصالح الشخصية، فأصبحت كلمة شاعر تطلق على كل من لا يستحق هذا اللقب.
أما الشاعرة فتيحة النوحو ففتحت ثنايا دواوينها الشعرية للجزيرة، حيث ترى الشعر عندها يحتفي بذاته، بوشائجه مع النسمات المتشابهة والمغايرة، فثمة جمال للتأمل في حضرة الشعر، فعندما ننصت للحياة تنبثق شعرية المغزى، و ينبعث نظم المعنى، مهما انحدرت الإنسانية للقعر، والأصح عند الشاعرة، أن نحرص على شعرية العالم، ونقف يوما واحدا على بشاعة البشرية دون لحظة شعر، أن نموت شعرا أجدر لنا من أن نحيا جلمودا.
"غبن أن نهوى" سرد ذاتي للشاعرة فتيحة النوحو
إلى ذلك الوهج الشعري، يقول الشاعر قاسم الأنصاري، صاحب ديوان "حالاتي مدن" وديوان "جراحات"، إن الشعر عزف على أوتار اللهيب الداخلي للإنسان وانسجام مع آليات الذوق الإنساني الجميل وقدرة جمالية في زرع الروح في الكلمات، وزركش معقد لتسهيل بلوغ نشوة الإلهام والخلق. لكل هذه الملكات غير المشروطة أي ضرورة.
يوم عالمي للشعر
يؤكد الشاعر الأنصاري ضرورة خلق علاقة صريحة جريئة مع الذات والمتلقي، لكل هذا من العادي والصحيح أن يخصص ولو يوم واحد لجمع شتات الشعراء حول أغنية واحدة تعنون باليوم العالمي للشعر، وحبذا لو كان شهرا عالميا للشعر.
ويضيف عبد الواحد التهامي العلمي، صاحب كتاب "أنماط تلقي السرد"، أن يوم الشعر العالمي يمثل مناسبة لنشعر بأهمية هذا الجنس الأدبي الجميل العريق الذي يقوم بتهذيب النفوس وإرهاف القلوب وترقية الأذواق ورفع الإنسان إلى مستوى الإنسانية التي تعشق الجمال، وتمج الكراهية والقبح.
وتعرف منظمة اليونسكو الشعر بأنه أحد أشكال التعبير، وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهو يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر يحول كلمات القصائد البسيطة إلى حافز كبير للحوار والسلام. الشعر لغة تؤلف بين البشر وتعلي من شأن الجمال، الشعر يرقى بالمجتمع إلى المثل السامية، ويرسخ قيمة المحبة بين بني البشر.
كثرة الشعراء وقلة الشعر
وللأسف إن الضحالة الشعرية أصبحت أمراً سائداً رغم غزارة الإنتاج الشعري وطبع الدواوين، وفق ما يرى الناقد عبد الواحد التهامي العلمي، حيث كثرة الشعراء وقلة الشعر. مضيفا أن إغراق الشعر في المباشرة أصبح أمراً مألوفاً. الشعر الذي يكتب اليوم، جله في نظره، جسد بلا روح، فيه الكثير من الغموض الذي لا يقول أي شيء، وفيه من تشويه جماليات التعبير الشيء الكثير. وقديماً قال الحطيئة:
والشعر صعب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه
إلى ذلك أيضا تنحو الشاعرة فتيحة النوحو، صاحبة ديوان "إليك أيها الظمأ كل هذا الارتواء"، إلى أنه ليس كل ما يُطبع أضمومة شعر، وإن كان الشعر في ينابيعه يلقى ولا يدون، ربما لأن الذاكرة لا تسع المتخيل، ربما لأن هناك عملية استسهال في الطبع والنشر دون مقاربة نقدية لما ينثر فوق الورق الصبور على الكثير من الترهات، لكن عند الجد تكرم المفردة أو تشيع.وتضيف الشاعرة النوحو "لا نطلب من الشاعر القيام بالفعل بل برد الفعل، هنا تكمن رمزية ما يتغنى به، فالغنائية ليست بشرط معيب للعقد الاجتماعي، فأن نصغي لموسيقى الألم أبلغ لنا من أن ننتحب في غمار الفرح".
أما الشاعرة جليلة الخليع، فترى المشهد الشعري مزدحم حد الارتباك، لكن ليس كل الإصدارات الشعرية بنفس الثقل الإبداعي، وليس كل القامات الشعرية بالطول نفسه. و"يعود هذا الازدحام إلى غياب النقد الجاد، ما دمنا نعتمد على مبدأ التعاطف مع شاعر ما ونتجاهل الآخرين لكن، لا أظن، أن قوة الشعراء خبت، فلكل قرن أسماؤه الشعرية".
الشاعرة جليلة الخليع تعتبر أن المشهد الشعري مزدحم حد الارتباك
أين الشعراء؟
الشاعر ابن بيئته وفق الشاعرة جليلة الخليع، ولها دكتوراه في موضوع النص العربي القديم، وصاحبة ديوان "رسائل ليست له"، وديوان "ظل منحن على مقعد الشمس"، حيث ترى أن الشاعر لسان قومه "هو ينطلق دائما من الأنا المتغلغلة في الذات ليستجمع بها كل الضمائر، هو مرآة لذاته ومحيطه، يعبر عن معاناته ومعاناة مجتمعه، فلا خير في شاعر ينسلخ عن بيئته ويعيش بعيدا عن هموم مجتمعه".
كما أن "الشاعر هو كناية عن كائن مفرط في تقديراته، وصادق في تعاطيه مع الأحداث والمحيط، وقوته في تقديري تختزلها تلك الهشاشة الفاضحة"، وفق الشاعرة جليلة.والشاعر وفق قاسم الأنصاري، كونه حساسا بشكل خاص، "يشعر بالأشياء بشكل أقوى ولديه الكلمات ليقولها، فالشعر هو في الأساس وسيلة للتعبير عن المشاعر والأحاسيس، والانتقال إلى عوالم أخرى وانتقاد أوجه القصور الاجتماعية والسياسية. ولكن يمكن أن يكون لها أيضًا وظيفة جمالية ومرحة بسيطة، بل يمكن اعتبار الشاعر من قبل الآخرين كائنا غريبا. هو نفسه كثيرًا ما يتساءل أيضًا عن ماهيته ووظيفته في المجتمع".
ولأن الكثير من الشعراء منفصلون في كتابتهم بشكل أو بآخر، وفق الأنصاري، عن هموم مجتمعاتهم وقضاياها، "منفصلون في المضمون والمحتوى الذي غالبا ما يركّز على الهموم الفردية والتجارب الشخصية للشاعر، فلا يكاد القارئ يفهم الفكرة المرجوّة ولا يتمكن من حلّ عُقَد الصورة المحبوكة بعناية، وكأن الهدف منها ألا يفهم القارئ شيئا، مما جعل الناس يزهدون في الشعر والشعراء".
أما عبد الواحد التهامي العلمي فيرى أن الشعر أضحى مهموماً بالذات، و"لم يعد يُعنى بالرسالة الشعرية التي تتوجه إلى خدمة قضايا الإنسان محلياً وعربياً وإنسانياً"، مضيفا أن بعض الباحثين يرون أن ظاهرة تراجع الإقبال على تلقي الشعر راهناً، أصبح ظاهرة عالمية، لكنها تختلف في مستواها بين الشرق والغرب، وتميل إلى صالح الغرب في معظمها"، وربما ذلك بدعوى الحداثة أو ما بعدها.
بعث الروح في الشعر
يظل الشعر دائما ديوان العرب، وفق الشاعرة جليلة الخليع، رغم المقولة السائدة أن الزمن الإبداعي العربي الحالي هو زمن الرواية، فالإبداع الروائي لم يكن له أن يتأتى إن لم يلقح ببذور الشعر الإبداعية، وهذا الازدحام في المشهد الشعري والإصدارات الشعرية الكثيرة والمهرجانات الشعرية والجوائز المخصصة للشعر ما هي إلا دليل على أن الشعر هو ديوان العرب والحافظ لتاريخه.ولبعث روح جديدة في الشعر، حسب العلمي، ولحث شبابنا على الإقبال عليه رغم طغيان الثورة الرقمية، يلزم أولاً أن يتقن الشعراء الشباب ما يسمى بعلوم الآلة (من نحو وصرف وبلاغة وعروض … إلخ)، ثم يلزم ثانياً أن يكونوا ملمين بأسرار اللغة العربية، ويلزم ثالثاً أن يكتب الشعراء بلغة مؤثرة تأثيراً كبيراً في الحياة الأدبية بصفة عامة، وعلى هذا النحو ـ فيما أرى- أن ينهضوا بهذا الجنس الأدبي الجميل، ويسيرون به إلى آفاق تعيد إليه ألقه وسحره وجمهوره الغفير.