السيرة الشاملة للإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) :-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الإمام موسى (عليه السلام) أحد رجال بني هاشم وسابع الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام) وترتيبه التاسع من بين المعصومين الأربعة عشر ، هو الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلّى الله عليهم وسلّم) . يكنّى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي ، ويعرف بالعبد الصالح وينعت أيضاً بالكاظم ، ومن أشهر كناه أبو الحسن الأوّل وأبو الحسن الماضي ؛ ولقّب بالكاظم لكظمه عمّا فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق ، ويعرف بين الشيعة بباب الحوائج .
كان مولده (عليه السلام) بالأبواء - بين مكة والمدينة - وقيل في المدينة في السابع من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل تسع وعشرين ، وقُبِضَ (عليه السلام) شهيداً من أثر السم والتعذيب ببغداد في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذٍ خمس وخمسون سنة (128 أو 129هـ - 183 هـ) . وأولم الإمام الصادق (عليه السلام) عند ولادته فأطعم الناس ثلاثة أيام ، وكان رجلاً مربوعاً أسمر حلو السمرة حسَن الوجه مشرق متلألئ .
أُمه حميدة بنت صاعد البربري ، المشهورة بحمیدة المُصَفّاة وحمیدة البَربَریّة وحمیدة اُلأنْدُلُسیة ، هي زوجة الإمام الصادق وأُمُ الإمام الكاظم (عليهما السلام) ، وكانت جارية اشتراها الإمام الباقر(عليه السلام) لكي يزوجها لولده الإمام الصادق (عليه السلام) وكانت من فضليات نساء أهل البيت (عليهم السلام) والفقيهات التي كان الإمام الصادق (عليه السلام) يُرجع لها النساء في الفُتيا ، كان لها من الأولاد الإمام الكاظم وإسحاق وفاطمة . هي التي اختارت السيدة نجمة كي يتزوجها الإمام الكاظم (عليه السلام) لتلد الإمام من بعده ، وذلك بعد أن رأت النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في رؤيا وأمرها بهذا التزويج . يقع قبرها في مشربة أم إبراهيم الواقعة في منطقة العوالي شرقي مقبرة البقيع ، ويوجد في جوارها قبر السيدة نجمة أُمُ الإمام الرضا (عليه السلام) . وحلفت حميدة أنها رأت في منامها أنها نظرت إلى القمر وقع في حجرها فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «أَنَّهَا تَلِدُ مَوْلُوداً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» .وكان الإمام (عليه السلام) قد تكلّم في المهد ؛ عَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «كَانَ أَبِي مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ» . (البحار : ج48، ص32، عن كشف الغمّة ج3، ص49.)
ترعرع الإمام موسى (عليه السلام) في حضن أبيه أبي عبد الله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، فنهل منه العلوم الإلهية وتخلق بالأخلاق الربانية حتى ظهر في صغره على سائر إخوته ، تصدّى لمنصب الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) سنة 148 هـ ، واستمرت إمامته 35 سنة إلى أن استشهد مسموماً في 25 رجب سنة 183 هـ في بغداد . وقد ذكرت لنا كتب السيرة أن مناظرة حصلت بينه وبين أبي حنيفة حول الجبر والاختيار بيّن له فيها الإمام على صغر سنه بطلان القول بالجبر بالدليل العقلي ما دعا أبا حنيفة الى الاكتفاء بمقابلة الابن عن مقابلة الإمام الصادق (عليه السلام) وخرج أبو حنيفة حائراً مبهوتاً .
اقترنت إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) مع اقتدار وبطش الدولة العباسية ، فكان الإمام يعمل بالتقية تجاههم ويوصي أصحابه بالالتزام بها ، ومن هذا المنطلق لم يذكر للإمام موقف معارض للدولة علانية ، إلّا أنّه كان يسعى من خلال مناظراته مع العباسيين وغيرهم إزالة الشرعيّة عن حكومتهم ، وله مناظرات علميّة مع علماء اليهود والنصارى أتت إجابةً لأسئلتهم . فجسّد الإمام الكاظم (عليه السلام) دور الإمامة بأجمل صورها ومعانيها ، فكان أعبد أهل زمانه وأزهدهم في الدنيا وأفقههم وأعلمهم . كما احتل الإمام (عليه السلام) مكانة مرموقة على صعيد معالجة قضايا العقيدة والشريعة في عصره ، حيث برز في مواجهة الاتجاهات العقائدية المنحرفة والمذاهب الدينية المتطرفة والأحاديث النبوية المدسوسة من خلال عقد الحلقات والمناظرات الفكرية ، مما جعل المدينة محطة علمية وفكرية لفقهاء ورواة عصره يقصدها طلاب العلوم من بقاع الأرض البعيدة ، فكانوا يحضرون مجالسه وفي أكمامهم ألواح من الإبنوس (نوع من الخشب) كما ذكر التاريخ .
قال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب - الجزء (3) - الصفحة (437) :- «كُنْيَتُهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ وَأَبُو الْحَسَنِ الْمَاضِي وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو عَلِيٍّ ، وَيُعْرَفُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ وَالنَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَزَيْنِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْوَفِيِّ وَالصَّابِرِ وَالْأَمِينِ وَالزَّاهِرِ . وَسُمِّيَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زَهَرَ بِأَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ وَكَرَمِهِ الْمُضِيءِ التَّامِّ . وَسُمِّيَ الْكَاظِمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِمَا كَظَمَهُ مِنَ الْغَيْظِ وَغَضِّ بَصَرِهِ عَمَّا فَعَلَهُ الظَّالِمُونَ بِهِ حَتَّى مَضَى قَتِيلًا فِي حَبْسِهِمْ ، وَالْكَاظِمُ الْمُمْتَلِي خَوْفاً وَحُزْناً ، وَمِنْهُ كَظَمَ قِرْبَتَهُ إِذَا شَدَّ رَأْسَهَا ، وَالْكَاظِمَةُ الْبِئْرُ الضَّيِّقَةُ وَالسِّقَايَةُ الْمَمْلُوَّةُ . وَكَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَزْهَرَ إِلَّا فِي الْقَيْظِ لِحَرَارَةِ مِزَاجِهِ ، رَبِعٌ تَمَامٌ خَضِرٌ حَالِكٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ . أُمُّهُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) حَمِيدَةُ الْمُصَفَّاةُ ابْنَةُ صَاعِدٍ الْبَرْبَرِيِّ ، وَيُقَالُ إِنَّهَا أَنْدُلُسِيَّةٌ أُمُّ وَلَدٍ تُكَنَّى لُؤْلُؤَةَ . وُلِدَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْأَبْوَاءِ مَوْضِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، يَوْمَ الْأَحَدِ ، لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ . وَكَانَ فِي سِنِي إِمَامَتِهِ بَقِيَّةُ مُلْكِ الْمَنْصُورِ ، ثُمَّ مُلْكُ الْمَهْدِيِّ عَشْرَ سِنِينَ وَشَهْراً وَأَيَّاماً ، ثُمَّ مُلْكُ الْهَادِي سَنَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً ، ثُمَّ مُلْكُ الرَّشِيدِ ثَلَاثاً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ وَسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً ، وَبَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ الرَّشِيدِ اسْتُشْهِدَ مَسْمُوماً فِي حَبْسِ الرَّشِيدِ عَلَى يَدَيِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقِيلَ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ . وَكَانَ مُقَامُهُ مَعَ أَبِيهِ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَيُقَالُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَبَعْدَ أَبِيهِ أَيَّامُ إِمَامَتِهِ خَمْساً وَثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَقَامَ بِالْأَمْرِ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً ، وَدُفِنَ بِبَغْدَادَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَقَابِرِ قُرَيْشٍ مِنْ بَابِ التِّينِ ، فَصَارَتْ بَابَ الْحَوَائِجِ ، وَعَاشَ أَرْبَعاً وَخَمْسِينَ سَنَةً» . (راجع أيضاً البحار : ج48، ص6. والبحار : ج48، ص1، عن اعلام الورى.)
وعن عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب الشريف لجمال الدين أحمد بن عنبة - الصفحة (185) : «كَانَ مُوسَى الْكَاظِمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَسْوَدَ اللَّوْنِ عَظِيمَ الْفَضْلِ رَابِطَ الْجَأْشِ وَاسِعَ الْعَطَاءِ ، وَكَانَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِصُرَرِ مُوسَى ، وَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ عَجَباً لِمَنْ جَاءَتْهُ صُرَّةُ مُوسَى فَشَكَا الْقِلَّةَ . قَبَضَ عَلَيْهِ مُوسَى الْهَادِي وَحَبَسَهُ ، فَرَأَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي نَوْمِهِ يَقُولُ : (يَا مُوسَى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ! فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ الْمُرَادُ فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ ثُمَّ تَنَكَّرَ لَهُ مِنْ بَعْدُ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُوصِلُ إِلَى الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَذًى . وَلَمَّا وَلِيَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْخِلَافَةَ أَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ ثُمَّ قَبَضَ عَلَيْهِ وَحَبَسَهُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ فَسَلَّمَهُ إِلَى السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ، وَمَضَى الرَّشِيدُ إِلَى الشَّامِ فَأَمَرَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ السِّنْدِيَّ بِقَتْلِهِ ، فَقِيلَ إِنَّهُ سُمَّ وَقِيلَ بَلْ لُفَّ فِي بِسَاطٍ وَغُمِزَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ أُخْرِجَ لِلنَّاسِ وَعَمِلَ مَحْضَراً بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَتَرَكَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى الطَّرِيقِ يَأْتِي مَنْ يَأْتِي ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ يَكْتُبُ فِي الْمَحْضَرِ» . (البحار : ج48، ص248.)
لقد كان الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) لطيفاً مع الناس ويعاملهم بكل احترامٍ ويعمل على مساعدتهم ويقضي حوائجهم وكان يضرب به المثل في صُرَره ، فَعَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : «كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ مَا يَكْرَهُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِصُرَّةِ دَنَانِيرَ ، وَكَانَتْ صُرَرُهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِمِائَةِ إِلَى الْمِائَتَيْ دِينَارٍ ، فَكَانَتْ صُرَرُ مُوسَى مَثَلًا» . (البحار : ج48، ص104، عن مقاتل الطالبين.) وكان (عليه السلام) يتفقد فقراء أهل المدينة فيحمل إليهم في الليل العَيْن والورق وغير ذلك فيوصله إليهم وهم لا يعلمون من أي جهة كان . وكان نقش خاتم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو حسبي الله ؛ عَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَسْبِيَ اللَّهُ وَفِيهِ وَرْدَةٌ وَهِلَالٌ فِي أَعْلَاهُ» . (البحار : ج48، ص10، عن الكافي.)
وكان (عليه السلام) من أعظم الناس طاعة لله ومن أكثرهم عبادة له ، وكانت له ثَفَنات من كثرة السجود لله ، كما كانت لِجدِّه الإمام السجاد (عليه السلام) حتى لُقِّب (عليه السلام) بذي الثفنات . وكان من مظاهر عبادته (عليه السلام) أنه إذا وقف مُصلّياً بين يدي الخالق العظيم أرسل ما في عينيه من دموع وخَفقَ قلبُه ، وكذلك إذا ناجى (عليه السلام) ربَّه أو دعاه . وكان يصلي صلاة الليل ويَصِلُها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويَخُرّ لله ساجداً ، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتى يقرب زوال الشمس . وكان من مظاهر الطاعة عند الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنه دخل مسجد جَدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بِنَبْراتٍ تَقطر خوفاً من الله : (عَظُم الذنبُ عندي فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) . وجعل (عليه السلام) يُردّد هذا الدعاء بإنابة وإخلاص وبكاء حتى أصبح الصباح . وحينما أودعَه الطاغية الظالم هارون الرشيد العباسي في ظُلُمات السجون تفرغ (عليه السلام) للعبادة وشكر الله على ذلك قائلاً : «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّنِي كُنْتُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّغَنِي لِعِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ وَقَدْ فَعَلْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ» . وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن ، فَيُبصر ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغير عن موضعه ، فعجب من ذلك وراح يقول للربيع : ما ذاك الثوب الذي أراهُ كلَّ يوم في ذلك الموضع ؟ فأجابه الربيع قائلاً : يا أمير المؤمنين ، ما ذاك بثوب ! وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال . فبهر الطاغية وقال : أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم ! وسارَعَ الربيع طالباً منه أن يطلقَ سراحَ الإمام (عليه السلام) ولا يضيق عليه في سِجنه قائلاً : يا أمير المؤمنين ، مَالَكَ قد ضيقتَ عليه في الحَبس ؟ فسارع هارون قائلاً : هيهات ، لا بُدَّ من ذلك !
ولقد تعرّض الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) إلى الحبس في السجون لعشراتٍ السنين متعرضاً بذلك إلى ظلم المطامير والسلاسل الشديدة في ساقه المرضوض حتى صار (عليه السلام) نحيفاً وقصيراً كالعبد الأسود ! وكانوا ينقلونه من سجنٍ إلى سجنٍ آخر أسوء منه لأجل تعذيبه حتى يُرغم على الموافقة والانصياع لأوامر الطاغية هارون الرشيد (لعنه الله) ، فلم يجد الطاغية من ينفّذ رغباته في الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) سوى السندي بن شاهك (لعنه الله) الوغد ، فأمره بالنقل إلى سجنه وأمره بالتضييق عليه ، فاستجاب الأثيم لذلك وقابل الإمام بكلّ جفوة وقسوة . والإمام (عليه السلام) صابرٌ محتسبٌ في مَحْبَسٍ بدار المسيّب الواقع قرب باب الكوفة وفيه كانت وفاته ، وقد ضيَّق عليه السندي وقيّده بثلاثين رطلاً من الحديد وكان يقفل الباب في وجهه ولا يدعه يخرج إلّا للوضوء ، وكان السندي من أشدّ الناس بغضاً لأبي طالب (عليه السلام) . ثمّ أنّ الطاغية هارون (لعنه الله) عمد إلى رطب فوضع فيه سمّاً فاتكاً وأمر السندي أن يقدمه إلى الإمام (عليه السلام) ويحتم عليه أن يتناول منه ، وقيل أنّ الرشيد أوعز إلى السندي في ذلك فأخذ رطباً ووضع فيه السم وقدَّمه للإمام (عليه السلام) فأكل منه عشر رطبات ، فقال له السندي زد على ذلك ، فرمقه الإمام بطرفه وقال له : (حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه) . فسرى السمّ في جسده (عليه السلام) وفضل أن يموت ولا يعيش بعد أن لاقى خذلاناً كبيراً من الناس في نصرته ، وقد صبر كثيراً أن يخرجوه من السجن لكنه خاب أمله .
بيان إمامة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) :-
1- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : «لَمَّا قَضَى الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَتْ وَصِيَّتُهُ فِي الْإِمَامَةِ إِلَى مُوسَى الْكَاظِمِ ، فَادَّعَى أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ الْإِمَامَةَ وَكَانَ أَكْبَرَ وُلْدِ جَعْفَرٍ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَفْطَحِ ، فَأَمَرَ مُوسَى بِجَمْعِ حَطَبٍ كَثِيرٍ فِي وَسَطِ دَارِهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا صَارَ عِنْدَهُ وَمَعَ مُوسَى جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الْإِمَامِيَّةِ وَجَلَسَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ ، أَمَرَ مُوسَى أَنْ يُجْعَلَ النَّارُ فِي ذَلِكَ الْحَطَبِ كُلِّهِ ، فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ السَّبَبَ فِيهِ حَتَّى صَارَ الْحَطَبُ كُلُّهُ جَمْراً ، ثُمَّ قَامَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَجَلَسَ بِثِيَابِهِ فِي وَسَطِ النَّارِ وَأَقْبَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ فَنَفَضَ ثَوْبَهُ وَرَجَعَ إِلَى الْمَجْلِسِ فَقَالَ لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ : إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ الْإِمَامُ بَعْدَ أَبِيكَ فَاجْلِسْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ! فَقَالُوا : فَرَأَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ دَارِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» . (البحار : ج48، ص67. عن الخرائج و الجرائح.)
2- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ بِمَ يُعْرَفُ الْإِمَامُ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : بِخِصَالٍ ، أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَشَيْءٌ تَقَدَّمَ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ وَعَرَّفَهُ النَّاسَ وَنَصَبَهُ لَهُمْ عَلَماً حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نَصَبَ عَلِيّاً (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) عَلَماً وَعَرَّفَهُ النَّاسَ وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ يُعَرِّفُونَهُمُ النَّاسَ وَيَنْصِبُونَهُمْ لَهُمْ ؛ حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَيُسْأَلَ فَيُجِيبَ وَيُسْكَتَ عَنْهُ فَيَبْتَدِيَ وَيُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا فِي غَدٍ وَيُكَلِّمَ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ . ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِي : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، السَّاعَةَ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ أُعْطِيكَ عَلَامَةً تَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا . فَوَ اللَّهِ مَا لَبِثْتُ أَنْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَتَكَلَّمَ الْخُرَاسَانِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَجَابَهُ هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلَامِي إِلَّا أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ ؟! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِذَا كُنْتُ لَا أُحْسِنُ أُجِيبُكَ فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ ؟ ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا طَيْرٍ وَلَا بَهِيمَةٍ وَلَا شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ ، بِهَذَا يُعْرَفُ الْإِمَامُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَلَيْسَ هُوَ بِإِمَامٍ» . (البحار : ج48، ص47، عن قرب الإسناد 196.)
3- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ : «كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ابْنُهُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ وَضَعَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْغَدَاءَ وَلِأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرَهُ وَأَطَابَهُ ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَغَدَّى إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ حَمِيدَةَ أَنَّ الطَّلْقَ قَدْ ضَرَبَنِي وَقَدْ أَمَرْتَنِي أَنْ لَا أَسْبِقَكَ بِابْنِكَ هَذَا ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَرِحاً مَسْرُوراً فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ عَادَ إِلَيْنَا حَاسِراً عَنْ ذِرَاعَيْهِ ضَاحِكاً سِنُّهُ ، فَقُلْنَا أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ وَأَقَرَّ عَيْنَكَ مَا صَنَعَتْ حَمِيدَةُ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَهَبَ اللَّهُ لِي غُلَاماً وَهُوَ خَيْرُ مَنْ بَرَأَ اللَّهُ ، وَلَقَدْ خَبَّرَتْنِي عَنْهُ بِأَمْرٍ كُنْتُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهَا . قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا خَبَّرَتْكَ عَنْهُ حَمِيدَةُ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مِنْ بَطْنِهَا وَقَعَ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ تِلْكَ أَمَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَأَمَارَةُ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ . فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا تِلْكَ مِنْ عَلَامَةِ الْإِمَامِ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُلِقَ بِجَدِّي فِيهَا أَتَى آتٍ جَدَّ أَبِي وَهُوَ رَاقِدٌ ، فَأَتَاهُ بِكَأْسٍ فِيهَا شَرْبَةٌ أَرَقُّ مِنَ الْمَاءِ وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ ، فَسَقَاهُ إِيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالْجِمَاعِ ، فَقَامَ فَرِحاً مَسْرُوراً فَجَامَعَ فَعُلِقَ فِيهَا بِجَدِّي . وَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِأَبِي أَتَى آتٍ جَدِّي فَسَقَاهُ كَمَا سَقَى جَدَّ أَبِي وَأَمَرَهُ بِالْجِمَاعِ ، فَقَامَ فَرِحاً مَسْرُوراً فَجَامَعَ فَعُلِقَ بِأَبِي . وَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُلِقَ بِي فِيهَا أَتَى آتٍ أَبِي فَسَقَاهُ وَأَمَرَهُ كَمَا أَمَرَهُمْ ، فَقَامَ فَرِحاً مَسْرُوراً فَجَامَعَ فَعُلِقَ بِي . وَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِابْنِي هَذَا أَتَانِي آتٍ كَمَا أَتَى جَدَّ أَبِي وَجَدِّي وَأَبِي فَسَقَانِي كَمَا سَقَاهُمْ وَأَمَرَنِي كَمَا أَمَرَهُمْ ، فَقُمْتُ فَرِحاً مَسْرُوراً بِعِلْمِ اللَّهِ بِمَا وَهَبَ لِي ، فَجَامَعْتُ فَعُلِقَ بِابْنِي هَذَا الْمَوْلُودِ ، فَدُونَكُمْ فَهُوَ وَاللَّهِ صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» . (البحار : ج48، ص2، عن بصائر الدرجات ج9 باب12 ص129.)
تقوى وعبادة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) :-
1- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : «دَخَلْتُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَطْحٍ ، فَقَالَ لِي : ادْنُ مِنِّي ! فَدَنَوْتُ حَتَّى حَاذَيْتُهُ ثُمَّ قَالَ لِي : أَشْرِفْ إِلَى الْبَيْتِ فِي الدَّارِ ! فَأَشْرَفْتُ فَقَالَ : مَا تَرَى فِي الْبَيْتِ ؟ قُلْتُ ثَوْباً مَطْرُوحاً ! فَقَالَ : انْظُرْ حَسَناً ! فَتَأَمَّلْتُ وَنَظَرْتُ فَتَيَقَّنْتُ فَقُلْتُ : رَجُلٌ سَاجِدٌ ! فَقَالَ لِي : تَعْرِفُهُ ؟ قُلْتُ لَا ! قَالَ : هَذَا مَوْلَاكَ . قُلْتُ : وَمَنْ مَوْلَايَ ؟ فَقَالَ : تَتَجَاهَلُ عَلَيَّ ؟! فَقُلْتُ مَا أَتَجَاهَلُ وَلَكِنِّي لَا أَعْرِفُ لِي مَوْلًى ؟! فَقَالَ : هَذَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنِّي أَتَفَقَّدُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَلَمْ أَجِدْهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا عَلَى الْحَالِ الَّتِي أُخْبِرُكَ بِهَا ، أَنَّهُ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيُعَقِّبُ سَاعَةً فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَةً فَلَا يَزَالُ سَاجِداً حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ ، وَقَدْ وَكَّلَ مَنْ يَتَرَصَّدُ لَهُ الزَّوَالَ فَلَسْتُ أَدْرِي مَتَى يَقُولُ الْغُلَامُ قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ إِذْ يَثِبُ فَيَبْتَدِئُ بِالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ وَضُوءاً ، فَأَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ فِي سُجُودِهِ وَلَا أَغْفَى فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ سَجَدَ سَجْدَةً فَلَا يَزَالُ سَاجِداً إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَثَبَ مِنْ سَجْدَتِهِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ حَدَثاً وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاتِهِ وَتَعْقِيبِهِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ ، فَإِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ أَفْطَرَ عَلَى شَوِيٍّ يُؤْتَى بِهِ ، ثُمَّ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَسْجُدُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيُجَدِّدُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُومُ ، فَلَا يَزَالُ يُصَلِّي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ، فَلَسْتُ أَدْرِي مَتَى يَقُولُ الْغُلَامُ إِنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ إِذْ قَدْ وَثَبَ هُوَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ . فَهَذَا دَأْبُهُ مُنْذُ حُوِّلَ إِلَيَّ . فَقُلْتُ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُحْدِثَنَّ فِي أَمْرِهِ حَدَثاً يَكُونُ مِنْهُ زَوَالُ النِّعْمَةِ ، فَقَدْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ أَحَدٌ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ سُوءاً إِلَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُ زَائِلَةً ! فَقَالَ : قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ يَأْمُرُونَنِي بِقَتْلِهِ فَلَمْ أُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنِّي لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَوْ قَتَلُونِي مَا أَجَبْتُهُمْ إِلَى مَا سَأَلُونِي . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حُوِّلَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى الْبَرْمَكِيِّ فَحُبِسَ عِنْدَهُ أَيَّاماً ، فَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ يَبْعَثُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَائِدَةً وَمَنَعَ أَنْ يُدْخَلَ إِلَيْهِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ ، فَكَانَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يُفْطِرُ إِلَّا عَلَى الْمَائِدَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا حَتَّى مَضَى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ قُدِّمَتْ إِلَيْهِ مَائِدَةٌ لِلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى . قَالَ : وَرَفَعَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : (يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَكَلْتُ قَبْلَ الْيَوْمِ كُنْتُ قَدْ أَعَنْتُ عَلَى نَفْسِي) . قَالَ : فَأَكَلَ فَمَرِضَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ بُعِثَ إِلَيْهِ بِالطَّبِيبِ لِيَسْأَلَهُ عَنِ الْعِلَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ : مَا حَالُكَ ؟ فَتَغَافَلَ عَنْهُ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَخْرَجَ إِلَيْهِ رَاحَتَهُ فَأَرَاهَا الطَّبِيبَ ثُمَّ قَالَ : (هَذِهِ عِلَّتِي) وَكَانَتْ خُضْرَةُ وَسَطِ رَاحَتِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُمَّ !! فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَانْصَرَفَ الطَّبِيبُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ : (وَاللَّهِ لَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فَعَلْتُمْ بِهِ مِنْكُمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ))» . (البحار : ج48، ص210. أمالي الصدوق : ص146، عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام))
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ : «حَدَّثَنِي الْخَرَزِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ بِالْكُوفَةِ قَالَ : حَدَّثَنِي الثَّوْبَانِيُّ قَالَ : كَانَتْ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، كُلَّ يَوْمٍ سَجْدَةٌ بَعْدَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ . فَكَانَ هَارُونُ رُبَّمَا صَعِدَ سَطْحاً يُشْرِفُ مِنْهُ عَلَى الْحَبْسِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ أَبَا الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَكَانَ يَرَى أَبَا الْحَسَنِ سَاجِداً . فَقَالَ لِلرَّبِيعِ : مَا ذَاكَ الثَّوْبُ الَّذِي أَرَاهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؟! قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَاكَ بِثَوْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَجْدَةٌ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ . قَالَ الرَّبِيعُ : فَقَالَ لِي هَارُونُ : أَمَا إِنَّ هَذَا مِنْ رُهْبَانِ بَنِي هَاشِمٍ ؟! قُلْتُ : فَمَا لَكَ فَقَدْ ضَيَّقْتَ عَلَيْهِ فِي الْحَبْسِ ! قَالَ : هَيْهَاتَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ» . (البحار : ج48، ص220. عن عيون أخبار الرضا (ع).)
3- عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : «بَعَثَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) غُلَاماً يَشْتَرِي لَهُ بَيْضاً ، فَأَخَذَ الْغُلَامُ بَيْضَةً أَوْ بَيْضَتَيْنِ فَقَامَرَ بِهَا ، فَلَمَّا أَتَى بِهِ أَكَلَهُ . فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ : إِنَّ فِيهِ مِنَ الْقِمَارِ ! فَدَعَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِطَشْتٍ فَتَقَيَّأَ فَقَاءَهُ» . (البحار : ج48، ص117، عن الكافي.)
4- عن الشيخ المفيد قال : «كَانَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَعْبَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَفْقَهَهُمْ وَأَسْخَاهُمْ كَفّاً وَأَكْرَمَهُمْ نَفْساً ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي نَوَافِلَ اللَّيْلِ وَيَصِلُهَا بِصَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ يُعَقِّبُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَيَخِرُّ لِلَّهِ سَاجِداً فَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَالتَّحْمِيدِ حَتَّى يَقْرُبَ زَوَالُ الشَّمْسِ ، وَكَانَ يَدْعُو كَثِيراً فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْعَفْوَ عِنْدَ الْحِسَابِ ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ . وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ . وَكَانَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى تَخْضَلَّ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ ، وَكَانَ أَوْصَلَ النَّاسِ لِأَهْلِهِ وَرَحِمِهِ ، وَكَانَ يَفْتَقِدُ فُقَرَاءَ الْمَدِينَةِ فِي اللَّيْلِ فَيَحْمِلُ إِلَيْهِمُ الزَّبِيلَ فِيهِ الْعَيْنُ وَالْوَرِقُ وَالْأَدِقَّةُ وَالتُّمُورُ ، فَيُوصِلُ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ هُوَ . وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَكْثَرُوا ، وَكَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ زَمَانِهِ حَسَبَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَحْفَظَهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَهُ يَحْزَنُ وَيَبْكِي السَّامِعُونَ بِتِلَاوَتِهِ ، وَكَانَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ زَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ . وَسُمِّيَ بِالْكَاظِمِ لِمَا كَظَمَهُ مِنَ الْغَيْظِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الظَّالِمِينَ حَتَّى مَضَى قَتِيلًا فِي حَبْسِهِمْ وَوَثَاقِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ» . (البحار : ج48، ص100، عن الإرشاد.)
5- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ : «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي بَيْتِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، فَإِذَا لَيْسَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ إِلَّا خَصَفَةٌ وَسَيْفٌ مُعَلَّقٌ وَمُصْحَفٌ . وَعَنْ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ أَخِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي أَرْبَعِ عُمَرٍ يَمْشِي فِيهَا إِلَى مَكَّةَ بِعِيَالِهِ وَأَهْلِهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مَشَى فِيهَا سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْماً ، وَأُخْرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً ، وَأُخْرَى أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً ، وَأُخْرَى أَحَداً وَعِشْرِينَ يَوْماً» . (البحار : ج48، ص100، عن قُرب الإسناد.)
فقه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وعلمه :-
1- عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ : «أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَلَقِيَ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْحِكَايَةَ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لِبُرَيْهٍ : يَا بُرَيْهُ ، كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ ؟ قَالَ أَنَا بِهِ عَالِمٌ . ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِهِ ؟ قَالَ مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيهِ . فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ فَقَالَ بُرَيْهٌ إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ ! فَآمَنَ بُرَيْهٌ وَحَسُنَ إِيمَانُهُ وَآمَنَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ . فَدَخَلَ هِشَامٌ وَبُرَيْهٌ وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْكَلَامَ الَّذِي جَرَى بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَبَيْنَ بُرَيْهٍ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فَقَالَ بُرَيْهٌ أَنَّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَكُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ نَقْرَأُهَا كَمَا قَرَءُوهَا وَنَقُولُهَا كَمَا قَالُوا ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي» . (البحار : ج48، ص114، عن الكافي.)
2- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ رَفَعَهُ قَالَ : «خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَائِمٌ وَهُوَ غُلَامٌ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : يَا غُلَامُ أَيْنَ يَضَعُ الْغَرِيبُ بِبَلَدِكُمْ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اجْتَنِبْ أَفْنِيَةَ الْمَسَاجِدِ وَشُطُوطَ الْأَنْهَارِ وَمَسَاقِطَ الثِّمَارِ وَمَنَازِلَ النُّزَّالِ ، وَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ ، وَارْفَعْ ثَوْبَكَ وَضَعْ حَيْثُ شِئْتَ» . (البحار : ج48، ص114، عن الكافي.)
3- رُوِيَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَمَّارٍ قَالَ : «لَمَّا حَبَسَ هَارُونُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : نَحْنُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ نُسَاوِيَهُ أَوْ نُشْكِلَهُ . فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَاءَ رَجُلٌ كَانَ مُوَكَّلًا مِنْ قِبَلِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ فَقَالَ : إِنَّ نَوْبَتِي قَدِ انْقَضَتْ وَأَنَا عَلَى الِانْصِرَافِ ، فَإِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ أَمَرْتَنِي حَتَّى آتِيَكَ بِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَخْلُفُنِي النُّوبَةُ . فَقَالَ مَا لِي حَاجَةٌ . فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِأَبِي يُوسُفَ : مَا أَعْجَبَ هَذَا يَسْأَلُنِي أَنْ أُكَلِّفَهُ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِي لِيَرْجِعَ وَهُوَ مَيِّتٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ! فَقَامَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : إِنْ جِئْنَا لِنَسْأَلَهُ عَنِ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ الْآنَ جَاءَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ ! ثُمَّ بَعَثَا بِرَجُلٍ مَعَ الرَّجُلِ فَقَالا اذْهَبْ حَتَّى تَلْزَمَهُ وَتَنْظُرَ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَتَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِ مِنَ الْغَدِ . فَمَضَى الرَّجُلُ فَنَامَ فِي مَسْجِدٍ فِي بَابِ دَارِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ سَمِعَ الْوَاعِيَةَ وَرَأَى النَّاسَ يَدْخُلُونَ دَارَهُ . فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ! فَانْصَرَفَ إِلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَخْبَرَهُمَا الْخَبَرَ فَأَتَيَا أَبَا الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ أَدْرَكْتَ الْعِلْمَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَمِنْ أَيْنَ أَدْرَكْتَ أَمْرَ هَذَا الرَّجُلِ الْمُوَكَّلِ بِكَ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ؟! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . فَلَمَّا رَدَّ عَلَيْهِمَا هَذَا بَقِيَا لَا يُحِيرَانِ جَوَاباً» . (البحار : ج48، ص64. عن الخرائج والجرائح.)
4- عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ : «لَمَّا دَخَلْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ ، فَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئاً فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ وَخِفْتُ أَنْ لَا يَكُونَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) تَرَكَ خَلَفاً ! فَأَتَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ أَدْعُو اللَّهَ وَأَسْتَغِيثُ بِهِ ، ثُمَّ فَكَّرْتُ فَقُلْتُ أَصِيرُ إِلَى قَوْلِ الزَّنَادِقَةِ ثُمَّ فَكَّرْتُ فِيمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَرَأَيْتُ قَوْلَهُمْ يَفْسُدُ ، ثُمَّ قُلْتُ لَا بَلْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ فَآمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَضْرِبُ بِسَيْفِي حَتَّى أَمُوتَ ، ثُمَّ فَكَّرْتَ فِي قَوْلِهِمْ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فَوَجَدْتُهُ يَفْسُدُ ، ثُمَّ قُلْتُ أَصِيرُ إِلَى الْمُرْجِئَةِ ثُمَّ فَكَّرْتُ فِيمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَوْلُهُمْ يَفْسُدُ ، فَبَيْنَا أَنَا أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَمْشِي إِذْ مَرَّ بِي بَعْضُ مَوَالِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ لِي : أَتُحِبُّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ . فَذَهَبَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ عَادَ إِلَيَّ فَقَالَ : قُمْ وَادْخُلْ عَلَيْهِ . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً : يَا هِشَامُ ! لَا إِلَى الزَّنَادِقَةِ وَلَا إِلَى الْخَوَارِجِ وَلَا إِلَى الْمُرْجِئَةِ وَلَا إِلَى الْقَدَرِيَّةِ وَلَكِنْ إِلَيْنَا ! قُلْتُ أَنْتَ صَاحِبِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَجَابَنِي عَمَّا أَرَدْتُ» . (البحار : ج48، ص51. عن بصائر الدرجات.)
5- عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ : «سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ وَهْبٍ وَهُوَ يَقُولُ خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ أَبَا الْحَسَنِ بِالْعُرَيْضِ ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى قَصْرِ بَنِي سَرَاةَ ثُمَّ انْحَدَرْتُ الْوَادِيَ فَسَمِعْتُ صَوْتاً لَا أَرَى شَخْصَهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ! صَاحِبُكَ خَلْفَ الْقَصْرِ عِنْدَ السَّدَّةِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ! فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَداً ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ الصَّوْتَ بِاللَّفْظِ الَّذِي كَانَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثاً فَاقْشَعَرَّ جِلْدِي ثُمَّ انْحَدَرْتُ فِي الْوَادِي حَتَّى أَتَيْتُ قَصْدَ الطَّرِيقِ الَّذِي خَلْفَ الْقَصْرِ وَلَمْ أَطَأْ فِي الْقَصْرِ ، ثُمَّ أَتَيْتُ السَّدَّ نَحْوَ السَّمُرَاتِ ثُمَّ انْطَلَقْتُ قَصْدَ الْغَدِيرِ فَوَجَدْتُ خَمْسِينَ حَيَّاتٍ رَوَافِعَ مِنْ عِنْدِ الْغَدِيرِ ، ثُمَّ اسْتَمَعْتُ فَسَمِعْتُ كَلَاماً وَمُرَاجَعَةً فَطَفِقْتُ بِنَعْلَيَّ لِيَسْمَعَ وَطْئِي ، فَسَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَتَنَحْنَحُ وَتَنَحْنَحْتُ وَأَجَبْتُهُ ثُمَّ هَجَمْتُ فَإِذَا حَيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِسَاقِ شَجَرَةٍ ، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَا تَخْشَيْ وَلَا ضَائِرَ ، فَرَمَتْ بِنَفْسِهَا ثُمَّ نَهَضَتْ عَلَى مَنْكِبِهِ ثُمَّ أَدْخَلَتْ رَأْسَهَا فِي أُذُنِهِ ، فَأَكْثَرَتْ مِنَ الصَّفِيرِ فَأَجَابَ بَلَى قَدْ فَصَلْتُ بَيْنَكُمْ وَلَا يَبْغِي خِلَافَ مَا أَقُولُ إِلَّا ظَالِمٌ ، وَمَنْ ظَلَمَ فِي دُنْيَاهُ فَلَهُ عَذَابُ النَّارِ فِي آخِرَتِهِ مَعَ عِقَابٍ شَدِيدٍ أُعَاقِبُهُ إِيَّاهُ وَآخُذُ مَالَهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ ! فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَلَكُمْ عَلَيْهِمْ طَاعَةٌ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِالنُّبُوَّةِ وَأَعَزَّ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَلَايَةِ ، إِنَّهُمْ لَأَطْوَعُ لَنَا مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْإِنْسِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ» . (البحار : ج48، ص48. عن بصائر الدرجات.)
فضائل ومناقب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) :-
1- عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ : «أَوْلَمَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى بَعْضِ وُلْدِهِ فَأَطْعَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْفَالُوذَجَاتِ (حَلواء تُعمَل من الدَّقيق والمَاء والعَسَل) فِي الْجِفَانِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَزِقَّةِ ، فَعَابَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا آتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّاً مِنْ أَنْبِيَائِهِ شَيْئاً إِلَّا وَقَدْ آتَى مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِثْلَهُ وَزَادَهُ مَا لَمْ يُؤْتِهِمْ . قَالَ لِسُلَيْمَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ . وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» . (البحار : ج48، ص110، عن الكافي.)
2- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ : «حَجَجْتُ أَيَّامَ خَالِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِلْيَاسَ ، فَكَتَبْنَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَكَتَبَ خَالِي : أَنَّ لِي بَنَاتٍ وَلَيْسَ لِي ذَكَرٌ ، وَقَدْ قَلَّ رِجَالُنَا وَقَدْ خَلَّفْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَامِلٌ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ غُلَاماً وَسَمِّهِ . فَوَقَّعَ فِي الْكِتَابِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَدْ قَضَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَاجَتَكَ وَسَمِّهِ مُحَمَّداً . فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ وَقَدْ وُلِدَ لِي غُلَامٍ قَبْلَ دُخُولِيَ الْكُوفَةَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ وَدَخَلْنَا يَوْمَ سَابِعِهِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فَهُوَ وَاللَّهِ الْيَوْمَ رَجُلٌ لَهُ أَوْلَادٌ» . (البحار : ج48، ص43. عن قرب الإسناد.)
3- عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى قَالَ : «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْبَصْرَةِ فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ادْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنِي دَاراً وَزَوْجَةً وَوَلَداً وَخَادِماً وَالْحَجَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؟ قَالَ فَرَفَعَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدَهُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْزُقْ حَمَّادَ بْنَ عِيسَى دَاراً وَزَوْجَةً وَوَلَداً وَخَادِماً وَالْحَجَّ خَمْسِينَ سَنَةً . قَالَ حَمَّادٌ : فَلَمَّا اشْتَرَطَ خَمْسِينَ سَنَةً عَلِمْتُ أَنِّي لَا أَحُجُّ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً . قَالَ حَمَّادٌ : وَقَدْ حَجَجْتُ ثَمَانِيَ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَهَذِهِ دَارِي قَدْ رُزِقْتُهَا وَهَذِهِ زَوْجَتِي وَرَاءَ السِّتْرِ تَسْمَعُ كَلَامِي وَهَذَا ابْنِي وَهَذِهِ خَادِمِي وَقَدْ رُزِقْتُ كُلَّ ذَلِكَ . فَحَجَّ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ حَجَّتَيْنِ تَمَامَ الْخَمْسِينَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَاجّاً فَزَامَلَ أَبَا الْعَبَّاسِ النَّوْفَلِيَّ ، فَلَمَّا صَارَ فِي مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ دَخَلَ يَغْتَسِلُ فَجَاءَ الْوَادِي فَحَمَلَهُ فَغَرِقَ ، فَمَاتَ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ زِيَادَةً عَلَى الْخَمْسِينَ وَقَبْرُهُ بِسَيَالَةَ» . (البحار : ج48، ص47. عن رجال الكشي وقرب الإسناد.)
4- عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ : «مَرَّ الْعَبْدُ الصَّالِحُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِامْرَأَةٍ بِمِنًى وَهِيَ تَبْكِي وَصِبْيَانُهَا حَوْلَهَا يَبْكُونَ ، وَقَدْ مَاتَتْ بَقَرَةٌ لَهَا فَدَنَا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا : مَا يُبْكِيكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ ؟ قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِي صِبْيَاناً أَيْتَاماً فَكَانَتْ لِي بَقَرَةٌ مَعِيشَتِي وَمَعِيشَةُ صِبْيَانِي كَانَ مِنْهَا ! فَقَدْ مَاتَتْ وَبَقِيتُ مُنْقَطِعَةً بِي وَبِوُلْدِي وَلَا حِيلَةَ لَنَا . فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَهَا : يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ لَكِ أَنْ أُحْيِيَهَا لَكِ ؟ فَأُلْهِمَتْ أَنْ قَالَتْ نَعَمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ ! فَتَنَحَّى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَاحِيَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ يَمْنَةً وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَمَرَّ بِالْبَقَرَةِ فَنَخَسَهَا نَخْساً أَوْ ضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ ، فَاسْتَوَتْ عَلَى الْأَرْضِ قَائِمَةً فَلَمَّا نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْبَقَرَةِ قَدْ قَامَتْ صَاحَتْ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ! فَخَالَطَ النَّاسَ وَصَارَ بَيْنَهُمْ وَمَضَى بَيْنَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ» . (البحار : ج48، ص55. عن بصائر الدرجات : ج6، ص76.)
5- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : «دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أُحِبُّ أَنْ تَتَغَدَّى عِنْدِي ؟ فَقَامَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَتَّى مَضَى مَعَهُ فَدَخَلَ الْبَيْتَ ، فَإِذَا فِي الْبَيْتِ سَرِيرٌ فَقَعَدَ عَلَى السَّرِيرِ وَتَحْتَ السَّرِيرِ زَوْجُ حَمَامٍ ، فَهَدَرَ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَذَهَبَ الرَّجُلُ لِيَحْمِلَ الطَّعَامَ . فَرَجَعَ وَأَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَضْحَكُ . فَقَالَ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ بِمَ ضَحِكْتَ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ هَذَا الْحَمَامَ هَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْحَمَامَةِ فَقَالَ لَهَا يَا سَكَنِي وَعِرْسِي وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ ، مَا خَلَا هَذَا الْقَاعِدِ عَلَى السَّرِيرِ . قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَتَفْهَمُ كَلَامَ الطَّيْرِ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» . (البحار : ج48، ص56. عن بصائر الدرجات : ج7، ص10.)
6- عَن الْبَطَائِنِيُّ قَالَ : «خَرَجَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ خَارِجَةٍ عَنْهَا ، فَصَحِبْتُهُ وَكَانَ رَاكِباً بَغْلَةً وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ اعْتَرَضَنَا أَسَدٌ ! فَأَحْجَمْتُ خَوْفاً وَأَقْدَمَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهِ فَرَأَيْتُ الْأَسَدَ يَتَذَلَّلُ لِأَبِي الْحَسَنِ وَيُهَمْهِمُ ! فَوَقَفَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَالْمُصْغِي إِلَى هَمْهَمَتِهِ وَوَضَعَ الْأَسَدُ يَدَهُ عَلَى كَفَلِ بَغْلَتِهِ وَخِفْتُ مِنْ ذَلِكَ خَوْفاً عَظِيماً ! ثُمَّ تَنَحَّى الْأَسَدُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ وَحَوَّلَ أَبُو الْحَسَنِ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَجَعَلَ يَدْعُو ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِمَا لَمْ أَفْهَمْهُ ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى الْأَسَدِ بِيَدِهِ أَنِ امْضِ فَهَمْهَمَ الْأَسَدُ هَمْهَمَةً طَوِيلَةً وَأَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ : آمِينَ آمِينَ . وَانْصَرَفَ الْأَسَدُ حَتَّى غَابَ عَنْ أَعْيُنِنَا وَمَضَى أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِوَجْهِهِ وَاتَّبَعْتُهُ ، فَلَمَّا بَعُدْنَا عَنِ الْمَوْضِعِ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا شَأْنُ هَذَا الْأَسَدِ ؟ فَلَقَدْ خِفْتُهُ وَاللَّهِ عَلَيْكَ وَعَجِبْتُ مِنْ شَأْنِهِ مَعَكَ ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّهُ خَرَجَ يَشْكُو عُسْرَ الْوِلَادَةِ عَلَى لَبُؤَتِهِ وَسَأَلَنِي أَنْ أَدْعُوَ اللَّهَ لِيُفَرِّجَ عَنْهَا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ، وَأُلْقِيَ فِي رُوعِي أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ ذَكَراً فَخَبَّرْتُهُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ لِي امْضِ فِي حِفْظِ اللَّهِ . فَلَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ذُرِّيَّتِكَ وَعَلَى أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِكَ شَيْئاً مِنَ السِّبَاعِ فَقُلْتُ آمِينَ» . (البحار : ج48، ص57. عن الخرائج و الجرائح والمناقب لابن شهرآشوب.)
7- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : «أَخَذَ بِيَدِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَوْماً فَخَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الصَّحْرَاءِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مَغْرِبِيٍّ عَلَى الطَّرِيقِ يَبْكِي وَبَيْنَ يَدَيْهِ حِمَارٌ مَيِّتٌ وَرَحْلُهُ مَطْرُوحٌ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ كُنْتُ مَعَ رُفَقَائِي نُرِيدُ الْحَجَّ فَمَاتَ حِمَارِي هَاهُنَا وَبَقِيتُ وَمَضَى أَصْحَابِي وَقَدْ بَقِيتُ مُتَحَيِّراً لَيْسَ لِي شَيْءٌ أَحْمِلُ عَلَيْهِ . فَقَالَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَعَلَّهُ لَمْ يَمُتْ . قَالَ أَمَا تَرْحَمُنِي حَتَّى تَلْهُوَ بِي ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّ عِنْدِي رُقْيَةٌ جَيِّدَةٌ . قَالَ الرَّجُلُ : لَيْسَ يَكْفِينِي مَا أَنَا فِيهِ حَتَّى تَسْتَهْزِئَ بِي ! فَدَنَا مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ الْحِمَارِ وَنَطَقَ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ وَأَخَذَ قَضِيباً كَانَ مَطْرُوحاً ، فَضَرَبَهُ وَصَاحَ عَلَيْهِ فَوَثَبَ الْحِمَارُ صَحِيحاً سَلِيماً فَقَالَ يَا مَغْرِبِيُّ تَرَى هَاهُنَا شَيْئاً مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ ؟ الْحَقْ بِأَصْحَابِكَ ! وَمَضَيْنَا وَتَرَكْنَاهُ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ : فَكُنْتُ وَاقِفاً يَوْماً عَلَى بِئْرِ زَمْزَمَ بِمَكَّةَ ، فَإِذَا الْمَغْرِبِيُّ هُنَاكَ فَلَمَّا رَآنِي عَدَا إِلَيَّ وَقَبَّلَ يَدِي فَرِحاً مَسْرُوراً فَقُلْتُ لَهُ : مَا حَالُ حِمَارِكَ ؟ فَقَالَ : هُوَ وَاللَّهِ سَلِيمٌ صَحِيحٌ وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ فَأَحْيَا لِي حِمَارِي بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ بَلَغْتَ حَاجَتَكَ فَلَا تَسْأَلْ عَمَّا لَا تَبْلُغُ مَعْرِفَتَهُ» . (البحار : ج48، ص71. عن الخرائج و الجرائح.)
8- عَنِ ابْنِ الْبَطَائِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : «دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا مَرِيضٌ شَدِيدَ الْمَرَضِ ، وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُونَ وَلَا أَعْقِلُ بِهِمْ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَصَابَنِي حُمَّى فَذَهَبَ عَقْلِي . وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ أَنَّهُ أَقَامَ عَلَيَّ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّى يَدْفِنَنِي وَيُصَلِّيَ عَلَيَّ ، وَخَرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَفَقْتُ بَعْدَ مَا خَرَجَ إِسْحَاقُ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي افْتَحُوا كِيسِي وَأَخْرِجُوا مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَاقْسِمُوهَا فِي أَصْحَابِنَا ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَقَالَ الرَّسُولُ : يَقُولُ لَكَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) اشْرَبْ هَذَا الْمَاءَ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَفَعَلْتُ فَأَسْهَلَ بَطْنِي فَأَخْرَجَ اللَّهُ مَا كُنْتُ أَجِدُهُ مِنْ بَطْنِي مِنَ الْأَذَى وَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : يَا عَلِيُّ أَمَّا أَجَلُكَ قَدْ حَضَرَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَخَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ فَلَقِيتُ إِسْحَاقَ بْنَ عَمَّارٍ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا شَكَكْتُ إِلَّا أَنَّكَ سَتَمُوتُ ! فَأَخْبِرْنِي بِقِصَّتِكَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ وَمَا قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِمَّا أَنْشَأَ اللَّهُ فِي عُمُرِي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنَ الْمَوْتِ وَأَصَابَنِي مِثْلُ مَا أَصَابَ ؟ فَقُلْتُ يَا إِسْحَاقُ : إِنَّهُ إِمَامٌ ابْنُ إِمَامٍ وَبِهَذَا يُعْرَفُ الْإِمَامُ» . (البحار : ج48، ص34. عن رجال الكشّيّ ص279.)
9- عَنْ أَيُّوبَ الْهَاشِمِيِ أَنَّهُ قَالَ : «حَضَرَ بَابَ الرَّشِيدِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نُفَيْعٌ الْأَنْصَارِيُّ ، وَحَضَرَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى حِمَارٍ لَهُ فَتَلَقَّاهُ الْحَاجِبُ بِالْإِكْرَامِ وَعَجَّلَ لَهُ بِالْإِذْنِ ، فَسَأَلَ نُفَيْعٌ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عُمَرَ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ ؟ قَالَ شَيْخُ آلِ أَبِي طَالِبٍ شَيْخُ آلِ مُحَمَّدٍ هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . قَالَ مَا رَأَيْتُ أَعْجَزَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ يَفْعَلُونَ هَذَا بِرَجُلٍ يَقْدِرُ أَنْ يُزِيلَهُمْ عَنِ السَّرِيرِ ؟ أَمَا إِنْ خَرَجَ لَأُسَوِّئَنَّهُ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ : لَا تَفْعَلْ ! فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتٍ قَلَّ مَا تَعَرَّضَ لَهُمْ أَحَدٌ فِي الْخِطَابِ إِلَّا وَسَمُوهُ فِي الْجَوَابِ سِمَةً يَبْقَى عَارُهَا عَلَيْهِ مَدَى الدَّهْرِ ! قَالَ وَخَرَجَ مُوسَى وَأَخَذَ نُفَيْعٌ بِلِجَامِ حِمَارِهِ وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ يَا هَذَا ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ النَّسَبَ أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللَّهِ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ ذَبِيحِ اللَّهِ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْبَلَدَ فَهُوَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ الْحَجَّ إِلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمُفَاخَرَةَ فَوَ اللَّهِ مَا رَضُوا مُشْرِكُو قَوْمِي مُسْلِمِي قَوْمِكَ أَكْفَاءً لَهُمْ حَتَّى قَالُوا يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الصِّيتَ وَالِاسْمَ فَنَحْنُ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْنَا فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ تَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ , فَنَحْنُ آلُ مُحَمَّدٍ . خَلِّ عَنِ الْحِمَارِ ! فَخَلَّى عَنْهُ وَيَدُهُ تُرْعَدُ وَانْصَرَفَ مَخْزِيّاً . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ» . (البحار : ج48، ص143، عن المناقب.)
10- عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : «كَانَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ مَا يَكْرَهُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِصُرَّةِ دَنَانِيرَ ، وَكَانَتْ صُرَرُهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِمِائَةِ إِلَى الْمِائَتَيْ دِينَارٍ ؛ فَكَانَتْ صُرَرُ مُوسَى مَثَلًا» . (البحار : ج48، ص104، عن مقاتل الطالبين.)
11- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيِّ قَالَ : «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَطْلُبُ بِهَا دَيْناً فَأَعْيَانِي ، فَقُلْتُ لَوْ ذَهَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ، فَأَتَيْتُهُ بِنَقَمَى فِي ضَيْعَتِهِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ وَمَعَهُ غُلَامٌ وَمَعَهُ مِنْسَفٌ فِيهِ قَدِيدٌ مُجَزَّعٌ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، فَأَكَلَ فَأَكَلْتُ مَعَهُ ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي فَذَكَرْتُ لَهُ قِصَّتِي ، فَدَخَلَ وَلَمْ يَقُمْ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ لِغُلَامِهِ : اذْهَبْ ! ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَيَّ فَنَاوَلَنِي صُرَّةً فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ قَامَ فَرَحَلَ فَقُمْتُ فَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَانْصَرَفْتُ» . (البحار : ج48، ص102، عن الارشاد.)
12- عَنْ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمَشَايِخِهِ : «أَنَّ رَجُلًا مِنْ وُلْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُؤْذِي أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَيَسُبُّهُ إِذَا رَآهُ وَيَشْتِمُ عَلِيّاً . فَقَالَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِهِ يَوْماً دَعْنَا نَقْتُلْ هَذَا الْفَاجِرَ ؟ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ وَزَجَرَهُمْ وَسَأَلَ عَنِ الْعُمَرِيِّ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَزْرَعُ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ ، فَدَخَلَ الْمَزْرَعَةَ بِحِمَارِهِ فَصَاحَ بِهِ الْعُمَرِيُّ لَا تُوَطِّئْ زَرْعَنَا ! فَتَوَطَّأَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالْحِمَارِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ وَنَزَلَ وَجَلَسَ عِنْدَهُ وَبَاسَطَهُ وَضَاحَكَهُ وَقَالَ لَهُ : كَمْ غَرِمْتُ عَلَى زَرْعِكَ هَذَا ؟ قَالَ مِائَةَ دِينَارٍ . قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَكَمْ تَرْجُو أَنْ تُصِيبَ ؟ قَالَ لَسْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَهُ : إِنَّمَا قُلْتُ كَمْ تَرْجُو أَنْ يَجِيئَكَ فِيهِ ؟ قَالَ أَرْجُو أَنْ يَجِيءَ مِائَتَا دِينَارٍ . فَأَخْرَجَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) صُرَّةً فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ : هَذَا زَرْعُكَ عَلَى حَالِهِ ، وَاللَّهُ يَرْزُقُكَ فِيهِ مَا تَرْجُو . فَقَامَ الْعُمَرِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَصْفَحَ عَنْ فَارِطِهِ ، فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَانْصَرَفَ . قَالَ وَرَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ الْعُمَرِيَّ جَالِساً ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاتِهِ . قَالَ فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ مَا قَضِيَّتُكَ قَدْ كُنْتَ تَقُولُ غَيْرَ هَذَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُ الْآنَ وَجَعَلَ يَدْعُو لِأَبِي الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَخَاصَمُوهُ وَخَاصَمَهُمْ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ إِلَى دَارِهِ قَالَ لِجُلَسَائِهِ الَّذِينَ سَأَلُوهُ فِي قَتْلِ الْعُمَرِيِّ أَيُّمَا كَانَ خَيْراً مَا أَرَدْتُمْ أَمْ مَا أَرَدْتُ ؟ إِنَّنِي أَصْلَحْتُ أَمْرَهُ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي عَرَفْتُمْ وَكُفِيتُ بِهِ شَرَّهُ» . (البحار : ج48، ص102، عن إعلام الورى.)
من الأسباب التي أدت إلى سجن الإمام الكاظم :-
1- من الأسباب التي حفّزت هارون الرشيد لاعتقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وزجّه في غياهب السجون ، احتجاجه عليه بأنه أولى بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جميع المسلمين ، فهو أحد أسباطه ووريثه وأنّه أحق بالخلافة من غيره ، وقد جرى احتجاجه معه عند قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك عندما زاره هارون وقد احتفّ به الأشراف والوجوه وقادة الجيش وكبار الموظفين في الدولة ، فقد أقبل بوجهه على الضريح المقدّس وسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قائلاً : (السلام عليك ابن العم). وبذلك بدا الاعتزاز والافتخار لهارون على غيره برحمه الماسة من النبي (صلّى الله عليه وآله) وإنّه نال الخلافة لهذا السبب ، قربه من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم). أمّا الإمام الكاظم (عليه السلام) فتقدم أمام الجمهور وسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قائلاً : (السلام عليك يا أبتِ) . عندها استولت على الرشيد موجات من الاستياء وكاد يفقد صوابه ؛ لأنّ الإمام (عليه السلام) قد سبقه إلى ذلك المجد ، فاندفع قائلاً بصوت مشحون بالغضب : (ثم قلت إنك أقرب إلى الرسول منّا؟!). فأجابه الإمام (عليه السلام) بهدوء كعادته وبجواب مفحم لم يتمكن الرشيد من الرد عليه : (لو بعث رسول الله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك ؟) فقال هارون : سبحان الله ! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم) . فانبرى الإمام وبيّن له الوجه الصحيح في قربه من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دونه قائلاً : (لكنه لا يخطب منّي ولا أزوجه، لأنه والدنا لا والدكم، فلذلك نحن أقرب إليه منكم) وتابع (عليه السلام) مدعماً رأيه ببرهان آخر فقال لهارون : (هل كان يجوز له أن يدخل على حرمك وهنّ مكشفات؟) فقال هارون : لا. فقال الإمام (عليه السلام) : لكن له أن يدخل على حرمي ويجوز له ذلك ، وهذا يعني أننا اقرب إليه منكم . وبذلك يكون الإمام قد سدّ أمامه كل منافذ الدفاع بحججه الدامغة بعد أن ألبسه ثوب الفشل ، وبيّن بطلان ما ذهب إليه ، فهو أحق منه بالخلافة لأنه سبطه ووارثه ، عندها اندفع هارون حانقاً وأمر باعتقال الإمام (عليه السلام) وزجّه في السجن . ذَكَرَ ابْنُ عُمَارَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ :
«أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الرَّشِيدُ إِلَى الْحَجِّ وَقَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ اسْتَقْبَلَهُ الْوُجُوهُ مِنْ أَهْلِهَا يَقْدُمُهُمْ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى بَغْلَةٍ ، فَقَالَ لَهُ الرَّبِيعُ : مَا هَذِهِ الدَّابَّةُ الَّتِي تَلَقَّيْتَ عَلَيْهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ وَأَنْتَ إِنْ تَطْلُبْ عَلَيْهَا لَمْ تَلْحَقْ وَإِنْ طُلِبْتَ عَلَيْهَا لَمْ تُفَتْ ؟! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّهَا تَطَأْطَأَتْ عَنْ خُيَلَاءِ الْخَيْلِ وَارْتَفَعَتْ عَنْ ذِلَّةِ الْعَيْرِ ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا . قَالُوا : وَلَمَّا دَخَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْمَدِينَةَ تَوَجَّهَ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَعَهُ النَّاسُ ، فَتَقَدَّمَ الرَّشِيدُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ عَمِّ مُفْتَخِراً بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ . فَتَقَدَّمَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ ، عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهْ . فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الرَّشِيدِ وَتَبَيَّنَ الْغَيْظُ فِيهِ» ... (البحار : ج48، ص103، عن إعلام الورى.)
2- الملك عقيم بحسب رأي المأمون الخليفة السابع للعباسين من بعد هارون الرشيد الذي هو الخليفة الخامس للدولة العباسية :- عَنْ سُفْيَانَ بْنِ نِزَارٍ قَالَ : «كُنْتُ يَوْماً عَلَى رَأْسِ الْمَأْمُونِ فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ عَلَّمَنِي التَّشَيُّعَ ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ جَمِيعاً : لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ ؟! قَالَ : عَلَّمَنِيهِ الرَّشِيدُ ! قِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ وَالرَّشِيدُ كَانَ يَقْتُلُ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ ؟! قَالَ : كَانَ يَقْتُلُهُمْ عَلَى الْمُلْكِ لِأَنَّ الْمُلْكَ عَقِيمٌ» . (البحار : ج48، ص129، عن الاحتجاج.)
3- عدم رضا الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) على قيام الرشيد بعقد الأمر لابنه محمد ابن زبيدة ؛ وذلك لأنّ العباسيين كانوا يورثون الحكم لأبنائهم وهم يدعون نسبهم لأهل البيت (عليهم السلام) :- عَنْ صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ : «كَانَ السَّبَبَ فِي وُقُوعِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى بَغْدَادَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ الْأَمْرَ لِابْنِهِ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْبَنِينِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ابْناً ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً مُحَمَّدَ ابْنَ زُبَيْدَةَ وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَعَبْدَ اللَّهِ الْمَأْمُونَ وَجَعَلَ الْأَمْرَ لَهُ بَعْدَ ابْنِ زُبَيْدَةَ وَالْقَاسِمَ الْمُؤْتَمَنَ وَجَعَلَ الْأَمْرَ لَهُ بَعْدَ الْمَأْمُونِ ، فَأَرَادَ أَنْ يُحْكِمَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَيُشَهِّرَهُ شُهْرَةً يَقِفُ عَلَيْهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ ، فَحَجَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَكَتَبَ إِلَى جَمِيعِ الْآفَاقِ يَأْمُرُ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ وَالْقُرَّاءَ وَالْأُمَرَاءَ أَنْ يَحْضُرُوا مَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ ، فَأَخَذَ هُوَ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ» . (البحار : ج48، ص207، عن عيون أخبار الرضا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ج1، ص69.)
4- عدم قيام الرشيد بإعطاء فدك بحدودها إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ؛ فهم قد بخسوا حق أهل البيت (عليهم السلام) ولم يعطوهم حقوقهم :- عن ابن شهر آشوب فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ : «أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ يَقُولُ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ خُذْ فَدَكاً حَتَّى أَرُدَّهَا إِلَيْكَ ، فَيَأْبَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ . فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَا آخُذُهَا إِلَّا بِحُدُودِهَا ! قَالَ : وَمَا حُدُودُهَا ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنْ حَدَّدْتُهَا لَمْ تَرُدَّهَا . قَالَ : بِحَقِّ جَدِّكَ إِلَّا فَعَلْتُ . قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فَعَدَنُ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الرَّشِيدِ وَقَالَ إِيهاً ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَالْحَدُّ الثَّانِي سَمَرْقَنْدُ ، فَارْبَدَّ وَجْهُهُ . قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَالْحَدُّ الثَّالِثُ إِفْرِيقِيَةُ ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ وَقَالَ : هِيهِ ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَالرَّابِعُ سِيفُ الْبَحْرِ مِمَّا يَلِي الْجُزُرَ وَإِرْمِينِيَةُ . قَالَ الرَّشِيدُ : فَلَمْ يَبْقَ لَنَا شَيْءٌ فَتَحَوَّلَ إِلَى مَجْلِسِي . قَالَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّنِي إِنْ حَدَّدْتُهَا لَمْ تَرُدَّهَا . فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَسْبَاطٍ أَنَّهُ قَالَ : «أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فَعَرِيشُ مِصْرَ وَالثَّانِي دُومَةُ الْجَنْدَلِ وَالثَّالِثُ أُحُدٌ وَالرَّابِعُ سَيْفُ الْبَحْرِ . فَقَالَ : هَذَا كُلُّهُ هَذِهِ الدُّنْيَا ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هَذَا كَانَ فِي أَيْدِي الْيَهُودِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي هَالَةَ ، فَأَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِلَا خَيْلٍ وَلا رِكابٍ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى فَاطِمَةَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِا)» . (البحار : ج48، ص144، عن المناقب لابن شهر آشوب.)
5- عَنْ صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ : «كَانَ السَّبَبَ فِي وُقُوعِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى بَغْدَادَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ الْأَمْرَ لِابْنِهِ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْبَنِينِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ابْناً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً مُحَمَّدَ ابْنَ زُبَيْدَةَ ، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَعَبْدَ اللَّهِ الْمَأْمُونَ ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ لَهُ بَعْدَ ابْنِ زُبَيْدَةَ وَالْقَاسِمَ الْمُؤْتَمَنَ ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ لَهُ بَعْدَ الْمَأْمُونِ فَأَرَادَ أَنْ يُحْكِمَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَيُشَهِّرَهُ شُهْرَةً يَقِفُ عَلَيْهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ ، فَحَجَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَكَتَبَ إِلَى جَمِيعِ الْآفَاقِ يَأْمُرُ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ وَالْقُرَّاءَ وَالْأُمَرَاءَ أَنْ يَحْضُرُوا مَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ ، فَأَخَذَ هُوَ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ : فَحَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ سَبَبُ سِعَايَةِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ بِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَضْعَ الرَّشِيدِ ابْنَهُ مُحَمَّدَ ابْنَ زُبَيْدَةَ فِي حَجْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، فَسَاءَ ذَلِكَ يَحْيَى وَقَالَ إِذَا مَاتَ الرَّشِيدُ وَأَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى مُحَمَّدٍ انْقَضَتِ دَوْلَتِي وَدَوْلَةُ وُلْدِي وَتَحَوَّلَ الْأَمْرُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَوُلْدِهِ ، وَكَانَ قَدْ عَرَفَ مَذْهَبَ جَعْفَرٍ فِي التَّشَيُّعِ ، فَأَظْهَرَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فَسُرَّ بِهِ جَعْفَرٌ وَأَفْضَى إِلَيْهِ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ وَذَكَرَ لَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» ... (البحار : ج48، ص207. عن عيون أخبار الرضا (ع).)
معجزات الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في السجون :-
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ : «دَعَانِي هَارُونُ الرَّشِيدُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ أَنْتَ وَمَوْضِعَ السِّرِّ مِنْكَ ؟ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَنَا إِلَّا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكَ . فَقَالَ امْضِ إِلَى تِلْكَ الْحُجْرَةِ وَخُذْ مَنْ فِيهَا وَاحْتَفِظْ بِهِ إِلَى أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ . قَالَ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَحَمَلْتُهُ عَلَى دَابَّتِي إِلَى مَنْزِلِي ، فَأَدْخَلْتُهُ دَارِي وَجَعَلْتُهُ مَعَ حَرَمِي وَقَفَّلْتُ عَلَيْهِ وَالْمِفْتَاحُ مَعِي وَكُنْتُ أَتَوَلَّى خِدْمَتَهُ ، وَمَضَتِ الْأَيَّامُ فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا بِرَسُولِ الرَّشِيدِ يَقُولُ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَنَهَضْتُ وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ وَعَنْ يَمِينِهِ فِرَاشٌ وَعَنْ يَسَارِهِ فِرَاشٌ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : مَا فَعَلْتَ بِالْوَدِيعَةِ ؟ فَكَأَنِّي لَمْ أَفْهَمْ مَا قَالَ ! فَقَالَ مَا فَعَلَ صَاحِبُكَ ؟ فَقُلْتُ صَالِحٌ . فَقَالَ امْضِ إِلَيْهِ وَادْفَعْ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَهْلِهِ . فَقُمْتُ وَهَمَمْتُ بِالانْصِرَافِ فَقَالَ لِي : أَتَدْرِي مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَمَا هُوَ ؟ قُلْتُ لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! قَالَ نِمْتُ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي عَنْ يَمِينِي فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي قَائِلًا يَقُولُ لِي : يَا هَارُونُ ، أَطْلِقْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ! فَانْتَبَهْتُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا لِمَا فِي نَفْسِي مِنْهُ ، فَقُمْتُ إِلَى هَذَا الْفِرَاشِ الْآخَرِ فَرَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّخْصَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ : يَا هَارُونُ ، أَمَرْتُكَ أَنْ تُطْلِقَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَلَمْ تَفْعَلْ ! فَانْتَبَهْتُ وَتَعَوَّذْتُ مِنَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قُمْتُ إِلَى هَذَا الْفِرَاشِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وَإِذَا بِذَلِكَ الشَّخْصِ بِعَيْنِهِ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ كَانَ أَوَّلُهَا بِالْمَشْرِقِ وَآخِرُهَا بِالْمَغْرِبِ وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَيَّ ! وَهُوَ يَقُولُ : وَاللَّهِ يَا هَارُونُ لَئِنْ لَمْ تُطْلِقْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ لَأَضَعَنَّ هَذِهِ الْحَرْبَةَ فِي صَدْرِكَ وَأُطْلِعُهَا مِنْ ظَهْرِكَ ! فَأَرْسَلْتُ إِلَيْكَ فَامْضِ فِيمَا أَمَرْتُكَ بِهِ وَلَا تُظْهِرْهُ إِلَى أَحَدٍ فَأَقْتُلَكَ ! فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ . فَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَفَتَحْتُ الْحُجْرَةَ وَدَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَوَجَدْتُهُ قَدْ نَامَ فِي سُجُودِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، افْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ . فَقُلْتُ لَهُ : يَا مَوْلَايَ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَبِحَقِّ جَدِّكَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ دَعَوْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمِكَ هَذَا بِالْفَرَجِ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَجَلْ إِنِّي صَلَّيْتُ الْمَفْرُوضَةَ وَسَجَدْتُ وَغَفَوْتُ فِي سُجُودِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ يَا مُوسَى أَ تُحِبُّ أَنْ تُطْلَقَ ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : ادْعُ بِهَذِهِ الدُّعَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ الدُّعَاءَ . فَلَقَدْ دَعَوْتُ بِهِ وَرَسُولُ اللَّهُ يُلَقِّنِّيهِ حَتَّى سَمِعْتُكَ . فَقُلْتُ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ فِيكَ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ مَا أَمَرَنِي بِهِ الرَّشِيدُ وَأَعْطَيْتُهُ ذَلِكَ» . (البحار : ج48، ص245، عن مهج الدعوات : ص245.)
2- قَالَ الْعَامِرِيُ : «إِنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ أَنْفَذَ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) جَارِيَةً خَصِيفَةً لَهَا جَمَالٌ وَوَضَاءَةٌ لِتَخْدُمَهُ فِي السِّجْنِ ، فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : (قُلْ لَهُ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ! لَا حَاجَةَ لِي فِي هَذِهِ وَلَا فِي أَمْثَالِهَا) . فَاسْتَطَارَ هَارُونُ غَضَباً وَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ لَيْسَ بِرِضَاكَ حَبَسْنَاكَ وَلَا بِرِضَاكَ أَخَذْنَاكَ ، وَاتْرُكِ الْجَارِيَةَ عِنْدَهُ وَانْصَرِفْ ! فَمَضَى وَرَجَعَ ثُمَّ قَامَ هَارُونُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَأَنْفَذَ الْخَادِمَ إِلَيْهِ لِيَسْتَفْحِصَ عَنْ حَالِهَا ، فَرَآهَا سَاجِدَةً لِرَبِّهَا لَا تَرْفَعُ رَأْسَهَا تَقُولُ قُدُّوسٌ سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ ! فَقَالَ هَارُونُ : سَحَرَهَا وَاللَّهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ بِسِحْرِهِ !! عَلَيَّ بِهَا ! فَأُتِيَ بِهَا وَهِيَ تُرْعَدُ شَاخِصَةً نَحْوَ السَّمَاءِ بَصَرَهَا . فَقَالَ : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ شَأْنِيَ الشَّأْنُ الْبَدِيعُ ! إِنِّي كُنْتُ عِنْدَهُ وَاقِفَةً وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْ صَلَاتِهِ بِوَجْهِهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيُقَدِّسُهُ قُلْتُ يَا سَيِّدِي هَلْ لَكَ حَاجَةٌ أُعْطِيكَهَا ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَمَا حَاجَتِي إِلَيْكِ ؟ قُلْتُ إِنِّي أُدْخِلْتُ عَلَيْكَ لِحَوَائِجِكَ . قَالَ فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَتْ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَوْضَةٌ مُزْهِرَةٌ لَا أَبْلُغُ آخِرَهَا مِنْ أَوَّلِهَا بِنَظَرِي وَلَا أَوَّلَهَا مِنْ آخِرِهَا ! فِيهَا مَجَالِسُ مَفْرُوشَةٌ بِالْوَشْيِ وَالدِّيبَاجِ وَعَلَيْهَا وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ لَمْ أَرَ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ حَسَناً وَلَا مِثْلَ لِبَاسِهِمْ لِبَاساً ! عَلَيْهِمُ الْحَرِيرُ الْأَخْضَرُ وَالْأَكَالِيلُ وَالدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ وَفِي أَيْدِيهِمُ الْأَبَارِيقُ وَالْمَنَادِيلُ وَمِنْ كُلِّ الطَّعَامِ ! فَخَرَرْتُ سَاجِدَةً حَتَّى أَقَامَنِي هَذَا الْخَادِمُ فَرَأَيْتُ نَفْسِي حَيْثُ كُنْتُ ! فَقَالَ هَارُونُ : يَا خَبِيثَةُ لَعَلَّكِ سَجَدْتِ فَنِمْتِ فَرَأَيْتِ هَذَا فِي مَنَامِكِ ؟ قَالَتْ لَا وَاللَّهِ يَا سَيِّدِي إِلَّا قَبْلَ سُجُودِي رَأَيْتُ فَسَجَدْتُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ! فَقَالَ الرَّشِيدُ : اقْبِضْ هَذِهِ الْخَبِيثَةَ إِلَيْكَ فَلَا يَسْمَعَ هَذَا مِنْهَا أَحَدٌ ! فَأَقْبَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا قِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ قَالَتْ هَكَذَا رَأَيْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسُئِلَتْ عَنْ قَوْلِهَا ؟ قَالَتْ : إِنِّي لَمَّا عَايَنْتُ مِنَ الْأَمْرِ نَادَتْنِي الْجَوَارِي يَا فُلَانَةُ ابْعُدِي عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ حَتَّى نَدْخُلَ عَلَيْهِ ، فَنَحْنُ لَهُ دُونَكِ ! فَمَا زَالَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ وَذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ» . (البحار : ج48، ص238، عن المناقب.)
3- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ : «حَدَّثَنِي حَاجِبُ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ : كُنْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي فِرَاشِي مَعَ بَعْضِ جَوَارِيَّ فَلَمَّا كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ سَمِعْتُ حَرَكَةَ بَابِ الْمَقْصُورَةِ فَرَاعَنِي ذَلِكَ ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ لَعَلَّ هَذَا مِنَ الرِّيحِ ؟ فَلَمْ يَمْضِ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى رَأَيْتُ بَابَ الْبَيْتِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ قَدْ فُتِحَ وَإِذَا مَسْرُورٌ الْكَبِيرُ قَدْ دَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ لِي أَجِبِ الْأَمِيرَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيَّ ! فَيَئِسْتُ مِنْ نَفْسِي وَقُلْتُ هَذَا مَسْرُورٌ وَدَخَلَ إِلَيَّ بِلَا إِذْنٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ مَا هُوَ إِلَّا الْقَتْلُ ! وَكُنْتُ جُنُباً فَلَمْ أَجْسُرْ أَنْ أَسْأَلَهُ إِنْظَارِي حَتَّى أَغْتَسِلَ . فَقَالَتْ لِيَ الْجَارِيَةُ لَمَّا رَأَتْ تَحَيُّرِي وَتَبَلُّدِي : ثِقْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَانْهَضْ . فَنَهَضْتُ وَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْتُ الدَّارَ فَسَلَّمْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ فِي مَرْقَدِهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَسَقَطْتُ فَقَالَ تَدَاخَلَكَ رُعْبٌ قُلْتُ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! فَتَرَكَنِي سَاعَةً حَتَّى سَكَنْتُ ثُمَّ قَالَ لِي : صِرْ إِلَى حَبْسِنَا فَأَخْرِجْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَادْفَعْ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَاخْلَعْ عَلَيْهِ خَمْسَ خِلَعٍ وَاحْمِلْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاكِبَ وَخَيِّرْهُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَنَا أَوِ الرَّحِيلِ عَنَّا إِلَى أَيِّ بَلَدٍ أَرَادَ وَأَحَبَّ . فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَأْمُرُ بِإِطْلَاقِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ؟ قَالَ نَعَمْ ! فَكَرَّرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لِي نَعَمْ وَيْلَكَ أَ تُرِيدُ أَنْ أَنْكُثَ الْعَهْدَ ؟! فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا الْعَهْدُ ؟ قَالَ بَيْنَا أَنَا فِي مَرْقَدِي هَذَا إِذْ سَاوَرَنِي أَسْوَدُ مَا رَأَيْتُ مِنَ السُّودَانِ أَعْظَمَ مِنْهُ ! فَقَعَدَ عَلَى صَدْرِي وَقَبَضَ عَلَى حَلْقِي وَقَالَ لِي حَبَسْتَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ ظَالِماً لَهُ ! فَقُلْتُ فَأَنَا أُطْلِقُهُ وَأَهَبُ لَهُ وَأَخْلَعُ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَ عَلَيَّ عَهْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِيثَاقَهُ وَقَامَ عَنْ صَدْرِي وَقَدْ كَادَتْ نَفْسِي تَخْرُجُ ! فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَوَافَيْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ فِي حَبْسِهِ ، فَرَأَيْتُهُ قَائِماً يُصَلِّي فَجَلَسْتُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ أَبْلَغْتُهُ سَلَامَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَمْتُهُ بِالَّذِي أَمَرَنِي بِهِ فِي أَمْرِهِ ، وَأَنِّي قَدْ أَحْضَرْتُ مَا وَصَلَهُ بِهِ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ غَيْرِ هَذَا فَافْعَلْهُ . فَقُلْتُ لَا وَحَقِّ جَدِّكَ رَسُولِ اللَّهِ مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا . فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَا حَاجَةَ لِي فِي الْخِلَعِ وَالْحُمْلَانِ وَالْمَالِ إِذْ كَانَتْ فِيهِ حُقُوقُ الْأُمَّةِ . فَقُلْتُ : نَاشَدْتُكَ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَرُدَّهُ فَيَغْتَاظَ . فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : اعْمَلْ بِهِ مَا أَحْبَبْتَ . وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَخْرَجْتُهُ مِنَ السِّجْنَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي بِالسَّبَبِ الَّذِي نِلْتَ بِهِ هَذِهِ الْكَرَامَةَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَقَدْ وَجَبَ حَقِّي عَلَيْكَ لِبِشَارَتِي إِيَّاكَ وَلِمَا أَجْرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيَّ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ . فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) رَأَيْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي : يَا مُوسَى أَنْتَ مَحْبُوسٌ مَظْلُومٌ ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهُ مَحْبُوسٌ مَظْلُومٌ . فَكَرَّرَ عَلَيَّ ذَلِكَ ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ . أَصْبِحْ غَداً صَائِماً وَأَتْبِعْهُ بِصِيَامِ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الْإِفْطَارِ فَصَلِّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْحَمْدَ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ مِنْهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَاسْجُدْ ثُمَّ قُلْ يَا سَابِقَ الْفَوْتِ يَا سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ يَا مُحْيِيَ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَأَنْ تُعَجِّلَ لِيَ الْفَرَجَ مِمَّا أَنَا فِيهِ . فَفَعَلْتُ فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتَ» . (البحار : ج48، ص213، عن عيون أخبار الرضا (ع).)
معاناة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في السجون :-
1- عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ قَالَ : «سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : لَمَّا قَبَضَ الرَّشِيدُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَائِماً يُصَلِّي ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَحُمِلَ وَهُوَ يَبْكِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَيَقُولُ : إِلَيْكَ أَشْكُو يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَلْقَى ! وَأَقْبَلَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يَبْكُونَ وَيَضِجُّونَ ، فَلَمَّا حُمِلَ إِلَى بَيْنِ يَدَيِ الرَّشِيدِ شَتَمَهُ وَجَفَاهُ ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أَمَرَ بِبَيْتَيْنِ فَهُيِّئَا لَهُ ، فَحَمَلَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَحَدِهِمَا فِي خَفَاءٍ وَدَفَعَهُ إِلَى حَسَّانَ السَّرْوِيِّ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصِيرَ بِهِ فِي قُبَّةٍ إِلَى الْبَصْرَةِ فَيُسَلِّمَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا ، وَوَجَّهَ قُبَّةً أُخْرَى عَلَانِيَةً نَهَاراً إِلَى الْكُوفَةِ مَعَهَا جَمَاعَةٌ لِيُعْمِيَ عَلَى النَّاسِ أَمْرَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَقَدِمَ حَسَّانُ الْبَصْرَةَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ فَدَفَعَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ نَهَاراً عَلَانِيَةً حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ ، وَشَاعَ أَمْرُهُ فَحَبَسَهُ عِيسَى فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْمَحْبَسِ الَّذِي كَانَ يَحْبِسُ فِيهِ ، وَأَقْفَلَ عَلَيْهِ وَشَغَلَهُ عَنْهُ الْعِيدُ فَكَانَ لَا يَفْتَحُ عَنْهُ الْبَابَ إِلَّا فِي حَالَتَيْنِ ، حَالٍ يَخْرُجُ فِيهَا إِلَى الطَّهُورِ وَحَالٍ يُدْخِلُ إِلَيْهِ فِيهَا الطَّعَامَ» . (البحار : ج48، ص221، عن عيون أخبار الرضا (ع).)
2- قَالَ أَبُو الْأَزْهَرِ نَاصِحُ بْنُ عُلَيَّةَ الْبُرْجُمِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ : «أَنَّهُ جَمَعَنِي مَسْجِدٌ بِإِزَاءِ دَارِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ وَابْنَ السِّكِّيتِ ، فَتَفَاوَضْنَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَنَا رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ فَقَالَ : يَا هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ إِلَى إِقَامَةِ دِينِكُمْ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى إِقَامَةِ أَلْسِنَتِكُمْ ؟! وَسَاقَ الْكَلَامَ إِلَى إِمَامِ الْوَقْتِ وَقَالَ : لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْرُ هَذَا الْجِدَارِ ! قُلْنَا تَعْنِي هَذَا الْمَحْبُوسَ مُوسَى ؟ قَالَ نَعَمْ ! قُلْنَا سَتَرْنَا عَلَيْكَ فَقُمْ مِنْ عِنْدِنَا خِيفَةَ أَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ جَلِيسَنَا فَنُؤْخَذَ بِكَ . قَالَ وَاللَّهِ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَداً ! وَاللَّهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَإِنَّهُ لَيَرَانَا وَيَسْمَعُ كَلَامَنَا وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ ثَالِثَنَا لَكَانَ ! قُلْنَا فَقَدْ شِئْنَا فَادْعُهُ إِلَيْنَا . فَإِذَا قَدْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ دَاخِلًا كَادَتْ لِرُؤْيَتِهِ الْعُقُولُ أَنْ تَذْهَلَ ! فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . ثُمَّ قَالَ أَنَا هَذَا الرَّجُلُ وَتَرَكَنَا وَخَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ مُبَادِراً ، فَسَمِعْنَا وَجِيباً شَدِيداً وَإِذَا السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ يَعْدُو دَاخِلًا إِلَى الْمَسْجِدِ مَعَهُ جَمَاعَةٌ ، فَقُلْنَا كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ فَدَعَانَا إِلَى كَذَا وَكَذَا وَدَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُصَلِّي وَخَرَجَ ذَاكَ الرَّجُلُ وَلَمْ نَرَهُ ! فَأَمَرَ بِنَا فَأَمْسَكْنَا ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ قَائِمٌ فِي الْمِحْرَابِ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَقَالَ : يَا وَيْحَكَ كَمْ تَخْرُجُ بِسِحْرِكَ هَذَا وَحِيلَتِكَ مِنْ وَرَاءِ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ وَالْأَقْفَالِ وَأَرُدُّكَ ؟! فَلَوْ كُنْتَ هَرَبْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ وُقُوفِكَ هَاهُنَا ! أَتُرِيدُ يَا مُوسَى أَنْ يَقْتُلَنِي الْخَلِيفَةُ ؟ فَقَالَ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَنَحْنُ وَاللَّهِ نَسْمَعُ كَلَامَهُ : كَيْفَ أَهْرُبُ وَلِلَّهِ فِي أَيْدِيكُمْ مَوْقِتٌ لِي يَسُوقُ إِلَيْهَا أَقْدَارَهُ وَكَرَامَتِي عَلَى أَيْدِيكُمْ ؟ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ : فَأَخَذَ السِّنْدِيُّ بِيَدِهِ وَمَشَى ثُمَّ قَالَ لِلْقَوْمِ : دَعُوا هَذَيْنِ وَاخْرُجُوا إِلَى الطَّرِيقِ فَامْنَعُوا أَحَداً يَمُرُّ مِنَ النَّاسِ حَتَّى أَتِمَّ أَنَا وَهَذَا إِلَى الدَّارِ» . (البحار : ج48، ص237، عن المناقب لابن شهر آشوب.)
3- قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : «بَعَثَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى الرَّشِيدِ مِنَ الْحَبْسِ بِرِسَالَةٍ كَانَتْ : إِنَّهُ لَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي يَوْمٌ مِنَ الْبَلَاءِ إِلَّا انْقَضَى عَنْكَ مَعَهُ يَوْمٌ مِنَ الرَّخَاءِ ، حَتَّى نَقْضِيَ جَمِيعاً إِلَى يَوْمٍ لَيْسَ لَهُ انْقِضَاءٌ يَخْسَرُ فِيهِ الْمُبْطِلُونَ» . (البحار : ج48، ص148، عن كشف الغمّة : ج3، ص3.)
استشهاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) :-
1- عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا : «لَمَّا مَضَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ الرَّشِيدِ اسْتُشْهِدَ وَلِيُّ اللَّهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَسْمُوماً ، سَمَّهُ السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ (لَعَنَهُ اللَّهُ) بِأَمْرِ الرَّشِيدِ (لَعَنَهُ اللَّهُ) فِي الْحَبْسِ الْمَعْرُوفِ بِدَارِ الْمُسَيَّبِ بِبَابِ الْكُوفَةِ وَفِيهِ السِّدْرَةُ ، وَمَضَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَقَدْ تَمَّ عُمُرُهُ أَرْبَعاً وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَتُرْبَتُهُ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بِبَابِ التِّبْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَقَابِرِ قُرَيْشٍ» . (البحار : ج48، ص226، عن عيون أخبار الرضا : ج1، ص99.)
2- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْرَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : «تُوُفِّيَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي يَدَيِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ (لَعَنَهُ اللَّهُ) ، فَحُمِلَ عَلَى نَعْشٍ وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا إِمَامُ الرَّافِضَةِ فَاعْرِفُوهُ ! فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ مَجْلِسَ الشُّرْطَةِ أَقَامَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فَنَادَوْا (لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِخُبْثِهِمْ) : أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرَى الْخَبِيثَ بْنَ الْخَبِيثِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَلْيَخْرُجْ ؟ وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ قَصْرِهِ إِلَى الشَّطِّ ، فَسَمِعَ الصِّيَاحَ وَالضَّوْضَاءَ فَقَالَ لِوُلْدِهِ وَغِلْمَانِهِ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا السِّنْدِيُّ بْنُ شَاهَكَ يُنَادِي عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى نَعْشٍ ؟ فَقَالَ لِوُلْدِهِ وَغِلْمَانِهِ : يُوشِكُ أَنْ يُفْعَلَ هَذَا بِهِ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ، فَإِذَا عُبِرَ بِهِ فَانْزِلُوا مَعَ غِلْمَانِكُمْ فَخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، فَإِنْ مَانَعُوكُمْ فَاضْرِبُوهُمْ وَخَرِّقُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّوَادِ . فَلَمَّا عَبَرُوا بِهِ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَضَرَبُوهُمْ وَخَرَّقُوا عَلَيْهِمْ سَوَادَهُمْ وَوَضَعُوهُ فِي مَفْرَقِ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ ، وَأَقَامَ الْمُنَادِينَ يُنَادُونَ أَلَا مَنْ أَرَادَ الطَّيِّبَ بْنَ الطَّيِّبِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَلْيَخْرُجْ ؟ وَحَضَرَ الْخَلْقُ وَغُسِّلَ وَحُنِّطَ بِحَنُوطٍ فَاخِرٍ وَكَفَّنَهُ بِكَفَنٍ فِيهِ حِبَرَةٌ اسْتُعْمِلَتْ لَهُ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ ، وَاحْتَفَى وَمَشَى فِي جَنَازَتِهِ مُتَسَلِّباً مَشْقُوقَ الْجَيْبِ إِلَى مَقَابِرِ قُرَيْشٍ فَدَفَنَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هُنَاكَ» . (البحار : ج48، ص227. عن عيون أخبار الرضا : ج1، ص99.)
3- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : «قُبِضَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ ، وَعَاشَ بَعْدَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) خَمْساً وَثَلَاثِينَ سَنَةً» . (البحار : ج48، ص206. عن الكافي.)
هل كان الإمام موسى (عليه السلام) يعلم أنّ الأكل مسمومٌ ؟
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ : «قُلْتُ لِلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ سَمَّ أَبَاكَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ سَمَّهُ فِي ثَلَاثِينَ رُطَبَةً . قُلْتُ لَهُ : فَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : غَابَ عَنْهُ الْمُحَدِّثُ . قُلْتُ وَمَنِ الْمُحَدِّثُ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مَلَكٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّكَ سَتُعَمَّرُ . فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ» . (البحار : ج48، ص242. عن رجال الكشّي.)
2- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ : «قُلْتُ لِلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْإِمَامُ يَعْلَمُ إِذَا مَاتَ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ يَعْلَمُ بِالتَّعْلِيمِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ فِي الْأَمْرِ . قُلْتُ عَلِمَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالرُّطَبِ وَالرَّيْحَانِ الْمَسْمُومَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعَثَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : نَعَمْ . قُلْتُ فَأَكَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَنْسَاهُ لِيُنْفِذَ فِيهِ الْحُكْمَ» . (البحار : ج48، ص235. )
3- نعم كان الإمام موسى (عليه السلام) يعلم أن الأكل مسموم ، وقد فضل (عليه السلام) أن يموت ولا يعيش بعد أن لاقى خذلاناً كبيراً من الناس في نصرته ، وقد صبر كثيراً أن يخرجوه من السجن لكنه خاب أمله (صلّى الله عليه وسلّم) .