(إلى طفلةٍ تكبرُ الآن)
أنا مثلكِ الآن
انظرُ للعابرين إلى حيثُ لاشيَء غيرَ الثلوجِ التي لا تذوبُ
وأسألُ نفسي:
هل سوف تذهبُ بعد غدٍ مثلَهم للتزلجِ في مفرداتِ الجليد؟
أم ستصبِحُ دبا يُغطيه فرو كثيف؟!
أنا مثلكِ الآن
أقرأُ وجهَ أبي وهو يَصْرِفُ أنظاره خيفةً أن يرى وجه أمي فَيشتاقُ ماضيهِ
إذْ كان يأكلُ من طبقٍ ناعمٍ
وتعاتبه جيدا إن رأت فيه ما يشبه البردَ،
لكنها اليوم لا تحتفي وهي في الأربعين بغيرِ نظافةِ منزلها وأبي هائمٌ في دروبِ الرغيف
أنا مثلكِ الآن
أكبرُ شيئا فشيئا
وأسأل:
كيف نُودعُ أجزائنا كلَ يومٍ؟
ونطرحُ ما كان لازمةً للحياةِ ونمضي إليها خفافا،
وفي داخلي فيلسوفٌ قديمٌ ينبؤني كيف أغدو غدًا
كيف أحملُ كيسَ الدقيقِ إلى البيت،
كيف أُعلمُ أطفالي الأبجديةَ،
كيف أُحبكِ من غير صوتٍ،
وكيف أُغيرُ حبي بما تقتضيه المشيئةُ للوقتِ،
كيف أُفسر أخطائي الماضوية
إذ أصبحت -بعد أن كنتُ أُجزِم أنَّ ملامحها لم تكن غير كل الصواب- ذنوبا
كيف أقنعني الوقت أن صوابي في ذلك العمر أصبح ما يشبه الخطأ العفوي هنا؟!
فأدركتُ أنَّ لكل حياةٍ صوابٌ جديدٌ وذنبٌ طريف
أنا مثلكِ الآن
أقرأُ ما أستطيعُ لأعرفَ لون الحياةِ
وفي كل يومٍ أصادفُ لونا جديدا
فاحتار:
كم مرةً ستُغير هذي الحياة لنا لونها؟!
لم أجد رقما واضحا
رغم أن الحياة هنا دائما مثل طعم الخريف
أنا مثلكِ الآن
لا أتخيلُ أن يصبح الوقت تكتكةً في الجدارِ
ويصبحُ قلبي نبيا بلا تابعين
وليلي زمانٌ بلا دمعةٍ
وبلا أغنياتٍ تُحرِكُ في داخلي
الرقص والشجن العالمي
وأصبح من بعد هذي الحياة
كنافذةٍ تشبه الانتظار الرزين لما يجهل الشوقُ في داخلي
حينها أتعلَّمُ في تعبٍ
أن لوني هو الانتظار
وفي الانتظار حياة لمن ينشدون البعيد النظيف
زندان التهامي