هل تصبرون على ابن من ذوي الحاجات الخاصَّة عشراتِ السنين؟!
كلما زرتُ أختي ورأيتُ ابنها البكر من ذوي الاحتياجات الخاصَّة - مطروحًا على الفراش - قلت لابدَّ أنها وزوجها اثنان من أهل الجنة! الصبر على خدمة ابن أربعين ربيعًا في كلِّ شيء، أمر لا يستطيع فعله إلا أب وأم من طينةٍ طيبة!
وكلما التقيتُ صديقين شابين أنعمَ الله عليهما بأولادٍ من ذوي الحاجات الخاصَّة أكبرتُ فيهما الصبر والمحبَّة كلا منهما لابنه، تلك مهمة نعتقد أنها سهلة، بينما هي مهمَّة وامتحان من أصعب الامتحانات.
لكلّ أبٍ من هؤلاء الآباء: أنتم تثيرون الإعجاب وتشدون الانتباه، أنتم تستحقون أن تنحني لكم القامات! أما الأمَّهات فأنتم تستحقون أن تكون الأيَّام كلها مهداةً لكم، وليس فقط هذا اليوم، 21 آذار/مارس، تكريمًا لأمومتكم وعيدًا لكم! من القلب لكم أجمل وأطيب الأمنيات.
عن رسول الله «صلى اللهُ عليه وآله»: علامة الصَّابر في ثلاث: أولها أن لا يكسل، والثَّانية أن لا يضجر، والثَّالثة أن لا يشكو من ربِّه تعالى، لأنه إذا كسل فقد ضيَّع الحق، وإذا ضجر لم يؤدّ الشكر، وإذا شكا من ربِّه عزّ وجلّ فقد عصاه.
علامات الصابر كلها في هؤلاء الأشخاص الذين يعتنون بأبناءٍ من ذوي الحاجات مددًا طويلة، أجزم أن صبرهم يقاس بالأطنان، أناس رائعون، لا يضجرون ولا يشكون ولا يكسلون، طوبى لهم! عندما يقول الأطبَّاء هذا المرض يدوم يومان أو أسبوع ويستعيد المريض عافيته، فذلك أمر كلنا يحتمله. أما حين يقول الأطبَّاء ذلك المرض لا أمل من الشِّفاء منه فتلك مسألة أخرى، تحتاج قوة وعزيمة تأتي من الدَّاخل وليس من الخارج.
هذه عيِّنة صغيرة من كثير من الأصدقاء الذين قدروا أن يصبروا جسديًّا ونفسيًّا على ذلك الحمل. نعم، النفس أيضًا! الآباء والأمهات يحلمون بأن تكون لأولادهم وبناتهم حياةً طبيعيَّة هانئة مثل أقرانهم، خالية من المتاعب والآلام. فإذا هم محرومون من - بعض هذه الأحلام والآمال - أو من كلها. آباء وأمهات رهنوا حياتهم الاجتماعية ووقتهم لمن يرعون، لا سفر ولا سهر وحياة اجتماعية في أضيق الحدود!
أصدقائي وإخواني، تتبدل أيَّام السنة وتتبدل الفصول، ينقضي شتاءٌ ويأتي ربيع، ويبقى حمل الأمهات والآباء الذين يعتنون بأبناء وبنات من ذوي الحاجات محملًا بالصبر والعزيمة والعيش على الإيمان والرضا بما قسم الله لهم وللأبناء والبنات، لهم كلهم أينما كانوا أكاليل الزهر والورود.