ما أشوقه (عج) لصلاح أنفسنا
السيد علوي فاضل ال درويش
ورد في توقيع الناحية المقدسة:.. فما يحبسُنا عنهم إلا ما يتصلُ بنا ممّا نكرهه..» «الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 325».
غيبة الإمام المهدي الكبرى من الناحية العقائدية هي تقدير وتدبير وتخطيط إلهي لظهوره المبارك في الوقت المناسب للنهضة الإصلاحية الكبرى، بما يحقق الغاية وهي رفع راية العدالة والتوحيد في جميع أرجاء المعمورة بنحو غير مسبوق على مستوى التاريخ البشري، فدعوات الأنبياء والأئمة كانت محدودة في بقعة مكانية معينة وقد تحقق ذلك ضيقا واتساعا على يد أولياء الله تعالى، ولكن الاجتثاث الجدري للفساد والظلم وتطهير النفوس وتنزيهها من الشرك والمجاهرة بمخالفة الأوامر الإلهية سيكون على يد مخلص البشرية في آخر الزمان.
ولكننا نريد أن نسلط الضوء على غيبة الإمام المنتظر من الناحية الأخلاقية، حيث نجد في الروايات الشريفة ذكر الصفات الإيمانية والأخلاقية والفكرية وروح المواجهة للطغيان والظلم للممهدين له، وبالتالي فإن التمهيد للظهور المبارك يسير وفق هذه المعالم الراقية في شخصيات أنصاره وأعوانه وما يحملونه من خصائص ومميزات، وفي حالة محاسبتنا لأنفسنا ومراقبة أحوالنا لا بد من تفقد تلك الصفات الحميدة ومدى تلبسنا وتمسكنا بها، وإن رأينا ابتعادا عن هذه المعالم فلا بد من المراجعة الذاتية وتصحيح مسارنا ومعالجة خطايانا؛ لئلا تلحقنا الندامة والخسارة الكبرى عندما نكون في ضفة أخرى مخالفة عن الإمام المخلص وأتباعه، فالتمهيد حركة عملية لإصلاح أنفسنا قبل أن نطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية ونبذ الظلم، فكم من إنسان يحيا الأماني والتعلق العاطفي بالإمام المهدي وهو بعيد - كل البعد - عن نهجه التربوي وأهدافه الإصلاحية.
المحاسبة الحقيقية الفاعلة تشرع على أثر الاستماع لهذا الصوت الحزين من الإمام المنتظر ، والذي يبين فيه مدى تشوقه للقيام بالدور التبليغي والرسالي وإقامة دول العدل الإلهي مع أنصاره المتقين، ولكنه يلفت إلى سر معنوي يبين فيه عن تأخر ظهوره المبارك والذي يتصل بأحوال التائقين لظهوره عاطفيا والمقصرين عمليا في تهيئة أنفسهم، فإن صحائف أعمالنا والتي تعرض على مولانا ملأى بما يكسر قلبه ويدخل عليه الحزن، فأيننا من المنهج التربوي للأئمة والذي يدعو إلى البصيرة في الأمور والاستقامة في الأفعال والتنزه عن الرذائل وتجنب وساوس الشيطان والأهواء، في مثل هذا الحال السيئ والمزري في علاقتنا بالله تعالى فبالتأكيد لا يسر الإمام ما وصلنا إليه من تقصير وارتكاب الخطايا، فبماذا سنتفوه وما عسانا نقول إذا حظينا بالطلعة الرشيدة وقد أحاطت بنا سيئاتنا وغشتنا الغفلة حينئذ؟
الاعتذار الحقيقي لا يكون بتقديم التبريرات والأعذار الوهمية ومحاولة تمويه واقعنا السيء، بل يكون بالرجوع إلى الله تعالى والتوبة النصوح والتخلص من الرذائل والعيوب التي تبعدنا عن ساحة الرحمة واللطف الإلهي، فإن إمام زماننا تعرض عليه أعمالنا وينظر لتصرفاتنا، أفما آن لنا أن نرعوي ونطهر أنفسنا من شوائب النزوات وأوجه التقصير لنحظى برضاه، ويكفي أن نقف أمام مرآة النفس لنغير من واقعنا ونبدأ في التحلي بصفات المؤمنين الفائزين بنصرته ومؤازرته، إذ كفى بنا تقصيرا في حق مولانا أننا لا نبدي تلك المشاعر الصادقة تجاه غيبته والحنين إلى رؤيته، فأيننا من زيارته بنحو يومي أو شبه يومي ولو كانت الزيارة القصيرة، زيارة نتأمل في معانيها ومضامين عباراتها فتمتزج بفكرنا ووجداننا وتشد همتنا نحو التمهيد الحقيقي لظهوره المبارك، وكذلك الأدعية المباركة التي تتضمن الأجواء الروحية التي نحياها مع صاحب الزمان كدعاء العهد، والذي يخلق في النفس دواعي الشوق والعمل المثابر على المستوى الفكري والسلوكي.
إننا على يقين تام بأن الإمام الرؤوف يحمل بين حناياه الطاهرة كل مشاعر الحب والحنين لنا والأمل بإصلاح أنفسنا ليشملنا دعاؤه ونظره الشريف، كله أمل بأن نتخلص من أغلال الآثام والتقصير فتنطلق أقدامنا في ميادين السعي الحثيث، ونحن كذلك يا مولاي كلنا أمل أن تشملنا برعايتك وتضرعك بقدرك لا بقدرنا وقبح أفعالنا، ولعلنا يا مولاي في رحاب جلسة محاسبة أنفسنا نستشعر قلة حيائنا ونخجل من جرأتنا ونصم آذاننا عن استماع همسات الشيطان الرجيم ونربأ بأنفسنا عن كلمات الحرام؛ لنتحصن بالسداد والرشاد من خلال المنهج التربوي الذي ترسمه الآيات القرآنية والأدعية والزيارات الخاصة.