أبوظبي تهيئ أطفالها للثورة الصناعية الخامسة
تسعى أبوظبي إلى تطوير نهج شامل تجاه تنمية الطفولة، لترسيخ مكانتها عاصمة عالمية صديقة للأطفال، من خلال ثلاثة موضوعات، تتمثل في التكنولوجيا الإنسانية للأطفال وأسلوب الحياة في القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى الرفاه العاطفي والتفاعل الاجتماعي، للمساهمة في خلق بيئات رعاية للأطفال، تدعم نموهم الاجتماعي والعاطفي.
وأكد الدكتور جيم يونغ كيم الرئيس السابق لمجموعة البنك الدولي، في دراسة بعنوان «أفضل الاستثمارات التي بإمكان المجتمعات أن تنفذها»، أن الاستثمار في السنوات المبكّرة، لا يغيّر حياة الأطفال فحسب، بل بوسعه أن يعدّل مسار نمو التنافسية، إذ إن الاستثمار في السنوات المبكرة – بالأخص الأيام الـ 1000 الأولى للحياة في ذروة نمو الدماغ – هو ضروري لمساعدة الأطفال على تحقيق وإنجاز كامل قدراتهم الكامنة، والخروج من دائرة الفقر.
وعليه، يعد مبدأ إعادة توجيه الاستثمارات، أحد أهم المبادئ التي سعت أبوظبي إلى استحداثه، كنهج جديد لإدارة دفة الاستثمارات الرابحة نحو ضفة أخرى، حيث جسدت هذه الجهود، هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، التي أكدت أن تنمية الطفولة المبكرة، مستقبل الاستثمار البشري، وأن الاستثمار في الرفاه العاطفي والاجتماعي للأطفال في السنوات الأولى، له آثار إيجابية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة المدى.
8 استراتيجيات
السعي الدؤوب والتضافر المجتمعي في إعادة توجيه الاستثمار، والتركيز على تنمية الطفولة، كجوهر تلتف حوله الاستراتيجيات والميزانيات، 8 استراتيجيات لدعم رأسمال هذا الاستثمار، الذي يتمثل في إطلاق مسح سنوي وطني لفهم ومراقبة استخدام التكنولوجيا بين الأطفال، من قبل أولياء الأمور ومقدمي الرعاية، واستخدام النتائج لتصميم برامج فعالة، بالإضافة إلى تطوير مبادئ التصميم التقني، وابتكار إطار عمل وإرشادات تمكن شركات التكنولوجيا وصنّاع المحتوى، من إنتاج محتوى هادف، يرقى بالتوقعات والمخرجات، تفعيل إطار اللعب القائم على حماية حقوق الطفل على مستوى المنظومة، الاستثمار في الرفاه العاطفي والاجتماعي للأطفال في السنوات الأولى، لما له من آثار إيجابية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد، وضرورة التعامل مع الإدمان الإلكتروني عند الأطفال بجدية كبيرة، من قبل الوالدين، خشية تأثيرها في التطور الذهني والبدني لدى الأطفال، وأهمية إدراج البرامج التأهيلية للوالدين، للتعامل مع الأطفال منذ فترة الحمل، وحتى عمر الـ 8 سنوات، العمل البحثي الوطني، لدراسة احتياجات الطفولة على مستوى الإمارات، والعمل على استثمارات ناجحة، استناداً لهذه المسوح، فبعد أن أرسى قانون وديمة، الجانب القانوني لحفظ حقوق الطفل، وصون كرامته النفسية والجسدية، وحقه في التعلم والعيش في صحة وأمان، تلعب هذه الأسس جانباً مهماً، ليتم تعميمها على المستوى الوطني، الأمر الذي سيمهد الطريق الأمثل لتطوير دعم عملية الاستثمار للطفولة المبكرة.
منافع طويلة الأمد
وأشارت الهيئة إلى أن الأبحاث الحديثة، توضح العديد من منافع تنموية طويلة الأمد للاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة، تتمثل في الجودة، وزيادة الإنتاجية والنشاط الاقتصادي، وتقليل الجريمة والسلوكيات المنافية لقيم وعادات المجتمع، وتراجع الاعتماد على المساعدات الحكومية، إلى جانب ارتفاع معدلات الذكاء لدى الأطفال، إلى أكثر من 11 نقطة، وإعدادهم على أفضل وجه، ليكونوا مواطنين لامعين ومنتجين ومسهمين في الاقتصاد العالمي.
ذكاء اصطناعي
وفي سياق متصل، أكد معالي عمر بن سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي والعمل عن بُعد، على هامش المبادرة العالمية لتنمية الطفولة المبكرة «ود»، التي أطلقتها هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، واختتمت مؤخراً أن التركيز على الذكاء الاصطناعي، أحد أهم أولوياتنا في رحلة الخمسين عاماً القادمة، ونسعى نحو تعزيز مشاركة الذكاء الاصطناعي، في إحداث نهضة كبيرة في مختلف القطاعات، باعتباره المحرك الرئيس للتنمية الشاملة والمستدامة، لذلك، تم تخصيص إحدى مجموعات الابتكار المعرفي ضمن مبادرة «ود»، للعمل على موضوع التكنولوجيا الإنسانية من أجل الأطفال، لتقديم حلول وأفكار ريادية، تعزز استفادة قطاع تنمية الطفولة المبكرة من التقنيات المتطورة، وفي الوقت ذاته، تعزيز جودة الحياة الرقمية لأطفالنا الصغار، والحد من المخاطر التي قد تسببها هذه التقنيات عليهم، وأضاف معاليه أن دولة الإمارات، تمتلك رؤية واضحة للمستقبل، وتعمل ضمن جهود متكاملة على إعداد أجيال المستقبل، وتنشئتهم ضمن بيئة آمنة ومحفزة، تضمن نموهم وازدهارهم، وتدعم إمكاناتهم الكامنة والكاملة، وذلك من خلال توفير أفضل الفرص لهم، وتمكينهم ليكونوا فاعلين في مجتمعهم، وقادرين على مواصلة مسيرة النمو والازدهار لوطنهم.
دراسة
عندما كتب الدكتور جيم يونغ كيم الرئيس السابق لمجموعة البنك الدولي، دراسة بعنوان «أفضل الاستثمارات التي بإمكان المجتمعات أن تنفذها»، دعا العالم إلى إعادة تدوير التفكير التقليدي في الاستثمارات وإداراتها إلى دفة استثنائية أخرى.
كيم، الذي عُرف بدراساته المتخصصة في التنمية الدولية للشباب والطفولة وغيرها، دعا إلى الاستثمار بالطفولة المبكرة، حيث أشار في دراسته إلى أنه بينما يواصل الاقتصاد الرقمي بالتطوّر، لا نعرف ما التكنولوجيا الحديثة والطفرات العلمية التي ستعيد صياغة العالم في العقود القليلة المقبلة، ولكن ثمة أمر واحد مؤكد- حسب كيم- وهو أن اقتصادات المستقبل، ستتطلب قوى عاملة، تستطيع أن تفكر بمنطق، تحلل، تتعاون، وتتأقلم بسرعة مع وتيرة الابتكارات، لذا، فإن أفضل الاستثمارات التي بإمكان المجتمعات أن تنفذها، هي تطوير وتنمية هذه القدرات في القوى العاملة المستقبلية، وهذا يبدأ بالاستثمار في التنمية المبكرّة للبنى التحتية الرمادية المكوّنة للعقول اليافعة.
ويشير كيم في دراسته، إلى أن الاستثمار في السنوات المبكّرة، لا يغيّر حياة الأطفال فحسب، بل بوسعه أن يعدّل مسار نمو التنافسية، إذ إن الاستثمار في السنوات المبكرة – بالأخص الأيام الـ 1000 الأولى للحياة في ذروة نمو الدماغ – هو ضروري لمساعدة الأطفال على تحقيق وإنجاز كامل قدراتهم الكامنة، والخروج من دائرة الفقر.
مسح.. لفهم عميق
سيسيليا فاكا جونز المديرة التنفيذية في «مؤسسة برنارد فان لير»، رئيسة مجموعات الابتكار المعرفي في مبادرة «ود»، تسلط الضوء على العلم العميق، لتحقيق النتائج الحقيقة والتقدم الملموس، وقالت «نعمل بكل جهدنا لدعم أبوظبي، لتصبح عاصمة دعم الأطفال في العالم، نحن الآن لدينا فرصة غير مسبوقة لإحداث التغيير، من خلال إعداد الأجيال القادمة للخمسين عاماً القادمة».
اقترحت جونز إطلاق مسح سنوي، لفهم ومراقبة استخدام التكنولوجيا بين الأطفال، من قبل أولياء الأمور ومقدمي الرعاية، واستخدام النتائج لتصميم برامج فعالة، بالإضافة إلى تطوير مبادئ التصميم التقني، وابتكار إطار عمل، وإرشادات تمكن شركات التكنولوجيا وصنّاع المحتوى، من إنتاج محتوى يركز على الأطفال، من خلال تضمين أصوات الأطفال في منتجاتهم، وأوضحت أن «مجموعات الابتكار المعرفي»، ستعمل على جميع المستويات، وفي كل المجالات، مع أولياء الأمور والأطفال والشركاء وصنّاع السياسات الحكومية والمجتمع المدني، ومؤسسات البحث العلمي، وصناديق الاستثمار الاجتماعي، ومراكز الابتكار، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص، بهدف تعزيز وتطوير قطاع الطفولة المبكرة محلياً وعالمياً، من خلال تبني وتنفيذ استراتيجيات التدخل المنبثقة عن المبادرة، وتطبيقها بكل السبل الممكنة.
الاستثمار في التفكير
ليندا ليوكاس، الكاتبة والمبرمجة الفنلندية المتخصصة في تطوير محتوى ابتكاري للأطفال، تؤمن هي الأخرى، أن التقنيات الذكية، والتكنولوجيا ستسهم في رسم مسار استثماري مبتكر، لتمكين طفولة قادرة على البناء بخطى واثقة، وقالت: إن من واقع تجربتها، كونها مؤسسة موقع Rails Girls العالمي، لتعليم الأطفال البرمجة في أكثر من 260 مدينة حول العالم، تؤمن أن التقنيات لن تخلق الفرق، إلا بوجود شغف وحافز، ودراسات بحثية لتقديم محتوى هادف، ليس بترف توفير كل هذه النواقل للتعرف إلى العالم، أو التعلم أو الابتكار، بل من خلال حث قدراتهم على التفكير، كيف يعمل هذا البرنامج؟، من أين تأتي هذه الأصوات؟ أن نجعل كل تلك الحواس تزحف إلى عالم الأسئلة، فالسؤال خطوة أولى للإدراك، وهذا ما لمسته من خلال رجع الصدى الكبير من تفاعل الأطفال على الموقع ومشاركة الصور، كيف استجابوا للرسالة، وكيف طبقوها، «الشغف يقود إلى حب التعلم، قاعدتان أساسيتنا للاستثمار في برنامج ناجح، يطور الطفولة على المدى الطويل، وهذه الرسالة التي أحاول نشرها»، وبينت أن فهم هذه الأسس، سيقود إلى استثمار أمثل، وتجربة ليست على المستوى المحلي فقط، بل العالمي أيضاً.