النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

نوبل عام 1995.. الحشرة التي كشفت أسرار الأجنة البشرية

الزوار من محركات البحث: 5 المشاهدات : 129 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: August-2021
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 2,114 المواضيع: 948
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 2840
    آخر نشاط: 13/March/2024

    نوبل عام 1995.. الحشرة التي كشفت أسرار الأجنة البشرية

    نوبل عام 1995.. الحشرة التي كشفت أسرار الأجنة البشرية

    Full Transcript
    تُعدُّ البويضةُ الأنثويةُ أكبرَ خليةٍ في جسمِ الإنسان. حينَ تُخصَّب؛ تنقسمُ بسرعةٍ إلى خليتين؛ ثمَّ إلى أربعةِ خلايا ثمَّ ثمانية، وصولًا إلى ستَّ عشْرَةَ خلية. في تلكَ المرحلةِ يكونُ الجنينُ المبكرُ متماثلًا وجميعُ الخلايا متساوية. بعدَ هذهِ النقطة، تبدأُ الخلايا في التخصصِ ويُصبحُ الجنينُ غيرَ متماثل.
    في غضونِ أسبوعٍ يتضحُ ما الذي سيشكلُ منطقةَ الرأسِ وما سيُصبحُ الجانبَينِ البطنيَّ والظهريَّ للجنين. في وقتٍ لاحقٍ يُشكلُ جسمُ الجنينِ شرائحَ ويَظهرُ العمودُ الفقري. تخضعُ الأجزاءُ الفرديةُ لتطورٍ مختلف، اعتمادًا على موقعِها على طولِ محورِ "الرأس - الذيل". لكن؛ ما الجيناتُ التي تتحكمُ في هذهِ المراحل؟ كمْ عددُها؟ هلْ تتعاونُ أمْ تُمارسُ عمليةَ التخصصِ بشكلٍ مستقلٍّ بعضُها عنْ بعض؟
    أجابَ الفائزونَ بنوبل لعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وتسعينَ عنِ العديدِ منْ هذهِ الأسئلةِ منْ خلالِ تحديدِ سلسلةٍ منَ الجيناتِ المهمةِ وكيفيةِ عملِها للتحكمِ في تكوينِ محورِ الجسمِ وأجزائِه.
    فقدْ تمكنَ كلٌّ منْ كريستيان نوسلين-فولهارد وإريك فيشاوس وإدوارد لويس منِ اكتشافِ مجموعةٍ منَ الآلياتِ الوراثيةِ المهمةِ التي تتحكمُ في التطورِ الجنينيِّ المبكر. استخدمَ ثلاثتُهم ذبابةَ الفاكهةِ كنظامٍ تجريبي؛ إذْ تنطبقُ المبادئُ الموجودةُ في ذلكَ الكائنِ على الكائناتِ الحيةِ الأعلى؛ بما في ذلكَ الإنسان.
    باستخدامِ ذبابةِ الفاكهةِ تمكنتْ "كريستيان" وزميلُها "فيشاوس" منْ تحديدِ وتصنيفِ عددٍ صغيرٍ منَ الجيناتِ ذاتِ الأهميةِ الرئيسيةِ في تحديدِ مخططِ الجسمِ وتشكيلِ أجزائِه. في حينِ أجابَ "لويس" عنْ سؤالٍ فحواهُ كيفَ يُمكنُ للجيناتِ أنْ تتحكمَ في التطورِ الإضافيِّ لأجزاءِ الجسمِ الفرديةِ إلى أعضاءٍ متخصصةٍ ووجدَ أنَّ الجيناتِ تمَّ ترتيبُها بالترتيبِ نفسِه على الكروموسوماتِ مثلَ أجزاءِ الجسمِ التي تتحكمُ فيها. واكتشفَ أنَّ الجيناتِ الأولى في مجموعةٍ منَ الجيناتِ النمائيةِ تتحكمُ في منطقةِ الرأس، والجيناتِ في الأجزاءِ الوُسطى تتحكمُ في منطقةِ البطنِ أما الجيناتُ الأخيرةُ فتتحكمُ في المنطقةِ الخلفية.
    حققَ هؤلاءِ العلماءُ الثلاثةُ معًا انفراجةً ساعدتْ في تفسيرِ التشوهاتِ الخلقيةِ في الإنسان.
    أنهى كلٌّ منْ "كريستيان" و"فيشاوس" تدريبَهما العلميَّ الأساسيَّ في نهايةِ السبعينيات. عُرضَ عليهِم أولُ مناصبَ بحثيةٍ مستقلةٍ لهمْ في مختبرِ البيولوجيا الجزيئيةِ الأوروبيِّ (EMBL) في هايدلبرج. كانا يعرفانَ بعضَهما قبلَ وصولِهما إلى هايدلبرج بسببِ اهتمامِهما المشترك: كلاهما أرادَ معرفةَ كيفَ تطورتْ بيضةُ ذبابةِ الفاكهةِ المخصبةِ حديثًا إلى جنين. سببُ اختيارِهم لذبابةِ الفاكهةِ هوَ أنَّ التطورَ الجنينيَّ سريعٌ جدًّا. في غضونِ تسعةِ أيامٍ منَ الإخصاب، تتطورُ البويضةُ إلى جنين، ثمَّ إلى يرقةٍ ثمَّ إلى ذبابةٍ كاملة.
    قررا توحيدَ الجهودِ لتحديدِ الجيناتِ التي تتحكمُ في المرحلةِ المبكرةِ منْ هذهِ العملية. كانَ ذلكَ قرارًا شجاعًا منْ قِبَلِ اثنينِ منَ العلماءِ الشبابِ في بدايةِ حياتِهما المهنية. لمْ يفعلْ أحدٌ منْ قبلُ أيَّ شيءٍ مماثلٍ وكانتْ فرصُ النجاحِ غيرَ مؤكدة. فقدْ يكونُ عددُ الجيناتِ المعنيةِ كبيرًا جدًّا. لكنَّهم بدأُوا.
    كانتْ إستراتيجيتُهم التجريبيةُ فريدةً منْ نوعِها وجيدةَ التخطيط. عالجُوا ذبابَ الفاكهةِ بموادَّ مطفِّرةٍ لإتلافِ ما يقربُ منْ نصفِ جيناتِ ذبابةِ الفاكهةِ بشكلٍ عشوائي. ثمَّ قامُوا بدراسةِ الجيناتِ التي إذا تمَّ تحويرُها، فمنْ شأنِها أنْ تسببَ اضطراباتٍ في تكوينِ الجنين.
    وباستخدامِ مجهرٍ مزدوجٍ -حيثُ يمكنُ لشخصينِ فحصُ الجنينِ نفسِهِ في وقتٍ واحد- قاموا بتحليلِ وتصنيفِ عددٍ كبيرٍ منَ التشوهاتِ التي تُسببُها الطفراتُ في الجيناتِ التي تتحكمُ في التطورِ الجنينيِّ المبكر. لأكثرَ منْ عامٍ جلسَ العالِمانِ مقابلَ بعضٍ لفحصِ أجنةِ ذبابةِ الفاكهةِ الناتجةِ عنِ التهجينِ الجينيِّ لسلالاتِ ذبابةِ الفاكهةِ الطافرة.
    استطاعوا تحديدَ خمسةَ عشَرَ جينًا مختلفًا، إذا تمَّ تحوُّرُها، فمنْ شأنِها أنْ تسببَ عيوبًا في التكوينِ الجنينيِّ المبكر.
    نشرا نتائجَهما لأولِ مرةٍ في المجلةِ العلميةِ الشهيرةِ "نيتشر" خلالَ خريفِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانين. وقدْ حظيتْ باهتمامٍ كبيرٍ بينَ علماءِ الأحياءِ التطوريةِ ولأسبابٍ عديدة؛ إذْ كانتِ الإستراتيجيةُ التي استخدمَها العالمانِ الشابانِ جديدةً تمامًا. لقدْ أثبتَ أنَّ الجيناتِ التي تتحكمُ في النموِّ الجنينيِّ يمكنُ تحديدُها بشكلٍ منهجي. كما اكتشفا أنَّ عددَ الجيناتِ المعنيةِ محدود، ويُمكنُ تصنيفُها إلى مجموعاتٍ وظيفيةٍ محددة. شجعَ هذا عددًا منَ العلماءِ الآخرينَ على البحثِ عنِ الجيناتِ التطوريةِ في الأنواعِ الأخرى. في وقتٍ قصيرٍ إلى حدٍّ ما، كانَ منَ الممكنِ إظهارُ وجودِ جيناتٍ مماثلةٍ أوْ متطابقةٍ أيضًا في الكائناتِ الحيةِ الأعلى وفي الإنسان. وقدْ ثبتَ أيضًا أنَّهم يؤدونَ وظائفَ مماثلةً في أثناءِ نموِّ الأجنَّة.
    في بدايةِ القرنِ الماضي، لاحظَ علماءُ الوراثةِ تشوهاتٍ عرضيةً في ذبابةِ الفاكهة. في أحدِ أنواعِ الطفرات، تمَّ تحويلُ العضوِ الذي يتحكمُ في التوازنِ (الرسن) إلى زوجٍ إضافيٍّ منَ الأجنحة. في هذا النوعِ منَ الاضطراباتِ الغريبةِ في مخططِ الجسم، تتصرفُ الخلايا في منطقةٍ ما كما لوْ كانتْ موجودةً في منطقةٍ أخرى. تمَّ استخدامُ الكلمةِ اليونانية homosis لوصفِ هذا النوعِ منَ التشوهاتِ وتمتِ الإشارةُ إلى الطفراتِ على أنَّها طفراتٌ تماثلية.
    أثارتْ عمليةُ الطيرانِ معَ الزوجينِ الإضافيَّينِ اهتمامَ "لويس" الذي كانَ يعملُ في معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا في لوس أنجلوس. كانَ، منذُ بدايةِ الأربعينياتِ، يحاولُ تحليلَ الأساسِ الجينيِّ لتلكَ التحولات.
    وجدَ لويس أنَّ الزوجَ الإضافيَّ منَ الأجنحةِ كانَ ناتجًا عنِ ازدواجيةٍ في جزءٍ كاملٍ منَ الجسم. تمَّ العثورُ على الجيناتِ المحوَّرةِ المسؤولةِ عنْ هذهِ الظاهرةِ لتكونَ أعضاءً في عائلةِ الجيناتِ التي تتحكمُ في تخصصِ الخلايا على طولِ محورِ الجسمِ الأماميِّ الخلفي. علاوةً على ذلك، وجدَ أنَّ المناطقَ التي تتحكمُ فيها الجيناتُ الفرديةُ متداخلة، وأنَّ العديدَ منَ الجيناتِ تتفاعلُ بطريقةٍ معقدةٍ لتحديدِ تطورِ أجزاءِ الجسمِ الفردية.
    عمِلَ إدوارد لويس عقودًا على هذهِ المشكلاتِ وكانَ سابقًا لعصرِه بكثير. في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وسبعينَ لخصَ نتائجَه في مقالِ مراجعة، وصاغَ نظرياتٍ حولَ كيفيةِ تفاعُلِ الجينات، وكيفَ يتوافقُ ترتيبُ الجيناتِ معَ ترتيبِ القطعةِ على طولِ محورِ الجسم، وكيفَ يتمُّ التعبيرُ عنِ الجيناتِ الفردية. دفعَ عملُه الرائدُ في الجيناتِ العلماءَ الآخرينَ إلى فحصِ عائلاتِ الجيناتِ المماثلةِ في الكائناتِ الحيةِ الأعلى. في الثديياتِ، تمَّ تكرارُ مجموعاتِ الجيناتِ التي وُجدتْ لأولِ مرةٍ في ذبابةِ الفاكهةِ إلى أربعِ مجموعاتٍ تُعرفُ باسمِ جيناتِ HOX. تتشابهُ الجيناتُ البشريةُ في هذهِ المجموعاتِ بشكلٍ كافٍ معَ نظائرِها منْ ذبابةِ الفاكهة، حيثُ يمكنُها استعادةُ بعضِ الوظائفِ الطبيعيةِ لجيناتِ ذبابةِ الفاكهةِ الطافرة.
    ومعظمُ الجيناتِ التي درسَها ثلاثيُّ نوبل لها وظائفُ مهمةٌ خلالَ التطورِ المبكرِ للجنينِ البشري. تشملُ الوظائفُ تشكيلَ محورِ الجسم، أيْ قطبيةِ الجنينِ وتخصِّصُ الأجزاءَ الفرديةَ إلى أعضاءَ مختلفة. منَ المحتملِ أنْ تكونَ الطفراتُ في مثلِ هذهِ الجيناتِ المهمةِ مسؤولةً عنْ بعضِ عملياتِ الإجهاضِ التلقائيِّ المبكرةِ التي تحدثُ عندَ الإنسان، وعنْ حوالَي أربعينَ بالمئةِ منَ التشوهاتِ الخِلقيةِ التي تحدثُ لأسبابٍ غيرِ معروفة. منَ المعروفِ أيضًا أنَّ العواملَ البيئيةَ مثلَ الجرعاتِ العاليةِ جدًّا منْ فيتامين أ في أثناءِ الحملِ المبكرِ تؤثرُ على تنظيمِ تلكَ الجينات، مما يؤدِّي إلى حدوثِ تشوهاتٍ خِلقيةٍ شديدة.
    وُلدتْ "كريستان" إبَّانَ الحربِ في عشرين أكتوبر عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وأربعين، ترتيبُها الثاني منْ بينِ خمسةِ أطفال.
    كانَ والدُها مهندسًا معماريًّا؛ أما والدتُها فقدْ كانتْ رسامةً موهوبةً تخلتْ عنْ حياتِها المهنيةِ منْ أجلِ عائلتِها.
    عاشتْ طفولتَها داخلَ شقةٍ في جنوبِ فرانكفورت، لها حديقةٌ كبيرةٌ إلى حدٍّ ما، بالقربِ منَ الغابة. كانتْ طفولتُها سعيدة؛ صنعَ لها والداها ألعابًا في فترةِ الحرب؛ وكانتْ تُناقشُ معهُ الرياضياتِ والأدب؛ وتعلمتْ منهُ العزفَ على آلةِ الفلوت. بسببِ قلةِ المال؛ تعلمتْ صنعَ الأشياءِ عوضًا عنْ شرائِها. وكانتِ الوحيدةَ بينَ أخواتِها التي قررتْ أنْ تسلكَ دراسةَ العلوم؛ فأختُها وأخوها درسا المعمار؛ أما الأخيرتانِ فقدْ درَسَتا الفنونَ والموسيقى.
    في وقتٍ مبكرٍ منْ حياتِها أصبحتْ مهتمةً بالنباتاتِ والحيوانات، وفي عمرِ الثانيةَ عشرةَ قررتْ أنْ تُصبحَ عالِمةً في الأحياء.
    تخرجتْ في المدرسةِ الثانويةِ بالكاد. تقولُ "كريستان": "نظرًا لأنني كنتُ كسولةً ونادرًا ما أؤدِّي واجباتي المدرسية، فقدْ أنهيتُ دراستِي الثانويةَ بنتيجةٍ متواضعةٍ إلى حدٍّ ما. كدتُ ألا أنجحَ في اللغةِ الإنجليزية".
    تُوفِّيَ والدُها فجأةً في يومِ امتحانِها في المدرسةِ الثانوية. لذا فكرتْ في دراسةِ الطب، لما لهُ منْ صلةٍ بخيرِ البشرية. لمعرفةِ ما إذا كانَ منَ الممكنِ أنْ تنجذبَ إلى دراسةِ الطبِّ، عملتْ مدةَ شهرٍ واحدٍ ممرضةً في المستشفى. دعمتْ هذهِ التجربةُ بشكلٍ كبيرٍ قناعتَها بضرورةِ دراسةِ الطب.
    كانتْ دوراتُ علمِ الأحياءِ في جامعةِ فرانكفورت مملَّةً للغايةِ في ذلكَ الوقت. تقولُ "كريستان": "بدا أنني أعرفُ الأشياءَ الأكثرَ إثارةً بالفعل".
    سرعانَ ما اكتشفَتِ الفيزياء، التي فتنتْها لمدةِ عام، حتى وجدتْ صعوبةً في فهمِ موضوعاتِها. وحينَ درستِ الكيمياء؛ تفجرتْ طاقتُها منْ جديدٍ واتخذتْ قرارَ العملِ على رسالةٍ علميةٍ للحصولِ على الماجستيرِ في الكيمياءِ الحيويةِ منْ جامعةِ "توبنغن".
    تقولُ "كريستان": "إنَّه لأمرٌ ممتعٌ أنْ تكونَ طالبًا في توبنجن، فهيَ مدينةٌ قديمةٌ جميلةٌ جدًّا. عشتُ بالقربِ منَ السوق، وبالقربِ منْ أفضلِ مسرحٍ سينمائي. المدينةُ بدائية، لا يوجدُ دش، ماءٌ بارد، لا تدفئةَ مركزية، لكنَّ كلَّ مَنْ أعرفُهم عاشوا هكذا وكانَ الأمرُ رومانسيًّا للغاية".
    كانَ لديها العديدُ منَ الأصدقاءِ في تلكَ المدينة؛ لكنْ لمْ تُعجبْها دراسةُ الكيمياءِ الحيوية. في العامِ الأخيرِ أُتيحتْ لها فرصةُ حضورِ مجموعةٍ منَ الندواتِ عنِ التخليقِ الحيويِّ والجينات. فقررتِ التخصصَ في ذلكَ المجال.
    بحلولِ نهايةِ الدكتوراة، بدأتْ في البحثِ عنْ تحدٍّ جديد. بناءً على مناقشاتِها معَ زملائِها، قررتِ التحولَ إلى علمِ الأحياءِ التطوري. ما أثارَ اهتمامَها هوَ العثورُ على "المورفوجينات" وهيَ عواملُ موجودةٌ في البويضةِ المخصبةِ التي توجهُ تطورَ الجنين. قدمتْ ذبابةُ الفاكهة، وهيَ نوعٌ منْ ذبابةِ الفاكهة، أفضلَ نموذجٍ للعملِ على هذهِ القضية.
    كانَ العلماءُ يدرسونَ الذبابةَ لأكثرَ منْ قرنٍ بغيةَ فهمِ علمِ الوراثةِ ومجموعةٍ منَ العملياتِ البيولوجيةِ الأخرى. ذبابةُ الفاكهةِ جذابةٌ لعدةِ أسباب. أولاً، منَ السهلِ الحصولُ عليها وتربيتُها في المختبر. ثانيًا، تحتوي على عددٍ قليلٍ منَ الكروموسوماتِ يسمحُ بإجراءِ تجاربَ وراثيةٍ معقدة. ثالثًا، لها دورةُ حياةٍ قصيرة. أخيرًا، تُنتجُ الذبابةُ أعدادًا كبيرةً منَ البيضِ الذي يتطورُ خارجيًّا ويفقسُ إلى يرقاتٍ مجزأةٍ في غضونِ أربعٍ وعشرينَ ساعة.
    وبدعمٍ منْ زمالةٍ طويلةِ الأمدِ منْ منظمةِ البيولوجيا الجزيئيةِ الأوروبيةِ بدأتِ العملَ في مختبرٍ في أوائلِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وسبعين. لمْ تكنِ الحياةُ في المختبرِ سهلةً في البدايةِ لأنها كانتْ "مبتدئةً" إلى حدٍّ ما. لكنها سرعانَ ما فهمتْ علمَ الوراثةِ وطوّرتْ عددًا منَ الأدواتِ للتحقيقِ في التطورِ الجنينيِّ لذبابةِ الفاكهةِ التي لمْ تكنْ معروفةً في ذلكَ الوقت. استخدمتْ هذهِ الأدواتِ لعزلِ الطفراتِ ودراستِها.
    تقولُ "كريستان": "على الفورِ أحببتُ العملَ معَ الذباب. لقدْ أذهلتْني تلكَ الكائناتُ وتتبعتْني في أحلامي".
    في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وسبعين، عادتْ إلى ألمانيا وبالتحديدِ في جامعةِ فرايبورج لمواصلةِ دراستِها في مختبرِ "كلاوس ساندر" الذي كانَ خبيراً في عمليةِ النموِّ المعقدةِ التي تساعدُ على تحويلِ الجنينِ أحاديِّ الخليةِ إلى كائنٍ حيٍّ متعددِ الخلايا. وهناكَ قابلتْ "فيشاوس" مرةً أخرى بعدَ أنْ قابلتْه لأولِ مرةٍ في مختبراتِ البيولوجيا الجزيئيةِ بسويسرا ليعملا معًا في تحقيقٍ يهدفُ إلى رصدِ الآلياتِ البيولوجيةِ للتطورِ الجنيني.
    في عامِ ألفينِ وأربعة، أنشأتْ "كريستان" مؤسسةً لمساعدةِ العالِماتِ الألمانياتِ الواعداتِ ذواتِ الأطفال. ينصبُّ التركيزُ الرئيسيُّ للمؤسسةِ على تسهيلِ رعايةِ الأطفالِ عبرَ تقديمِ منحٍ للباحثاتِ وهوَ أمرٌ أثرَ في مسيرةِ عددٍ كبيرٍ منَ الباحثاتِ الألمانيات.
    وُلدَ "فيشاوس" في ولايةِ إنديانا الأمريكيةِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وأربعينَ وانتقلتْ عائلتُه إلى برمنجهام ألاباما في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وخمسينَ عندما كانَ في السادسةِ منْ عمرِه.
    على الرغمِ منْ أنَّ برمنجهام كانتْ بالفعلِ مركزًا صناعيًّا رئيسيًّا في الجنوب، إلا أنَّ المدينةَ كانتْ لا تزالُ تتمتعُ بطابعِ المدينةِ الصغيرةِ مثلَ معظمِ المدنِ الجنوبيةِ حينذاك. كانَ بإمكانِه وإخوتِه الثلاثةِ الذهابُ للاستكشافِ في الغابةِ القريبةِ منَ المنزلِ وجمعُ الضفادعِ والسلاحفِ وجرادِ البحرِ منَ الجداولِ والبحيراتِ المحليةِ وهوَ ما أثارَ اهتمامَه بالعلوم؛ لكنْ ليسَ إلى الحدِّ الذي جعلهُ يحلمُ بأنْ يكونَ عالِمًا.
    يقولُ "فيشاوس": "على الرغمِ منْ أننِي أبليتُ بلاءً حسنًا في دوراتي في العلومِ والرياضيات، إلا أنني لمْ أجدْ نفسي في مهنةٍ في مجالِ العلوم. كنتُ أعزفُ على البيانو وقرأتُ الكتب، لكننِي أمضيتُ معظمَ وقتِي في الرسمِ فقدْ حلمتُ بأنْ أصبحَ فنانًا عندَما أكبر".
    بعدَ انتهاءِ الدراسةِ الثانوية؛ ذهبَ لحضورِ برنامجٍ تمولُه مؤسسةُ العلومِ الوطنيةِ لتشجيعِ أطفالِ المدارسِ الثانويةِ على أنْ يُصبحُوا علماء. يقولُ "فيشاوس": "لأولِ مرةٍ في حياتي كنتُ معَ أطفالٍ أكثرَ ذكاءً منِّي ممنْ يهتمونَ بالعلومِ ويتحدثونَ عنِ الكتبِ والفن. شعرتُ كما لو أنَّني وجدتُ أخيرًا مجموعةً أنتمي إليها؛ في هذهِ البيئةِ المحيطة، تمكنتُ منَ التغلبِ على الخجلِ وانعدامِ الأمنِ اللذَينِ أصاباني في مدرستِي الثانويةِ في برمنجهام".
    قامَ خلالَ تلكَ الدورةِ بتشريحِ الحيواناتِ لأولِ مرة، منَ الأسماكِ أعلى السلمِ الفقاريِّ إلى الخنازيرِ الجنينية. كانتِ التجربةُ كافيةً لإقناعِه بأنْ يُصبحَ عالِمًا.
    في سنتِه الدراسيةِ الثانيةِ بجامعةِ "نوتردام" الأمريكيةِ كانَ بحاجةٍ إلى المال. لذا؛ عمِلَ في وظيفةِ تحضيرِ طعامٍ لذبابةِ الفاكهةِ في المعمل. صادفَ ذبابَ الفاكهةِ الأولى وتعلمَ أساسياتِ علمِ الوراثة. على الرغمِ منْ أنهُ أحبَّ العملَ في المختبر، إلا أنَّ علمَ الوراثةِ لمْ يثرهُ بقدرِ ما أثارتْه دوراتُ علمِ الأجنة. يقولُ "فيشاوس": "لنْ أنسى أبدًا إثارةَ رؤيةِ الانقسامِ والمعدةِ لأولِ مرةٍ في أجنةِ الضفادعِ الحية. أردتُ على الفورِ أنْ أفهمَ لماذا تتصرفُ الخلايا في مناطقَ معينةٍ منَ الجنينِ النامي بالطريقةِ التي تتصرفُ بها. ما الآلياتُ التي جعلتْ بعضَهم مختلفًا عنْ بعضٍ ؟ ما هي القوى التي دفعتْ مثلَ هذه التغييراتِ الدراماتيكيةِ في السيتوبلازم وشكلِ الخلايا؟".
    مهدتْ تلكَ التساؤلاتِ طريقَ الفوزِ بجائزةِ "نوبل"؛ فحينَ انتقلَ للعملِ في ألمانيا؛ تعاونَ معَ زميلتِه "كريستان" للإجابةِ عنْ تلكَ الأسئلة؛ عبرَ دراسةِ الكائناتِ التي كانَ يُطعِمُها في سنتِه الدراسيةِ الثانية: ذبابِ الفاكهة.
    وُلدَ "إدوارد بي لويس" في عشرين مايو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةَ عشَر بولايةِ بنسلفانيا الأمريكية، كانَ والدُه صانعَ ساعاتٍ وصائغًا. بحلولِ الوقتِ الذي كانَ فيهِ لويس طالبًا جديدًا في المدرسةِ الثانوية، كانَ لديهِ اهتمامٌ متزايدٌ بالبيولوجيا. تعلَّمَ دراسةَ ذبابةِ الفاكهةِ منْ إعلانٍ في الجزءِ الخلفيِّ منْ مجلةِ العلومِ وبدأَ دراساتٍ أوليةً عنِ الكائنِ الحي. لمْ تقتصرِ اهتماماتُ لويس على العلمِ وحدَه. فقدْ كانَ أيضًا عازفَ فلوت بارعًا، وحصلَ على منحةٍ دراسيةٍ للموسيقى في كليةِ باكنيل. لكنْ وبعدَ عامٍ واحدٍ منْ دراستِها قررَ الانتقالَ إلى جامعةِ مينيسوتا وهناكَ شجعَه أستاذُ علمِ الوراثةِ "كلارنس بول أوليفر" على مواصلةِ هوايتِه في أبحاثِ ذبابةِ الفاكهة.
    مُنحَ لويس مكتبًا في مختبرِ أوليفر لمواصلةِ بحثِه. استغرقَ الأمرُ عامَينِ فقطْ للحصولِ على درجةٍ علمية. وساعدتْه توصيةٌ منْ "أوليفر" في الحصولِ على زمالةِ تدريسٍ في معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا كطالبِ دراساتٍ عليا تحتَ إشرافِ ألفريد ستورتيفانت.
    نشرَ لويس العديدَ منَ الأوراقِ خلالَ مدةِ دراستِه كطالبِ دراساتٍ عليا، لكنَّ أهمَّها تتعلقُ بابتكارِ اختبارٍ لقياسِ الطفراتِ في الجينات. قادَ هذا الاكتشافُ لويس إلى الحصولِ على درجةِ الدكتوراة منْ معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ أربعين. وفي العامِ التالي، في خضمِّ الحربِ العالميةِ الثانية، انضمَّ لويس إلى الجيشِ للمساعدةِ في المجهودِ الحربيِّ الأمريكي.
    بصفتِه نقيبًا في الجيش، عملَ لويس مدةَ ثلاثِ سنواتٍ كخبيرِ أرصادٍ جويةٍ وعالِمِ محيطاتٍ في هاواي وأوكيناوا باليابان. بعدَ انتهاءِ الحرب، عادَ لويس إلى معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعينَ كمدرب، وهوَ منصبٌ وعدَه بهِ رئيسُ معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا روبرت ميليكان في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وأربعين.
    في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وخمسين، أصبحَ لويس أستاذًا لعلمِ الأحياءِ في معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا. عُرفَت إحدى أشهرِ طفراتِ ذبابةِ الفاكهةِ باسمِ الذبابةِ رباعيةِ الأجنحة. بسببِ طفرةٍ في مركبِ bithorax – وهوَ المركبُ الجينيُّ المفضلُ لدى لويس - تغيرتْ أجزاءُ الجسمِ وتطورتْ مجموعةٌ إضافيةٌ منَ الأجنحة.
    عُرفَ لويس طوالَ حياتِه المهنيةِ كعالِمٍ مستقل، ونادرًا ما كانَ ينشرُ أوراقًا علميةً ويؤمنُ بممارسةِ العلومِ منْ أجلِ العلم. في بدايةِ العصرِ النووي، في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وخمسين، كانَ يُعتقَدُ أنَّ الإشعاعَ منخفضَ المستوى آمن. لمْ يوافقْ لويس على ذلكَ ونشرَ ورقةً بحثيةً في العامِ نفسِه بعنوانِ "اللوكيميا والإشعاع المؤين" توضحُ الآثارَ السلبيةَ للإشعاعِ منخفضِ المستوى. كانَ قادرًا على إثباتِ وجودِ علاقةٍ بينَ مستوياتِ الإشعاعِ "الآمنةِ" المقبولةِ وزيادةِ حالاتِ سرطانِ الدم. بسببِ هذهِ الورقة، أُجبرَ على المثولِ أمامَ اللجنةِ المشتركةِ للطاقةِ الذريةِ من أجلِ الإدلاءِ بشهادتِه على النتائجِ التي توصلَ إليها.
    في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وستين، تمَّ تعيينُ لويس أستاذًا للبيولوجيا وأصبحَ أستاذًا فخريًّا في معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثمانين.
    في واحدٍ وعشرين يوليو عامَ ألفينِ وأربعة، توفيَ لويس إثرَ إصابتِه بسرطانِ البروستاتا. استمرَّ في العملِ رغمَ مرضِه حتى أيامِه الأخيرة.
    في خطابِها يومَ الحصولِ على الجائزة. قالتْ "كريستان": " على الرغمِ منْ أنَّ العملَ الذي قمنا بهِ كانَ في كثيرٍ منَ الأحيانِ مملًّا وفي بعضِ الأحيانِ محبطًا ، إلا أنَّه كانَ بشكلٍ عامٍّ ممتعًا ويحققُ سرورًا عميقًا وسعادةً لفهمِ ما بدا في البدايةِ أنَّه لغزٌ كبير". وأكدتْ أنَّ التكريمَ ليسَ للباحثينَ الثلاثةِ فحسب، بلْ أيضًا للأبحاثِ الأساسيةِ بشكلٍ عامٍّ والدافعِ الفكريِّ لفهمِ المبادئِ الأساسيةِ للطبيعة

  2. #2
    المشرفين القدامى
    إعلامي مشاكس
    تاريخ التسجيل: February-2015
    الدولة: Iraq, Baghdad
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 29,554 المواضيع: 8,839
    صوتيات: 9 سوالف عراقية: 6
    التقييم: 22063
    مزاجي: volatile
    المهنة: Media in the Ministry of Interior
    أكلتي المفضلة: Pamia
    موبايلي: على كد الحال
    آخر نشاط: 5/October/2024
    مقالات المدونة: 62
    سلمت اناملكم فى انتظار ابدعاتكم دمتم متألقين مبدعين متميزين.

  3. #3
    عضو محظور
    彡نور الشمس彡
    تاريخ التسجيل: August-2015
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 5,345 المواضيع: 769
    التقييم: 4774
    مزاجي: حسب الجو
    أكلتي المفضلة: حلويات +معجنات
    موبايلي: كلاكسيA72
    آخر نشاط: 1/September/2022
    شكرا حب

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال