ما هو الغزو الفكري
تعريف الاستعمار وأنواعه
يمكن تعريف الاستعمار بأنّه: "ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، يقوم الاستعمار على سلب واغتصاب أموال الأمم وثرواتها من خلال التحكّم بمنابعها الاقتصادية، وتقييد حريّة أفراد الدول المُستعمَرة والقضاء على تراثهم وحضارتهم وأيِّ عاملٍ يمكن أن يؤثر في النهضة والعمل ضد المُستعمِر، كما أنّ الاستعمار لا يقتصر على الجانب العسكري فهناك الاستعمار السياسي والاستعمار الاقتصادي والاستعمار الثقافي، ولكلِّ نوعٍ من هذه الأنواع مظاهر وطُرُق خاصّة به؛ ويمكن القول بأنّ الغزو الفكري هو أحد أشكال الاستعمار الثقافي، فما هو الغزو الفكري، وما هي أساليبه، هو ما سيجيب عليه هذا المقال.
ما هو الغزو الفكري
إنّ كلمة الغزو تدلّ على الطلب والقصد والهجوم على الأقوام والقبائل والأمم الأخرى، وقد كانت تُطلق على الهجوم العسكري والحربي واستخدام القوّة العسكرية والبدنية في إخضاع الشعوب والسيطرة عليهم؛ ولكنّ مدلول هذه الكلمة قد توسّع فأصبح يشمل الوسائل العسكرية وغير العسكرية التي تستخدمها الدول المستعمِرة في احتلال الدول الأخرى، ومن هذه الوسائل وسائل فكرية تُمهّد للغزو العسكري أو السياسي من خلال التمكّن من عقول الشعوب وحشوها بأفكار تخدم المستعمِر وتُسهّل عملية الغزو العسكري، وهذه الوسائل هي إجابة سؤال: ما هو الغزو الفكري.
كما يمكن أن يقتصر المستعمِر على الغزو الفكري كأسلوب من أساليب إبقاء الشعوب والدول تحت هيمنته الفكرية والثقافية، فالجانب الاقتصادي وزيادة الرقعة الجغرافية هدف من أهداف الاستعمار ولكنّه قد يقتصر على السيطرة الفكرية فلا يُفعّل من أشكال الغزو إلّا الغزو الفكري، فيعمل الغزو الفكري على سلْخ الشعوب عن تراثها وحضارتها ويُولّد لديها شعورًا دائمًا بالعجز والهزيمة النفسية ويُعزّز فكرة تفوّق وتميُّز المستعمِر في نفوس أفراد المجتمع.
تكمن خطورة الغزو الفكري في أنّه غير واضح المعالم كالغزو العسكري الذي يكون عبر قدوم قوّات عسكرية إلى البلد المراد استعماره، على عكس الغزو الفكري الذي ينهش في العقول ويُغيّر الأفكار والعقائد بصمت ورويّة وبطُرُقٍ خفيّة من الصعب التنبّه لها بسرعة، كما أنّ الشعوب تبذل الغالي والنفيس في مواجهة الغزو العسكري وتقدّم الأرواح في سبيل الحفاظ على الحريّة والكرامة، ولكنّ الغزو الفكري يسلب الحريّة ويطمس الهوية دون أن يدري الإنسان، والسبب في ذلك يعود إلى اختلاف الطُرُق المتبّعة في الغزو الفكري عنها في الغزو العسكري.
أساليب الغزو الفكري
إنّ الإجابة عن سؤال: ما هو الغزو الفكري؟ لا تكتمل إلّا بمعرفة أساليب ووسائل الغزو الفكري، فهي أساليب كثيرة ومتنوعة ولكنّها في معظمها تقوم على مبدأين المبدأ الأول وهو إفراغ العقول من عقائدها وجميع الأفكار التي تخصُّ العزّة والحريّة والقدرة على التطوير الذاتي، أمّا المبدأ الثاني فهو إحلال معتقدات المستعمر وأفكاره بدلًا عنها، وقد يهدف المستعمِر أحيانًا إلى إبقاء العقول فارغة ليسهُل عليه تسييرها كيفما شاء.
يقوم الغزو الفكري بإقناع الشعوب بأفكار وسلوك وأنظمة الدول المستعمِرة، وذلك بعد أن يولّد في النفوس نبذًا لسلوك وأفكار الدول المستعمَرة، ويزرع الإحساس بالهوان تجاه كل ما يخصّ عقائد الشعوب الدينية، ويُقوّي النزعات الطائفية والعرقية ويُحرّض الأقليّة ضد الأكثرية ويُشوّه رموز الشجاعة والالتزام؛ من خلال الاستعانة بثلّة من الخونة وفاقدي الانتماء فيغريهم بالمال ويجعل أفراد المجتمع الواحد يتقاتلون فيما بينهم ممّا يعمل على إضعاف الدول وسقوطها.[]