أعربت جهات دينية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن احتجاجها على وجود فقرات غنائية ضمن فعاليات المهرجان، وأقام محتجون حينها الصلاة أمام آثار بابل مهددين بإقامة اعتصامات في حال المضي قدما بعرض الفقرات الغنائية.
مهرجان بابل للثقافات ينطلق اليوم بعد موجة جدل واسعة تجاه بعض فعالياته (مواقع التواصل-أرشيف)
تنطلق فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون العالميةفي محافظة بابل (جنوب بغداد) اليوم الخميس بدورته التاسعة، وسيشهد فعاليات متنوعة والعديد من العروض الفنية والثقافية، بمشاركة عدد من أبرز الفنانين العراقيين والعرب.
وكانت جهات دينية قد أعربت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن احتجاجها على وجود فقرات غنائية ضمن فعاليات المهرجان، وأقام المحتجون الصلاة أمام آثار بابل مهددين بإقامة اعتصامات في حال المضي قدما بعرض الفقرات الغنائية.
الياسري: ارتباط اسم المهرجان بمدينة بابل يعود لأهميتها التاريخية
تاريخ حافل
ويقول الكاتب والباحث مكي الياسري إن سبب ارتباط اسم المهرجان بمدينة بابل يعود لأهميتها التاريخية، حيث تعتبر هذه المدينة مفخرة من مفاخر العراق، إضافة إلى الأجواء الرائعة والمقومات والأماكن التاريخية التي لا تتوفر إلا في هذه المنطقة.
ويضيف للجزيرة نت، أن فعاليات المهرجان وتقديم العروض تجري على المدرجات الأثرية الموجودة في المسرح البابلي الرئيسي والمسرح الثاني الذي تعرض فيه عروض الفرق الموسيقية الغنائية والرقص والأزياء وجلسات الشعر والمسرح.
عطية أكد أن اسم المهرجان له دلالات تاريخية وحضارية
من جانبه، يشير علي جبار عطية، رئيس تحرير جريدة أوروك في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، إلى وجود مهرجانين يحملان اسم بابل، الأول "مهرجان بابل الدولي" انطلق في الثمانينيات برعاية حكومية كاملة وتوقف عام 2003، وكان هناك رفض ثقافي ومجتمعي لإقامته بدعوى ارتباطه بالنظام السابق، وبعد توقف 19 عاما، عاد المهرجان في خريف 2021 ليقام على استحياء بسبب اعتراضات التيار الديني.
ويضيف للجزيرة نت، أن المهرجان الثاني يحمل اسم "مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية" أسسه الشاعر علي الشلاه، رئيس مؤسسة دار بابل للثقافات والفنون والإعلام، سنة 2012، وقد حاول الجمع بين الفنون والآداب برؤية حديثة.
ويرى عطية أن اسم بابل يعطي دلالات تاريخية وحضارية، ومن المفترض أن تكون هناك فعاليات أثرية موازية للفعاليات والأنشطة الأخرى، لكن الذي يحصل هو أن المهرجان يركز على النشاطات الثقافية والفنية والسياحية.
الشلاه: مهرجان بابل نجح بشق طريقه للعالمية لتنوع فعالياته ورصانتها وتعدد لغاتها (مواقع التواصل)
فعاليات متنوعة
واعتبر الشلاه أن مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الذي سينطلق تحت شعار "كلنا بابليون"، هو واحد من أهم الفعاليات الثقافية في داخل العراق وخارجه، مشيرا إلى أن فعالياته تتوزع على المسرح البابلي، ومعبد ننماخ، والمسرح الجنوبي، وقاعة مردوخ، وقاعة الفن التشكيلي، بالإضافة إلى معرض الكتاب الذي يميزه في هذه الدورة تنظيم فعاليات المقهى الثقافي.
ويبين للجزيرة نت أن المهرجان ومن خلال دوراته السابقة التي بدأت منذ عام 2012، واجه جميع التحديات الأمنية والإرهاب الذي حاول إيقافه، ونجح بشق طريقه عالميا بتنوع فعالياته ورصانتها وتعدد لغاتها، حتى اعتبرته منظمة اليونسكو من أهم الفعاليات الثقافية لدورتين متتاليتين، وكان له دور فاعل في إعادة بابل إلى لائحة التراث العالمي، حيث كان الكتاب الذي أعدته لجنة المهرجان باللغتين العربية والإنجليزية هو المطبوع الوحيد الذي وزع على وفود الدول المصوتة.
ويضيف الشلاه، "نحن نعتمد الطريقة الأوربية في البحث عن شركاء داعمين للثقافة والفن مع احتفاء بنجاحنا مثلج للصدر من قبل الوسطين الثقافي والإعلامي".
وأشار إلى أن المهرجان سيشهد تنظيم المعرض الدولي للكتاب بمشاركة أكثر من 100 دار نشر، وكذلك معرض الخط العربي، ومهرجان الشعر العالمي، ومهرجان السرد العالمي، ومعرض "المرأة اللوحة" التشكيلي، بالإضافة إلى ندوات فكرية وعروض مسرحية وسينمائية وعشرات الفرق الموسيقية والفنانين والعازفين، وبحضور عدد كبير من نجوم الدراما والمسرح والموسيقى والأدب والرياضة.
حمزة يرى أن أسباب الجدل القائم حول مهرجان بابل ترتبط بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية
جدل متجدد
ويرى أستاذ النقد الفني الدكتور طالب سلطان حمزة، أن الحضارة لها مقومات متعددة لكي تتصف بتلك التسمية التي تميزها عن الشعوب الأخرى، فهي نهوض بكل مفاصل الحياة، وأي إخفاق بأحد تلك المفاصل يتعذر النهوض بأي حركة ثقافية في جميع الأزمنة.
ويبين للجزيرة نت أن أسباب الجدل القائم حول مهرجان بابل في البلاد بعد سنوات من التوقف، ترتبط بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، مضيفا "إذا أخذنا الجانب السياسي، نجد عدم استقرار الوضع السياسي بالعراق نتيجة الحروب والصراعات الداخلية مما يعيق أي حركة ثقافية بالبلاد وينعكس على نفسية المواطن في التفاعل مع هكذا فعاليات.
إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتراجع وتردي دخل المواطن، مما يعيق الارتقاء بالوعي الجمالي لتلك الأسرة العراقية، فضلا عن أمور تنظيمية للمهرجات، وانشغال البلاد بأمور اقتصادية متتالية تؤثر على التواصل مع المهرجات بشكل كبير، كما يضيف حمزة.
وأما الجانب الاجتماعي، فيؤكد أستاذ النقد الفني أن واقع المجتمع له تأثير كبير على تلك المهرجانات، نتيجة غياب الوعي الثقافي لدى المواطن بأهمية تلك المهرجانات.
ويعتقد حمزة أن الجانب الأمني له الدور الكبير في تحقيق الاستقرار، وعندما تتصاعد الاحتجاجات وغيرها فإن ذلك يشكل عائقا كبيرا أمام حضور هكذا فعاليات، وبما أن الصورة في المجتمع العراقي غير واضحة بين الأحزاب الدينية والانفتاح العالمي على المجتمع العراقي، فسيبقى هناك حاجز كبير في تحقيق استمرار تلك الفعاليات، ويهددها بالتوقف.
من جانبها، ترى الأكاديمية والباحثة في التربية المسرحية الدكتورة وسن المنصوري، أن اعتماد الوسطية في الحوارات المتعلقة بشأن الأمور التي يدور حولها الجدل هو الحل الأمثل، سواء في الأمور الفنية أو السياسية أو الدينية.
وفي حديثها للجزيرة نت، تقول المنصوري إنها تتصور أن الجدل لم يعد قائما حول مهرجان بابل بعد أن شاهد أبناء مدينة بابل الفعاليات الرسمية الفلكلورية والفنية في المهرجان.
الزيدي اعتبر أن تنوع الثقافات والفنون التي يتضمنها المهرجان أبرز ما يميزه
حضور واسع
بدوره، يقول الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي، إن مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية هو واحد من المهرجانات العريقة في العراق، والأجمل في هذا المهرجان أنه يضم العديد من الثقافات والفنون ولا يقتصر على فن واحد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد الزيدي حضور أكثر من 120 ضيفا عربيا وأجنبيا للمهرجان، وستقام الكثير من العروض المسرحية العراقية والتونسية ومن الأردن وعُمان ودول أخرى، وكذلك العديد من العروض السينمائية بحضور مخرجيها العرب أو الأجانب.
ويعتقد الزيدي أن حدة الجدل حول فقرات الغناء انخفضت، ويوجد تقبل لهذه الفعاليات بعد الضجة الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي ورفض لهذه الهجمات التي توالت على مهرجان بابل وعلى فقراته.
ويضيف أن إضافة فقرة مسرح الشارع إلى فقرات المهرجان هذا العام سيؤدي إلى استقطاب جمهور جديد بعيدا عن قاعات المسرح أو الفقرات المسرحية التي يعرفها الجميع، لذلك فإن هذه الدورة ستكون مليئة بالأحداث المسرحية على أرض بابل.
ويعرب الزيدي عن اعتقاده بنجاح هذه الدورة، خاصة مع هدوء المعارضين الذين كانوا يطالبون بوقف المهرجان، ويبدو أنهم قد رضخوا للدعوات الكبيرة التي كانت تدعو لبقاء بابل واحدة من المدن المدنية الجميلة الحافلة والمسالمة المرحبة بكل ضيوفها.