نشأة البديعيات:
يبدو أن الحديث عن البديعيات، في البداية أمرٌ شاقٌ وصعب وهذا ربما عائد إلى؛ أنها فن تمخض عن صراع وآلام كبيرة وآمال دفنت، وإرادة تسلب وتتضح لنا هذه الصعوبة من خلال تحديدنا للزمن الذي ظهرت فيه فيقول في هذا الصدد محمد علي سلطاني: "قصائد في المديح بدأ ظهورها حوالي منتصف القرن السابع هجري"[1].
وهنالك من يقول أن ميلادها كان في القرن الثامن الهجري، وتناسلت لها قصائد نبوية بديعية خلال العصور الإسلامية حتى هذا اليوم[2].
فالذي يقول أن ميلادها في القرن السابع الهجري فهو ينسبها إلى البصيري صاحب البردة (608هـ/696هـ) وهو شاعر مصري من قرية بوصيرة أصله من المغرب من قبيلة صنهاجة، وكان البصيري شاعرا رقيقا ورجلا متدينا صالحا يغلب عليه الفقر أصيب بفالج نصفي شله واقعده طريح الفراش رهين الدار[3].
وهذه الأسباب هي التي دعته إلى نظم هذه القصيدة ضف إليها أنه عندما نام رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على وجهه بيده المباركة، وألقى عليه البردة[4].
فاستهل هذه القصيدة بمقدمة غزلية حن فيها إلى ديار الحبيب، و الحبيب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والديار هي أطر للمدينة المنورة[5].
انتشرت هذه القصيدة انتشارا منقطع النظير، وحاول الكثير من شعراء العربية مجاراتها والنسج على منواها ومعارضتها ،حتى كانت الميم مطية كل الذي ساروا على نهج البصيري –مع أن البصيري مسبوق بقصيدة ابن الفارض الميمية- ومطلع بردة البصيري هو:
أمن تذكر جيران بذي سلمبعد هذا العرض يظهر أن الاختلاف في الرأي هذا يعود إلى عدم الدقة تعريف البديعيات وإذا عرفنا الفرق بين البديعيات والمدائح النبوية فإننا نستطيع تحديد نشأتها.
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
والفرق بين البديعيات والمدائح النبوية يكمن في أن البديعيات قصائد منظومة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم على البحر البسيط، وعلى روى الميم المكسورة أضاف أصحابها إلى شعرهم ألوان بديعية صراحة أو ضمنا لكن المدائح النبوية هي قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن تضاف لها ألوان البديع[6].
ومن هنا يعد البصيري أب المدائح النبوية، ويعد الحلي أب البديعيات والتي ظهرت في القرن 8هـ وبهذا جاءت بديعية الحلي كتابا علميا في فن البديع بحثا وأمثلة حية على كل الأنواع وكان مطلع هذه البديعية:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلموهذه البديعية تحتوي على مئة وخمسة وأربعين بيت فيها مئة وأربعين لوناً بديعيا وقد ساعد الحلي على أن ينتهج هذا النهج الجديد في بناء القصيدة المدحية، انه اطلع على أثار العلماء البديعيين من أمثال ابن أبي الأصبع .....
وقر السلام على عرب بذي سلم
وربما هذا هو الذي جعل الشعراء يتأثرون بنظم القصائد البديعية على منوالها، فاتخذوها منطلقاً للمعارضة والنسج على أصولها البديعية[7] .
من الذين نسجوا على منوال بديعية صفي الدين الحلي هم:
1.بديعية أبي بكر علي بن حجة الحموي (837هـ)، سماها "تقديم أبي بكر" اشتملت هذه البديعية على مئة وستة وثلاثين نوعا بديعيا في مئة وثلاثة وأربعين بيتا.
2.بدعية الحميد عبد الرحمن بن أحمد بن علي: المسماة: فتح البديع بشرح تلميح البديع بمدح الشفيع، فرغ من تأليفها سنة (992هـ)، وهي في مئة وأربعين بيتا تحوي مئة وثمانية وستون صنفا بديعيا. وهذا دليل على إضافته أجناس أخرى على بديعية الحلي
3.بديعية شهاب الدين احمد العطار (794هـ) سماها: الفتح الإليّ في مطارحة الحليّ.
4.بديعية الموصلي علي بن الحسين عز الدين الموصلي، المتوفى سنة (789هـ) سماها: التوصيل بالبديع إلى التوسل بالشفيع.
5.بدعية شعبان الآثاري، ابن محمد بن داود المتوفى سنة (828هـ) سماها بديع البديع في مدح الشفيع.
6.بديعية عيسى بن الحجاج بن عيسى بن شداد العسدي، المتوفى سنة (807هـ )عارض بهذه البديعية الحلي، لكنه جعل القافية "راء".
7.شرح على قصيدة الحلي لعبد الغني الرافعي، المتوفى سنة( 1307 هـ) سماها الجوهر السني في شرح بديعية الصفي[8].
[1] - د/ محمد علي سلطاني، البلاغة العربية في فنونها، مطبعة زيد بن ثابت، دمشق، سوريا، (د.ط)، 1979/1980، ص 13.
[2] - صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكفاية البديعية، ص 37.
[3] - د/ بكري شيخ أمين، البلاغة العربية في ثوبها الجديد، على البديع، ج3، دار العلم للملايين، ط5، 1999م، ص 13.
[4] - علي أبو زيد، البديعيات في الأدب العربي نشأتها، تطورها، أثرها، ص 20.
[5] - د/ بكري شيخ أمين، البلاغة العربية في ثوبها الجديد، ص 13.
[6] - د/ بكري شيخ أمين، البلاغة العربية في ثوبها الجديد، ص 18.
[7] - صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكافية البديعية، ص 41.
[8] - صفى الدين الحلي، نتائج الألمعية في شرح الكفاية البديعية، ص 42-46.