راح ضحيّته 750 ألف شخص.. “التطهير العظيم”، عندما أعدم ستالين أفضل جنرالاته


iStock/ التطهير العظيم ودوافع ستالين
التطهير الكبير المعروف أيضاً باسم "التطهير العظيم"، كان حملة سياسيّة قادها الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين؛ للقضاء على الأعضاء المعارضين للحزب الشيوعي وأي شخص آخر كان يعتبر تهديداً له.
التطهير العظيم
على الرغم من اختلاف التقديرات، يعتقد مُعظم الخبراء أن ما لا يقل عن 750 ألف شخص قد أُعدموا خلال عملية التطهير العظيم الذي حدث بين عامي 1936 و1938.
ووفقاً لما ذكره موقع "راديو أوروبا الحرة"، فقد أعدمت الشرطة السرية لستالين أكثر من 1000 شخص يومياً، معظمهم بطلقة في مؤخرة الرأس.
إضافة إلى إرسال أكثر من مليون شخص آخر إلى معسكرات العمل القسري، المعروفة باسم "الجولاج".
وقد تسببت هذه العملية الدموية الوحشية في انتشار الرعب بجميع أنحاء الاتحاد السوفييتي وأثرت على البلاد لسنوات عديدة.


التطهير العظيم ودوافع ستالين
في عام 1924 توفي زعيم الاتحاد السوفييتي فلاديمير لينين، زعيم الحزب البلشفي، فشقَّ ستالين طريقه نحو الخلافة السياسية، مُعلناً عن نفسه في النهاية زعيماً للاتحاد السوفييتي في عام 1929 لفترة قاربت ربع قرن وانتهت بوفاته يوم 5 مارس/آذار 1953.
عند صعود ستالين إلى السلطة، بدأ بعض أعضاء الحزب البلشفي السابق بالتشكيك في سلطته.
بحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، اعتقد ستالين أن أي شخص على صلة بالبلاشفة أو حكومة لينين يمثل تهديداً لقيادته ويحتاج إلى الرحيل.
ووفقاً لما ذكره موقع New World Encyclopedia، تمّت مناقشة الدوافع الدقيقة لعملية التطهير العظيم بين المؤرخين، إذ يزعم البعض أن أفعال ستالين كانت مدفوعة برغبته في الحفاظ على السلطة كديكتاتور، فيما يرى آخرون أنه طريقته للحفاظ على الحزب الشيوعي السوفييتي وتعزيزه وتوحيده.
كما شكَّل صعود القوة النازية في ألمانيا والعسكريين في اليابان خطراً كبيراً على الاتحاد السوفييتي، إذ يعتقد العديد من الخبراء أن هذه التهديدات شجعت ستالين على القيام بعملية التطهير؛ في محاولة لتوحيد بلاده وتعزيزها.
المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفييتي
ما بين يومي 26 يناير/كانون الثاني و10 فبراير/شباط 1934، احتضن الاتحاد السوفييتي المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي، وتواجد بين الحاضرين، 1225 عضواً ممن تمتعوا بحق التصويت على القرارات، بينما تمتع 736 بحق التصويت الاستشاري فقط.
أثناء كلمة ستالين في المؤتمر، عدَّد نجاحاته وقدّم أرقاماً وإحصائيات مفبركة حول نجاحات سياسته التي ضاعفت الإنتاج الصناعي والزراعي بالاتحاد السوفييتي في العام الماضي.
تصريحات ستالين هذه لم تلقَ تأييد عدد من قدامى الحزب الشيوعي الذين كانوا يعلمون بحقيقة تفشي المجاعة بالبلاد ووفاة الملايين بأوكرانيا وحدها ضمن مجاعة الهولودومور.
خلال عملية التصويت تلقَّى ستالين أكثر من 100 صوت سلبي من سياسته.
في حين عرض قدامى الحزب بشكل سري على سيرغي كيروف المصنّف كقائد الحزب في لينينغراد، أن يُنصَّب زعيماً للحزب الشيوعي السوفييتي وعزل ستالين.
رفض سيرغي كيروف، الأمر وأخبر جوزيف ستالين بهذه المحادثة.
أثارت هذه التصريحات التي قدّمها سيرغي كيروف غضب جوزيف ستالين الذي تخوّف من عملية انقلابية قد تطيح به من هرم السلطة.
سيرغي كيروف أول شخص يُقتل في التطهير العظيم
أول حدث من التطهير العظيم حصل في عام 1934 من خلال اغتيال الزعيم البلشفي البارز سيرغي كيروف، الذي قُتل في مقر الحزب الشيوعي على يد رجل يدعى ليونيد نيكولاييف.
على الرغم من أن دوره محل نقاش، فإن كثيرين يتكهنون بأن ستالين نفسه هو من أمر بقتل كيروف.
بعد وفاة كيروف بـ10 أشهر، أطلق ستالين حملة التطهير، ملاحقة معارضيه السياسيين بالحزب وجميع الرافضين لسياساته ضمن ما عُرف بـ"التطهير الكبير" مُدعياً أنه كشف مؤامرة خطيرة للشيوعيين المناهضين للستالينية.
بدأ ستالين بقتل أو سجن أي منشق حزبي مشتبه به، وفي النهاية قضى على جميع البلاشفة الأصليين الذين شاركوا في الثورة الروسية عام 1917.
وكان من بين الذين تم تطهيرهم أعضاء معارضون للحزب الشيوعي ومسؤولون حكوميون وضباط في الجيش الأحمر.
محاكمات موسكو
أدت وفاة كيروف إلى 3 محاكمات حظيت بتغطية إعلامية واسعة نجحت في القضاء على العديد من خصوم ستالين السياسيين ومنتقديه.
فقد تم اتهام العديد من الشيوعيين السابقين رفيعي المستوى بالخيانة، من بينهم ليف كامينيف وغريغوري زينوفييف ونيكولاي بوخارين وأليكسي ريكوف.
وفقاً لموقع History التاريخي، فإن تلك المحاكمات التي أصبحت تُعرف باسم "محاكمات موسكو"، كانت أحداثاً مُدبرة، بحيث اعترف هؤلاء الأشخاص قسرياً بأنهم خونة وجواسيس بعد استجوابهم وتهديدهم وتعذيبهم.
وفي الوقت نفسه، قامت الشرطة السرية السوفييتية، المعروفة باسم NKVD، بتشكيل لجان من 3 أعضاء في الميادين الرئيسية؛ لتقرير ما إذا كانت عمليات قتل المناهضين للسوفييت لها ما يبررها، وقد حُوكم المتهمون وأدينوا في تلك المواقع وأُعدموا.

iStock/ أول حدث من التطهير العظيم حصل في عام 1934 من خلال اغتيال الزعيم البلشفي البارز سيرغي كيروف، الذي قُتل في مقر الحزب الشيوعي على يد رجل يدعى ليونيد نيكولاييف.
الطابور الخامس
استخدم ستالين مصطلحات، مثل "الطابور الخامس" و"عدو الشعب" و"المخربين" لوصف الأشخاص الذين تم البحث عنهم خلال التطهير العظيم.
بدأ بقتل وسجن أعضاء الحزب البلشفي والمسؤولين السياسيين والعسكريين، ثم توسَّع التطهير ليشمل الفلاحين والأقليات العرقية والفنانين والعلماء والمفكرين والكُتاب والأجانب والمواطنين العاديين، أي لم يكن هناك أحد في مأمن من الخطر.
كما أعدم ستالين 30000 من أفراد الجيش الأحمر بحجة أنهم كانوا يخططون لانقلاب، فيما يقدّر الخبراء أنه تم إعدام 81 من أصل 103 من الجنرالات والأدميرالات، وبشكل إجمالي تم قتل نحو ثلث أعضاء الحزب الشيوعي البالغ عددهم 3 ملايين.
في حين وقَّع ستالين أيضاً على مرسوم جعل العائلات مسؤولة عن الجرائم التي يرتكبها الزوج أو الأب، ما يعني أنه يمكن إعدام أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً بسبب آبائهم!
معسكرات جولاج
لا شك في أن التكتيكات الوحشية التي اتبعها ستالين أصابت البلاد بالشلل وعززت جواً من الرعب على نطاق واسع.
زعم بعض الضحايا أنهم كانوا يفضّلون القتل بدلاً من إرسالهم لتحمُّل ظروف التعذيب في معسكرات جولاج سيئة السمعة، وتم إعدام العديد ممن تم إرسالهم إلى معسكرات جولاج في النهاية.
على الرغم من أن معظم المؤرخين يقدرون أن ما لا يقل عن 750 ألف شخص قُتلوا خلال عملية التطهير الكبير، فإن هناك جدلاً حول ما إذا كان هذا العدد يجب أن يكون أعلى من ذلك بكثير؛ نظراً إلى أن العديد من الأشخاص اختفوا ببساطة، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن السجناء في معسكرات العمل كانوا يموتون عادة بسبب الإرهاق أو المرض أو الجوع.
انتهاء عملية التطهير العظيم بقتل ليون تروتسكي
انتهت عملية التطهير الكبير رسمياً في نحو عام 1938، لكن كثيرين يعتقدون أنها استمرت حتى استطاع ستالين قتل منافسه منذ فترة طويلة ليون تروتسكي في أغسطس/آب 1940.
فقد حُكم على تروتسكي بالإعدام غيابياً خلال محاكمات موسكو، إذ كان يعيش في المنفى بالمكسيك قبل أن يُغتال على يد شيوعي إسباني.
حتى بعد هذا الاغتيال، يُعتقد أن عمليات القتل الجماعي والاعتقالات والنفي استمرت بوتيرةٍ أقل حدة حتى وفاة ستالين في عام 1953.
خلال الحرب العالمية الثانية، كان ستالين مسؤولاً عن إعدام أسرى الحرب، خاصةً المواطنين البولنديين.
جريمة إنسانية أم حدث دفع الاتحاد السوفييتي إلى العظمة؟
بعد وفاة ستالين، أدان خليفته نيكيتا خروتشوف العنف الوحشي لعملية التطهير العظيم، وذلك في خطاب سري عام 1956، وصف خروتشوف فيه عمليات التطهير بأنها "إساءة استخدام للسلطة"، وأقر بأن العديد من الضحايا كانوا في الواقع أبرياء.
وأنّ أعمال الإرهاب والتعذيب التي قام بها ستالين حطمت معنويات الشعب السوفييتي، وقضت بشكل فعال على مجموعات معينة من المواطنين، مثل المثقفين والفنانين.
أما المثير للدهشة فهو أن إرث التطهير العظيم وستالين نفسه يشهد ردود أفعال متباينة، ففي حين يعتبر معظم الروس الحدث بمثابة جريمة إنسانية يعتقد آخرون أنه ساعد في تعزيز ودفع الاتحاد السوفييتي إلى العظمة.