إلودي باسكوال: كلما كرر الوالدان الكلمات أكثر تكون معنى في عيون أبنائهم ويتذكرونها بشكل أفضل.
التلفظ بكلمة "ماما" قريب جدا من عبارة "بابا" وأحيانا سابق لها (غيتي)
"بابا؟ هل قلت بابا؟".. "ماما؟ هل قلت ماما؟".. بعيون مفتوحة وذراعين تحاولان الإمساك بهذا الكائن الصغير الذي نطق للتو كلماته الأولى، عاش جميع الآباء تقريبا لحظات سعيدة عند سماع فلذات أكبادهم يتلعثمون وينطقون بأسمائهم "أولا" وهي لحظة حلم تراود حتى آباء المستقبل.
لكن الأمور ليست بهذه البساطة كما تؤكد صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية في تقرير لها أن "الأطفال لا يتلفظون في حقيقة الأمر بعبارة بابا أولا" وفق إلودي باسكوال الأمين العام للاتحاد الوطني لمعالجي النطق في فرنسا.
الطفل يكتشف فرحة الأحرف الساكنة الأولى بعمر ما بين 8 و10 أشهر (غيتي)
فرحة الأحرف الأولى
بل إن الأمر يتعلق أكثر -تضيف باسكوال- بنطق صوت "بابا بابا" فبعد الثرثرة الأولى التي تشبه صوت "أغوو" يكتشف الطفل فرحة الأحرف الساكنة الأولى في الفترة ما بين 8 و10 أشهر "وهو شعور جديد للغاية بالنسبة له. لأول مرة يقدر الإحساس الذي تمنحه إياه ملامسة شفتيه والهواء الخارج من فمه" ويمكن لأي شخص بالغ التأكد من ذلك بإجراء اختبار بسيط لإدراك كيف نشكل حروفا ساكنة شفوية مثل "ب" و "م" الساكنة.
نحن نلصق شفاهنا معا ونخرج الهواء لننطق هذين الحرفين، وهما ضمن فئة الأصوات التي توصف بـ "الانفجارية" وإذا كبر الطفل أكثر يقدر الدغدغة التي يسببها سيلان اللعاب على شفتيه مما يدفعه لإعادة إنتاج صوت "بابا" مرارا وتكرارا، دون ربطه بالمعنى العزيز جدا على والده.
عندما يتفاعل الأب مع عبارة "بابا بابا" سيربط الطفل تلقائيا هذا المقطع الصوتي بشخصية الأب (بيكسلز)
ارتباط تلقائي
ومع ذلك، فإن هذا الأمر ليس مدعاة لليأس للأب لأن الطفل يحتاجه فعلا لتعلم كلمة "بابا" حيث إنه عندما يتفاعل مع عبارة "بابا بابا" التي ينطقها ابنه بسؤاله "هل تقصد بابا؟ إنه أنا، والدك" سيربط تلقائيا هذا المقطع الصوتي بشخصية الأب.
والشيء ذاته ينطبق على الأمهات من خلال إنتاج أطفالهن لعبارة "ماما ماما" عبر تكرار حرف "م" الساكن، وهو صوت شفوي أيضا لكنه أكثر نعومة لذلك يكون التلفظ بكلمة "ماما" قريبا جدا من عبارة "بابا" وأحيانا سابقا له.
بعد بلوغهم 10 أشهر يتطور الجهاز الصوتي لأطفالنا مما يجعلهم قادرين على تكوين حروف ساكنة حقيقية، بدءا بتلك المنطوقة بمقدمة الفم مثل "ب" و"م" الساكنة، ثم تلك المنطوقة بأسفل الفم وباقي الحروف في عمر 4 إلى 5 سنوات.
بالإضافة إلى القدرات الفسيولوجية يكتسب الأطفال أيضا كلمات من حياتهم اليومية "ويكررون الكلمات التي لها معنى بالنسبة لهم. بمجرد حضور العواطف يتذكرون بأقصى سرعة" كما تؤكد باسكوال.
الأطفال يكتسبون كلمات من حياتهم اليومية ويكررونها وبمجرد حضور العواطف يتذكرونها بأقصى سرعة (غيتي إيميجز)
الكلمات الأولى
ومن بين 50 من الآباء الذين قابلتهم "لوفيغارو" تتكرر الكلمات نفسها لدى أبنائهم وهي العبارات المرتبطة باللحظات المهمة في يومهم مثل "ميام" عند شعور الطفل بالجوع، و"كولا" للشوكولاتة، و"بامام" للموز، و"بيبي" لقنينة الرضاعة.
وتضيف باسكوال أنه "كلما كرر الوالدان الكلمات أكثر تكوّن معنى في عيون أبنائهم ويتذكرونها بشكل أفضل".
وبحسب فريق من الباحثين في علم الأعصاب من جامعة كامبريدج، يستطيع الأطفال حفظ كلمة جديدة عند سماعها 160 مرة في ربع ساعة، وهذا يفسر سبب تذكرهم للمفردات التي يحتاجونها كل يوم من أجل أن يتم فهمهم، حيث يدركون بين عمر السنة والسنتين معاني الكثير من الكلمات التي تعينهم في حياتهم اليومية.