يسمح هذا النهج الجديد بفهم أكبر لطبيعة الجيولوجيا القديمة من أجل إعادة بناء وترتيب حركة الصفائح التكتونية على الأرض عبر الزمن.
الرمال التي تدوسها بقدميك ما هي إلا سجل يحمل في طياته تاريخ الأرض (بيكسابي)
هل خطر ببالك يوما وأنت ذاهب للسباحة في مياه البحر، أن الرمال التي تدوسها بقدميك ما هي إلا سجل يحمل في طياته تاريخ الأرض؟ هذا ما كشف عنه البحث الجديد الذي نشر في دورية "إيرث آند بلانتري لترز" (Earth and Planetary Science Letters).
مقياس جديد
توصل العلماء إلى نتائجهم حينما طوروا مقياسا جديدا لتحديد ما يسمونه "بصمة التوزيع العُمري" لمعدن الزركون في الرمال، التي يمكن بعد ذلك استخدامها لكشف المزيد عن تطور سطح الأرض عبر مليارات السنين، وفقا لما ذكره تقرير نشر بموقع "ساينس ألرت" (Science Alert) في الثالث من مارس/آذار الجاري.
الزركون هو معدن يبحث عنه الجيولوجيون، لأنه يمكن أن يتشكل عندما تصطدم القارات ببعضها البعض، فيمكن أن يكون عمر هذه البلورات في بعض الحالات مليارات السنين، وتحمل معها قدرا هائلا من التاريخ، ومتانته تجعله مقاوما للتآكل الجيولوجي. وبينما يشكل الرواسب، فإنه يخزن معه المعلومات.
الزركون هو معدن يبحث عنه الجيولوجيون، ويتشكل عندما تصطدم القارات ببعضها البعض (غيتي)
وبينما تحتك طبقات القشرة الأرضية مُجبرة الصخور الجديدة على التحجر، يتم الاحتفاظ بطابع زمني لعمر الصخرة في تركيبتها، وحتى عندما تتفتت هذه الصخرة إلى حبيبات صغيرة، فمن الممكن جمع آثار هذا التاريخ.
تاريخ الأرض مسجل في الرمال
يقول عالم الرواسب مايلو بارهام من جامعة كيرتن في أستراليا في بيان صحفي نشر على موقع الجامعة في الأول من مارس/آذار الجاري "تسجل شواطئ العالم بشكل جيد تاريخا مفصلا للماضي الجيولوجي لكوكبنا، مع بلايين السنين من تاريخ الأرض مخزّن في جيولوجيا كل حبة رمل، وتقنيتنا تساعد في الكشف عن هذه المعلومات".
من خلال معرفة التوزيع العمري للزركون في عينة من الرمل -من حديثي الولادة وحتى الشيوخ، من الناحية الجيولوجية – تتيح التقنية الجديدة للعلماء معرفة الأحداث المكونة للجبال التي كانت تحدث في الأزمنة التي سبقت تجميع هذا الكم من الرواسب.
يتم الاحتفاظ بطابع زمني لعمر الصخور في تركيبتها (غيتي)
حتى أن هذا النهج قادر على تسليط الضوء على الكيفية التي تطور بها المحيط الحيوي على الأرض لأول مرة، وفقا للباحثين، وذلك بالنظر إلى الوراء إلى أزمنة لم يسبق لأي من طرق التحليل الجيولوجي الأخرى أن أتاحت دراستها.
فهم الحركات التكتونية
الميزة الأخرى التي تتمتع بها تقنية البحث الجديدة هذه على الأساليب الحالية هي أنها يمكن استخدامها لفهم الحركات التكتونية حتى عندما لا يكون عمر ترسيب الرواسب نفسها معروفا (وهو السيناريو الذي غالبا ما يجد الباحثون أنفسهم فيه).
وقد وضع الفريق طريقتهم الجديدة تحت الاختبار من خلال 3 دراسات سلطت الضوء على كيفية عمل بصمة التوزيع العمري، ودراسة الرواسب في أميركا الجنوبية وشرق القارة القطبية الجنوبية وأستراليا الغربية.
تتميز تقنية البحث الجديدة على الأساليب الحالية بإمكانية استخدامها لفهم الحركات التكتونية (بيكسابي)
"على سبيل المثال، تختلف الرواسب على السواحل الغربية والشرقية لأميركا الجنوبية تماما؛ نظرا لوجود العديد من الحبيبات الصغيرة على الجانب الغربي والتي تكونت من غرق القشرة تحت القارة، مما أدى إلى الزلازل والبراكين في جبال الأنديز"، كما يقول عالم الجيولوجيا الزمنية كريس كيركلاند من جامعة كيرتن.
يضيف كيركلاند "بينما على الساحل الشرقي، كل شيء هادئ نسبيا من الناحية الجيولوجية وهناك مزيج من الحبيبات القديمة والصغيرة التي تم التقاطها من مجموعة متنوعة من الصخور عبر حوض الأمازون".
يطابق التحليل الجديد ما كشفت عنه الأبحاث السابقة حول المواقع، فيقول الباحثون إنه حتى حبيبات الرمل الفردية يمكن أن تكشف عن القوى التكتونية التي كونتها، بناء على التوزيع العمري للرواسب من حولها.
يمكن استخدام التقنية الجديدة لإعادة تحليل البيانات من الدراسات القديمة (غيتي)
إعادة فهم تاريخ الأرض
يقترح الباحثون أنه يمكن استخدام التقنية الجديدة لإعادة تحليل البيانات من الدراسات القديمة، وكذلك لاستنباط مزيد من التفاصيل من الرواسب المناسبة في البحث المستقبلي.
يقول بارهام "يسمح هذا النهج الجديد بفهم أكبر لطبيعة الجيولوجيا القديمة من أجل إعادة بناء ترتيب وحركة الصفائح التكتونية على الأرض عبر الزمن".