كيف يمكننا أن نتحسن في تمييز المعلومات المضللة من إجماع الخبراء الموثوق به؟ – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي
How can we get better at discerning misinformation from reliable expert consensus?
(Diane Nazaroff – بقلم: ديين نزاروف)
ملخص المقالة:
أظهرت دراسة أجريت في جامعة نيو ساوث ويلز للعلوم أنه يمكن تقليل الوهم عندما نقدم للناس معلومات حول كيفية استخدام المصادر الأصلية للأدلة للوصول إلى استنتاجاتهم. وكان الهدف من الدراسة هو فهم سبب تصديق الناس للمعلومات الخاطئة عند تكرارها. وكانت النتيجة انخفاضا في وهم توافق الآراء؛ حيث كان الناس مقتنعين أكثر بالإجماع الحقيقي من الإجماع الخاطىء. ولم يستبعد المشاركون في الدراسة الإجماع الخاطىء تماما، وهناك تفسيران محتملان على الأقل لهذا التأثير: أولهما هو أن مثل هذا التكرار يزيد ببساطة من معرفة الإدعاء – مما يعزز تمثيل ذاكرته، وهذا يكفي لزيادة الثقة؛ والثاني هو أن الناس قد يعملون استنتاجات عن سبب تكرار الإدعاء لأن المصدر يعتقد أنه الأكثر شهرة، أو أنه قدَّم الدليل الأقوى.
( المقالة )
إذا أخبرك المزيد من الناس أن هناك شيئا صحيحا، فستعتقد أنك تميل إلى تصديقه.
وليس وفقا لدراسة أجرتها جامعة ييل [جامعة أبحاث خاصة في مدينة نيو هاڤن بولاية كونيتيكت تأسست في عام 1701، وهي ثالث أقدم مؤسسة تعليمية في أمريكا] عام 2019 والتي وجدت أن الناس يصدقون مصدرا واحدا للمعلومات يتكرر عبر العديد من القنوات (‘إجماع خاطئ’)، بنفس السهولة التي يخبرهم بها العديد من الأشخاص بشيء يعتمد على العديد من المصادر الأصلية المستقلة (‘إجماع حقيقي’).
قدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ادعاءات كاذبة بتزوير الانتخابات على نطاق واسع خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وجد باحثو علم النفس في جامعة نيو ساوث ويلز الآن طريقة لعدم خداع الناس بما يسمى “الأخبار المزيفة” من مصدر واحد. المصدر: شترستوك (Shutterstock)
وقد أظهرت النتيجة كيف يمكن تعزيز المعلومات المضللة، وكان لها تداعيات على القرارات المهمة التي نتخذها بناء على المشورة التي نتلقاها من أماكن مثل الحكومات ووسائل الإعلام بشأن معلومات مثل التطعيمات أو ارتداء الأقنعة أثناء الجائحة أو حتى لمن نصوت له في الانتخابات.
وأبهرت نتيجة ‘وهم الإجماع’ لعام 2019 الدكتورة ساويرس كونور ديساي، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في كلية علم النفس بجامعة نيو ساوث ويلز للعلوم [جامعة عامة استرالية]، التي اختبرت النتيجة الوهمية ووجدت طريقة لعدم خداع الناس بما يسمى ‘الأخبار المزيفة’ من مصدر واحد. وقد نشرت دراسة فريقها في مجلة “الإدراك” (Cognition).
وتقول الدكتورة كونور ديساي: “وجدنا أنه يمكن تقليل الوهم عندما نقدم للناس معلومات حول كيفية استخدام المصادر الأصلية للأدلة للوصول إلى استنتاجاتهم”.
وتضيف إن النتيجة ذات صلة خاصة بأفضل ممارسات التواصل العلمي – على سبيل المثال كيف يقدم صانعو السياسات أو وسائل الإعلام للناس أدلة الخبراء العلمية أو بحث علمي. وعلى سبيل المثال، تكرر أكثر من 80 في المائة من مدونات إنكار تغير المناخ ادعاءاتٍ من شخص واحد يدعي أنه “خبير الدب القطبي”.
“قد يكون لديك موقف يتكرر فيه اقتراح صحي مضلل من خلال قنوات متعددة، الذي قد يؤثر على الناس للاعتماد على تلك المعلومات أكثر مما ينبغي عليهم فعله، لأنهم يعتقدون أن هناك أدلة على ذلك، أو يعتقدون أن هناك إجماعا”، تقول كونور ديساي.
وتتابع: “لكن نتائجنا تظهر أنه إذا تمكنت من أن تشرح للناس من أين تأتي معلوماتك، وكيف توصلت المصادر الأصلية إلى استنتاجاتها، التي تعزز قدرتها (أي المصادر) على تحديد ‘إجماع حقيقي’.
وتذكر أن نتيجة دراسة جامعة ييل كانت مفاجئة لها، “لأنها بدت اتهاما بقدرة الإنسان على التمييز بين الإجماع الحقيقي والإجماع الخاطئ”.
وتضيف: “أظهرت الدراسة الأصلية أن الناس سيئون بشكل روتيني في هذا. كانت هناك الكثير من المواقف التي لم يتمكنوا فيها أبدا أن يخبروا الفرق بين الإجماع الحقيقي والإجماع الخاطئ. إنها اشكالية لأنه إذا سمع الناس تصريحات كاذبة أو مضللة لشخص واحد تتكرر من خلال قنوات مختلفة، فقد يشعرون أن البيان أكثر صحة مما هو عليه”. وتقول إن مثالا على ذلك هو العديد من الخبراء المستقلين الذين يتفقون على أنه لا ينبغي استخدام الإيفرمكتين (Ivermectin) لعلاج كوفيد-19 (الإجماع الحقيقي)، مقابل مجموعة واحدة أو فرد يقول إنه يجب على الناس استخدامه كدواء مضاد للفيروسات (إجماع كاذب).
كيف أجريت الدراسة
كان الهدف من دراسة جامعة نيو ساوث ويلز هو فهم سبب تصديق الناس للمعلومات الخاطئة عند تكرارها. “كان هدفنا الرئيسي هو تحديد ما إذا كان أحد الأسباب التي تجعل الناس مقتنعين بنفس القدر بالإجماع الحقيقي والكاذب هو أنهم يفترضون أن المصادر المختلفة تشترك في البيانات أو المنهجيات”، تقول الدكتورة كونور ديساي. وتضيف: “هل يفهمون أنه من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الأدلة عندما يكون لديك العديد من الخبراء الذين يقولون الشيء نفسه؟”
وقد أجرى باحثو جامعة نيو ساوث ويلز عدة تجارب. وكررت التجربة الأولى دراسة جامعة ييل لعام 2019، والتي شهدت إعطاء المشاركين مجموعة متنوعة من المقالات حول سياسة ضريبية خيالية اتخذت مواقف إيجابية أو سلبية أو محايدة، ثم سألوا إلى أي مدى وافقوا على أن الاقتراح سيحسن الاقتصاد.
واستنسخت ‘وهم الإجماع’ حيث يقتنع الناس بنفس القدر بدليل واحد كما هو الحال مع العديد من الأدلة ولكنه أضاف شرطا جديدا حيث أخبروا الأشخاص الذين رأوا “إجماعا حقيقيا” أن المصادر استخدمت بيانات مختلفة وأساليب مختلفة للتوصل إلى استنتاجاتهم.
مثال على مشاركات تويتر المكونة المستخدمة في الدراسة.
وكانت النتيجة انخفاضا في وهم توافق الآراء؛ “كان الناس مقتنعين أكثر بالإجماع الحقيقي من الإجماع الخاطىء”. وفي تجربة أخرى، تم إعطاء 200 مشارك معلومات حول انتخابات في بلد ديمقراطي أجنبي خيالي.
وعرضت عليهم مشاركات خيالية على تويتر من وسائل الإعلام التي تقول أي المرشحين سيحصلون على المزيد من الأصوات في الانتخابات: حصل البعض على نفس استطلاعات الرأي أو استطلاعات الرأي المختلفة للتنبؤ بأن مرشحًا سيفوز، في حين قالت تغريدة أخرى إن منافسا مختلفا سيفوز.
ولكن في مشاركات تويتر الإجماعية الحقيقية، أعطوا الناس سيناريو كان من الواضح فيه أن المصادر الأولية المختلفة عملت باستقلالية واستخدمت بيانات مختلفة للوصول إلى استنتاجاتهم. “كنا نتوقع أن يكون الكثير من الناس أكثر دراية بمثل هذه الاستطلاعات ويدركون أن النظر إلى استطلاعات الرأي المختلفة المتعددة سيكون طريقة أفضل للتنبؤ بنتيجة الانتخابات من مجرد رؤية استطلاع واحد عدة مرات”، تقول الدكتورة كونور ديساي.
وبعد قراءة التغريدات، قيم المشاركون المرشح الذي سيفوز بناء على توقعات الاقتراع. ويقول البروفيسور بريت هايز، أستاذ علم النفس المعرفي بكلية علم النفس: “يبدو أن الناس كانوا أكثر اقتناعا بالإجماع الحقيقي من الإجماع الخاطئ عندما فهموا أن منظمي استطلاعات الرأي قد جمعوا الأدلة باستقلالية عن بعضهم البعض”.
ويضيف: “تشير نتائجنا إلى أن الناس يرون الادعاءات المؤيدة بمصادر متعددة أقوى عندما يعتقدون أن هذه المصادر مستقلة حقا عن بعضها البعض”.
وقام الباحثون في وقت لاحق بتكرار وتوسيع دراسة التغريدة مع 365 مشاركا إضافيا. “هذه المرة كان لدينا حالة حيث جاءت التغريدات من أشخاص فرديين أظهروا تأييدهم لاستطلاعات الرأي باستخدام الرموز التعبيرية”، تقول الدكتورة كونور ديساي.
وتتابع: “بغض النظر عما إذا كانت التغريدات جاءت من منافذ إخبارية، أو مغردين فرادى، كان الناس مقتنعين بالإجماع الحقيقي أكثر منه الخاطئ عندما كانت العلاقة بين المصادر خالية من الغموض”.
الإجماع الخاطىء غير مستبعد تماما
لكن الباحثين وجدوا أيضا أن المشاركين لم يستبعدوا تماما الإجماع الخاطئ. “هناك تفسيران محتملان على الأقل لهذا التأثير”، قالت الدكتورة كونور ديساي. وأضافت: “الأولهو أن مثل هذا التكرار يزيد ببساطة من معرفة الادعاء – مما يعزز تمثيل ذاكرته، وهذا يكفي لزيادة الثقة. الثاني هو أن الناس قد يعملون استنتاجات عن سبب تكرار الادعاء لأن المصدر يعتقد أنه الأكثر شهرة أو قدم الدليل الأقوى.
على سبيل المثال، إذا استشهدت جميع القنوات الإخبارية المختلفة بنفس الخبير، فقد تعتقد أنهم يستشهدون بنفس الشخص لأنهم (اي القنوات) الأكثر تأهيلا للحديث عن كل ما يتحدثون عنه”.
وتخطط الدكتورة كونور ديساي للنظر بعد ذلك في سبب كون بعض استراتيجيات الاتصال أكثر فعالية من غيرها، وما إذا كان تكرار المعلومات فعالا دائما. وتقول: “هل هناك نقطة يوجد فيها الكثير من الإجماع، ويصبح الناس مشبوهين؟”.
وتتساءل: “هل يمكنك تصحيح ‘إجماع كاذب’ بالإشارة إلى أنه من الأفضل في كثير من الأحيان الحصول على معلومات من مصادر مستقلة متعددة؟ هذه هي أنواع الاستراتيجيات التي نرغب في النظر فيها”.
*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:
https://phys.org/news/2022-02-discer...consensus.html
لمزيد من المعلومات:
- ساويرسي كونور ديساي وآخرون، Getting to the source of the illusion of consensus, Cognition (2022). DOI: 10.1016/j.cognition.2022.105023
- سامي يوسف وآخرون، The Illusion of Consensus: A Failure to Distinguish Between True and False Consensus, Psychological Science (2019). DOI: 10.1177/0956797619856844
المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي