هل تمازح أمك وتداعبها كلَّ يوم؟
من ذا لا يبر أمَّه التي ولدته؟ لنقل كلنا يفعل وإن تفاوتنا في مراتبِ البر، فهل فينا أصدقاء لأمهاتهم؟ يأنسون بتلك الصداقة ويأنسن - الأمَّهات - بها؟ أكاد أجزم أن القليل منا صديقٌ لأمه، يشاركها أحاديثَ الاصدقاء، يتكلم معها عن يومِ عمله، عن حياته، عن أمنياته، يسافر معها في السيَّارة، ويتبادل معها النكات والطرف الجميلة كما يتبادلها مع الأصدقاء الذين يحبهم ويفضلهم على غيرهم!
هموم الأمّ مثل الغيوم، يبددها أحاديثها الشيِّقة والممتعة مع الأبناء الذين يذكرونها بشبابها وسنواتِ نشاطها، فهل أنتَ من هؤلاء الأبناء الذين يُؤنسون أمهاتهم؟ أم صندوق مقفل على الأم، ومفتوح للأصدقاء الغرباء! ارفع الكلفةَ بأدب، اليومَ وكلَّ يوم، لا تنتظر، لاطفها ومازحها وآنسها، كل ذلك يبهجها ويسعدها.
في سنواتِ العمل الطويلة، وجدت واحدًا - فقط - من بينِ الأصدقاء تمنيتُ أن كنتُ مثله في صداقته لأمه. كان يقضي مع أمِّه أوقاتًا طويلة يحادثها ويضحكها، يهاتفها كلَّ صباح، يزورها كلَّ يوم، يسافر معها، يدللها كما تريد، ويشعرها بأنها تعيش في العشرين من عمرها بينما هي في الثمانين! كان هو كذاك سعيدًا جدًّا بتلك العلاقة مع أمِّه.
عندما بحثتُ في ما يُكتب عن علاقة الأمَّهات مع الأبناء تحت مادة ”دلال“، وجدتُ ما لا يُحصى من الدِّراسات والمقولات عن تدليل الأمَّهات للأبناء، بحيث تكون هي الفاعل الذي يدلل الأبناء، ولم أجد دراسةً أو مقولةً واحدة عن تدليل الأبناءِ للأمّ وكأنها خشبة يابسة لا تَرتجي ولا تنتظر دلالًا وعاطفةً من الأبناء!
أحيانًا كثيرة، يجول في خاطري سؤال لا أجد له جوابًا: أين يذهب الاستثمار في الأبناءِ والبنات، ندللهم وندلعهم، نحملهم على أكتافنا، ونُسكنهم في أحداقِ جفوننا، ثمَّ لا نرى عائدًا من ذلك الاستثمار؟! أين يذهب التَّدريب؟ أين يذهب التعب؟
”من سرَّ مؤمنًا فقد سرَّني ومن سرَّني فقد سرَّ الله“، الأم أدنى قرابةً من كلِّ المؤمنين ويسرها كثيرًا أن ترى من الأبناءِ رسالةً قصيرة، تسمع قصَّة طريفة، أو فقط لا شيء سوى تذكيرها بأنها امرأة جميلة. قال رجلٌ لرسول الله «صلى اللهُ عليهِ وآله»: جئتُ أبايعك على الهجرة، وتركتُ أبوي يبكيان، فقال له: ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما.