قراءة فلكية في بعض المصطلحات القرآنية
محمّد شوكت
وردت في القرآن الكريم آيات تشير إلى عظمة السماوات والأرض، وأنّ فيها من الآيات ما يزيد المرء إيماناً وإدراكاً لعظمة الخالق المبدع، حيث يقول سبحانه وتعالى في (سورة الجاثية الآية 3): (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ). وفي (سورة آل عمران الآية 190) يقول عزّ مَن قائل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ). وربّما كان إدراك وفهم أجدادنا لهذه الآيات أكثر منه لدينا الآن، فبسبب إضاءة المدن لم نعد نرى من السماء إلّا النزر اليسير. وبحكم هجرنا للسماء أصبحنا لا نعي معظم ما نراه، حتى وإن بدا لنا في ليلة ظلماء. وسنعرض تالياً بعض الظواهر الفلكية التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
سنبدأ رحلتنا من جارنا القمر، ويكاد يجمع معظم الناس أنّ الشمس تظهر نهاراً والقمر ليلاً، وهذا غير صحيح. فالقمر لا يظهر دائماً ليلاً، ففي كثير من الأحيان يمكن رؤية القمر في وضح النهار والشمس مشرقة؛ ولكن ساد هذا الاعتقاد لأنّ القمر يكون في الليل أوضح، ففي معظم الأحيان لا نكاد نلحظ القمر في النهار، على الرغم من وجوده وسهولة رؤيته نسبياً، وفي الحقيقة إنّ ما يحدّد موعد ظهور القمر هو طوره أو وجهه، فعندما يكون القمر بدراً (مكتمل الضياء كما نراه من الأرض)، فإنّه يشرق من جهة الشرق عند غروب الشمس، ويبقى ظاهراً في السماء طيلة الليل إلى أن يغرب في جهة الغرب عند شروق الشمس في اليوم التالي، وهذه هي الحالة الوحيدة التي لا يظهر القمر فيها إلّا ليلاً. أمّا عندما يكون في طور التربيع الأوّل (نصف بدر، نصف القمر الأيمن هو المضيء)، فإنّه يشرق عند منتصف الظهيرة ويبقى ظاهراً في السماء إلى أن يغرب عند منتصف الليل. أمّا في طور التربيع الثاني (نصف بدر، نصف القمر الأيسر هو المضيء)، فإنّه يشرق عند منتصف الليل ويبقى ظاهراً في السماء إلى أن يغرب وقت الظهيرة. وأمّا عندما يكون محاقاً (مظلماً أو غير مرئي)، فإنّه يشرق مع الشمس ويبقى بجانبها طيلة اليوم ويغيب معها تقريباً. أمّا الهلال، فإنّه يشرق بعد شروق الشمس بقليل ويبقى موجوداً في السماء طيلة اليوم إلى أن تغيب الشمس ليغيب هو بعدها بقليل، ولأنّ إضاءة الهلال ضعيفة في العادة، فإنّنا لا نلحظ وجوده إلّا بعد غروب الشمس.
ننتقل الآن للحديث عن الكواكب، فعطارد والزُّهرة والمريخ والمشتري وزُحل كلّها كواكب يُمكن رؤيتها بالعين المجردة بسهولة حتى من داخل المدن المضيئة. وقد تكون قد رأيت أحدها فعلاً لكنّك لا تعلم ذلك. ولكلّ كوكب من هذه الكواكب مواصفات معينة قد تجعلك تعرفه بمجرد رؤيتك له؛ ولكن بشكل عام يفضَّل أن تعلم الجهة والوقت المفضلين لرؤية كوكب ما.
فأمّا كوكب الزُّهرة فهو ألمع الأجرام السماوية على الإطلاق بعد الشمس والقمر، بل يمكن رؤيته بالعين المجردة في وضح النهار عندما يكون بعيداً عن الشمس؛ ولكن يجب أن نعرف موقعه تماماً حينئذ، والزُّهرة من شدة لمعانه فإنّه يلقي ظلاً للأشياء إذا تمّ رصده من مكان مظلم تماماً من دون وجود القمر. والزُّهرة بشكل عام لا يُرى إلّا في وقتين، الأوّل: في جهة الشرق قبل شروق الشمس، والثاني: في جهة الغرب بعد غروب الشمس، وفي العادة يشرق قبل أو يغرب بعد الشمس بحوالي 3 ساعات على أحسن تقدير، والمعدل هو نحو الساعة ونصف الساعة، وهذا يعني أنّه من المستحيل أن يُرى الزُّهرة في منطقتنا بعد الساعة العاشرة مساء مثلاً. وهو يبدو كنجم أبيض لامع جدّاً، مميزة عن سائر الأجرام الأخرى لشدّة لمعانه. وبشكل عام فإنّه يقضي 8 أشهر كوكب صباح (يُرى صباحاً في جهة الشرق) وبعدها 8 أشهر كوكب مساء (يُرى مساءً في جهة الغرب).
أمّا كوكب عُطارد فلا يختلف ظهوره كثيراً عن الزُّهرة، فهو أيضاً لا يظهر إلّا مساءً في جهة الغرب أو صباحاً في جهة الشرق، إلّا أنّه أقل لمعاناً من الزُّهرة بكثير، كما أنّ مدّة ظهوره أقل من الزُّهرة، فمن النادر أن يبقى أكثر من 90 دقيقة بعد الغروب أو قبل الشروق، ولذلك فإنّ رصده يحتاج إلى عناية نوعاً ما.
ويُسمّى كوكبا عُطارد والزُّهرة كواكب داخلية، لأنّها تقع بيننا وبين الشمس، وبالانتقال إلى الكواكب الخارجية، فنبدأ من أقربها إلى الأرض وهو المريخ، وهو جرم لامع أيضاً، ويبدو كنقطة برتقالية/ حمراء، وتختلف شدّة لمعانه حسب بُعده من الأرض، ويقترب المريخ من الأرض مرّة كلّ سنتين، يكون حينها المريخ مميّزاً ولافتاً للنظر، ولكن بعيداً عن هذه الفترة، فإنّه لا يكون مميزاً كثيراً عن غيره من الأجرام.
وبعد المريخ ننتقل للحديث عن كوكب المشتري عملاق المجموعة الشمسية، وهو ألمع الأجرام السماوية بعد الشمس والقمر والزُّهرة، ويبدو كنجمة بيضاء لامعة جدّاً، وبالنظر إليه من خلال تلسكوبات الهُواة الصغيرة، فإنّه يمكن رؤية العديد من الظواهر على سطحه.
وأخيراً نصل إلى كوكب زُحل ذي الحلقات الشهيرة، وهو كوكب لامع أيضاً ويبدو في العادة كنجمة ذهبية اللون، ويمكن رؤية حلقاته بسهولة باستخدام تلسكوب صغير.
أمّا كوكب أورانوس فإنّه لا يمكن رؤيته بالعين المجردة إلّا من مكان مظلم تماماً وبصعوبة بالغة، في حين أنّه لا يمكن رؤية كوكب نبتون إلّا باستخدام التلسكوبات أو المناظير.
وتجدر الإشارة إلى أنّه يمكن رؤية جميع الكواكب سالفة الذكر في أي وقت من السنة باستثناء فترة تمتد ما بين شهر وشهرين عندما يكون الكوكب بالقرب من الشمس.
بعد أن تعرفنا إلى كيفية مشاهدة القمر والكواكب، ننتقل إلى الحديث عن مجرة درب التبانة، والتي يمكن رؤيتها من مكان مظلم، وقد يبدو الموضوع غريباً للوهلة الأولى، فكيف نرى المجرة ونحن فيها؟ في الحقيقة هذا لا يختلف عن كوننا نرى جزءاً من الأرض ونحن عليها، فإنّ ما نراه من مجرة درب التبانة هو جزء منها، ولا يمكننا رؤيتها كاملة إلّا إذا انطلقنا خارجها. فمن مكان مظلم تبدو مجرة درب التبانة كسحابة بيضاء باهتة وكبيرة تقطع السماء على امتدادها، وما هذه السحابة إلّا ملايين النجوم الصغيرة والمتقاربة التي تبدو لنا على شكل ضبابة أو سحابة، وبمرور الوقت من الليل يمكننا ملاحظة تحرك المجرة من مكان إلى آخر في السماء بسبب دوران الأرض حول نفسها.
وإذا أمعنا النظر أكثر وحالفنا الوقت والمكان، فيمكننا رؤية مجرة المرأة المسلسلة بالعين المجردة كبقعة غبشاء صغيرة، وقد رآها أجدادنا العرب ووصفها الفلكي العظيم الصوفي بكتابه بأنّها لطخة سحابية. وتكاد تكون هذه المجرة أبعد جرم سماوي يمكن رؤيته بالعين المجردة، فهي تبُعد عنا 2.5 مليون سنة ضوئية. أي أنّ الضوء يحتاج إلى 2.5 مليون سنة حتى يصل إلينا من هذه المجرة.
وفي مكان آخر في السماء يمكننا أن نرى بالعين المجردة ما نظنه للوهلة الأولى أنّه نجم عادي، إلّا أنّه في الحقيقة عبارة عن سحابة من الغاز والغبار تتكون منها النجوم، تسمى سديم الجبّار. وفي موضع آخر يمكننا أن نرى بالعين المجردة ما يسميه الفلكيون عنقوداً كروياً، وهو عبارة عن تجمع هائل من النجوم يبلغ عددها نحو 300 ألف نجم، ويسمى العنقود الكروي العظيم أو عنقود هرقل. في الحقيقة لا تزال السماء مليئة بالعجائب والأجرام السماوية التي لا يملك الناظر إليها إلّا أن يُسبِّح الله إجلالاً لعظمته عزّوجلّ، فسبحان الله العلي القدير الذي خلق كلّ شيء فأحسن خلقه.
* رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة عضو جمعية الإمارات للفلك