2013-March -1
في بريطانيا... الحديث عن حرب العراق ممنوع
وليام هيغ يفجر أزمة مع اقتراب الذكرى العاشرة للإطاحة بصدام حسين
الآفاق المتاحة الآن للعراق أفضل بكثير من عهد صدام حسين رغم أعمال العنف
ايلاف
وجه وزير الخارجية البريطاني رسالة سرية إلى وزراء الحكومة يطلب منهم عدم التطرق إلى موضوع حرب العراق ما أثار غضب الوزراء الديمقراطيين الأحرار الذين يصرون على إلقاء كلمة في الذكرى العاشرة للإطاحة بنظام صدام حسين.
فجر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أزمة بين أطراف الائتلاف الحاكم بتوجيه رسالة داخلية إلى وزراء الحكومة يحثهم فيها على عدم التطرق إلى القضية المتعلقة بشرعية حرب العراق مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للغزو هذا الشهر.
وكشفت صحيفة الغارديان أن هيغ أبلغ الوزراء في رسالته السرية ألا ينجروا إلى مناقشة قضايا خلافية أوقعت بريطانيا في نزاع أدى إلى أنّقسامها سياسيًا وأسفر عن مقتل عشرات آلاف العراقيين ونحو 200 جندي بريطاني.
تجاهل هيغ
ولكن توجيهات هيغ أثارت غضب الوزراء الديمقراطيين الأحرار الذين يعتزمون تجاهل الرسالة. وكان المحافظون أيدوا بقوة قرار توني بلير المشاركة في غزو العراق عام 2003 ولكن الديمقراطيين الأحرار دأبوا على القول إن مسوغات الحرب ضعيفة ومفتعلة وان الغزو كان انتهاكا للقانون الدولي.
ومن المتوقع أن يلقي زعيم الديمقراطيين الأحرار ونائب رئيس الوزراء البريطاني نك كليغ كلمة عن العراق قبل الذكرى العاشرة لشنها في 19 آذار (مارس).
ونقلت صحيفة الغارديان عن رسالة هيغ أن على الوزراء أن ينتظروا نتائج لجنة التحقيق في الحرب برئاسة السر جون تشيلكوت التي تركز عملها خلال السنوات الثلاث الماضية على دور بريطانيا في غزو العراق ولكن من المستبعد ان تنشر تقريرها عن نتائج التحقيق قبل نهاية العام.
تكميم أفواه؟
وقالت وزارة الخارجية البريطانية إنها لا تستطيع التعليق على مراسلات وزارية داخلية ولكن مصادر حكومية أكدت تعميم الرسالة نافية في الوقت نفسها أنها تهدف إلى تكميم افواه الوزراء بشأن قضية سياسية ما زالت شديدة الحساسية مثل غزو العراق.
ونقلت صحيفة الغارديان عن مصدر قريب من هيغ "ان وزير الخارجية كتب إلى الزملاء يذكرهم بأن موقف الحكومة الائتلافية المتفق عليه هو الامتناع عن التعليق على القضية أو مسوغات الحرب إلى أنّ يقدم تشيلكوت تقريره".
وأضاف المصدر أن الأمر يتعلق بتمكين التحقيق من الوصول إلى نهايته والامتناع عن أي احكام مسبقة تصدرها الحكومة قبل ذلك. ولاحظ المصدر أن وزير الخارجية دعم بقوة فتح تحقيق بشأن دور بريطانيا في الحرب وبالتالي "سيكون من المثير للسخرية القول إنه يحاول تقييد أو خنق السجال أو النقاش بشأنها".
فشل
وقال زعيم الديمقراطيين السابق السر منزيس كامبل إن قيادة المحافظين كانت تبدو أحيانًا أشد تحمسًا للحرب من حكومة بلير العمالية نفسها. وتابع كامبل قائلا "ان 10 سنوات مرت على الأحداث الجسيمة التي أدت إلى تورطنا في العراق. وقد لا يكون مستغربا ان يحجم المحافظون عن مناقشة دورهم في ما يُعد بصفة عامة أكبر فشل في السياسة الخارجية منذ حرب السويس".
وأكد مسؤول رفيع في حزب الديمقراطيين الأحرار "ان من حق وليام هيغ ان يبدي رأيه بما ينبغي ان يُقال عن حرب العراق ولكنه لا يستطيع أن يفرضه على الديمقراطيين الأحرار".
حكم بشرعية الحرب
ومن المستبعد أن تخرج لجنة تشيلكوت بحكم قاطع على شرعية الحرب أو عدم شرعيتها حين تصدر تقريرها في مليون كلمة رغم ما تشير اليه رسالة هيغ التي تدعو إلى الانتظار حتى صدور التقرير ومعرفة نتيجة التحقيق.
وكان تشيلكوت وأعضاء لجنته أعربوا في رسالة إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن استيائهم من رفض الحكومة وضع وثائق محددة تحت تصرف اللجنة وخاصة ما يتعلق منها بالنقاشات التي دارت بين بلير والرئيس الاميركي جورج بوش عشية الحرب.
ومما اشار اليه تشيلكوت أن ادعاء بلير بأن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية أم آي 6 توصل "بلا أدنى ريب" إلى أنّ لدى صدام حسين اسلحة دمار شامل ادعاء "ما كان ليمكن اطلاقه استنادا إلى معلومات استخباراتية".
ما بعد صدام حسين
وبسبب السجالات المريرة حول شرعية الحرب وعدم اكتشاف أسلحة دمار شامل فان الاهتمام ينصب على ما حدث بعد اسقاط صدام حسين بدلا مما حدث قبل ذلك. وبالمفرادت العسكرية المحضة فان القوات الاميركية تساندها فرقة قتالية بريطانيا قوامها 10 آلاف جندي اسقطت في غضون 21 يوما حكم البعث. ولكن الانتصار في حملات كهذه كان دائما يشكل الجزء السهل من التدخلات الغربية في دول فاشلة.
وابتداء من تدخل الولايات المتحدة الأول في افغانستان بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) إلى تدخل فرنسا الأحدث عهدا في مالي ضد مقاتلي تنظيم القاعدة، كان مقاتلو الجماعات الاسلامية نادرا ما يبدون مقاومة تُذكر ضد قوات غربية حسنة التنظيم وتمتلك قوة نارية ساحقة.
وتنشأ التحديات الصعبة حقا بعد انتهاء القتال. ففي افغانستان انكفأ مقاتلو طالبان وراء الحدود واعادوا تجميع قواهم في باكستان. وفي العراق ما بعد صدام أسفر فشل الاميركيين الذريع في فرض النظام عن انزلاق البلد بسرعة إلى نزاع طائفي.
ولعل الفرنسيين حققوا نجاحًا مبكرًا في حملتتهم العسكرية في مالي ولكن الاسلاميين اثبتوا وجودهم بهجمات انتحارية ضد مواقع القوات الفرنسية والمالية. ورغم كل المناوشات مع المقاتلين الاسلاميين يؤكد القادة العسكريون الفرنسيون ان هذا لن يؤثر في استراتيجية الانسحاب الذي من المقرر ان يبدأ هذا الشهر.
وسنرى ما إذا كان الفرنسيون سيجدون رحيلهم عن مالي سهلا مثلما كان وصولهم اليها ولكن رغبتهم في تسريع المغادرة مدفوعة بالتصميم على عدم تكرار اخطاء الاميركيين في حرب العراق التي رفضت فرنسا المشاركة فيها.
من محررين إلى محتلين
وبقدر تعلق الأمر بالعراق لا يُنكر أن إدارة البلد بعد سقوط صدام مباشرة كانت كارثة على حد وصف صحيفة الديلي تلغراف مشيرة إلى أنّ قوات التحالف الدولي بتدخلها في شؤون العراق من خلال اجراءات خاطئة مثل اجتثاث البعث لم تعد موضع ترحيب وسرعان ما تحول المحررون إلى محتلين بنظر السكان الساخطين.
وتجاهلت ادارة بوش رغبات العراقيين على نحو صارخ عندما حاولت أن تملي أجندة المحافظين الجدد وما ترتب على ذلك من عواقب كارثية. ويُقدر أن 100 الف مدني عراقي قُتلوا وآلافا آخرين أُصيبوا بجروح خطيرة.
آفاق أفضل للعراق
ولم يُبعد العراق عن هاوية حرب أهلية شاملة إلا بالقوات الإضافية التي اقترح الجنرال الاميركي ديفيد بترايوس ارسالها في صيف 2007. ونجحت هذه القوات في اجهاض محاولات تنظيم القاعدة تحويل المناطق السنية إلى دولة اسلامية بمفهوم القاعدة وفي خفض العنف إلى مستويات يمكن التعاطي معها.
ورغم ان العراق ما زال يفقد سنويا 1500 من مواطنيه في اعمال عنف طائفية فان الآفاق المتاحة له الآن أفضل بكثير منها في عهد صدام، بحسب صحيفة الديلي تلغراف منوهة بأن العراق، رغم ما استعارته حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي من فساد نظام البعث ووحشيته، يمتلك دستورًا ينص على مبادئ ديمقراطية شاء المالكي أم أبى ويلزم الحكومة بحكم القانون.
ويمكن القول إن أكبر رصيد يملكه العراق هو اقتصاده النفطي الذي من المتوقع ان يحقق معدلات نمو لا تقل عن 10 في المئة سنويا خلال العقد المقبل شريطة ألا يعود إلى الصراعات الطائفية السابقة.