حميدة بنت صاعد البربري ، المشهورة بحمیدة المُصَفّاة وحمیدة البَربَریّة وحمیدة اُلأنْدُلُسیة ، هي زوجة الإمام الصادق وأُمُ الإمام الكاظم (عليهما السلام) ، وكانت جارية اشتراها الإمام الباقر(عليه السلام) لكي يزوجها لولده الإمام الصادق (عليه السلام) وكانت من فضليات نساء أهل البيت (عليهم السلام) والفقيهات التي كان الإمام الصادق (عليه السلام) يُرجع لها النساء في الفُتيا ، كان لها من الأولاد الإمام الكاظم وإسحاق وفاطمة . هي التي اختارت السيدة نجمة كي يتزوجها الإمام الكاظم (عليه السلام) لتلد الإمام من بعده ، وذلك بعد أن رأت النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) في رؤيا وأمرها بهذا التزويج . يقع قبرها في مشربة أم إبراهيم الواقعة في منطقة العوالي شرقي مقبرة البقيع ، ويوجد في جوارها قبر السيدة نجمة أُمُ الإمام الرضا (عليه السلام) .
وقد يسأل سائل لماذا أُمُ الإمام الكاظم (عليه السلام) من الجواري ؟
نجيبه ونقول له :-
أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد أوتوا العلم بحقائق الأمور ، ومنها العلم بأحوال الناس وخصوصياتهم ، ولمّا كان الأمر يتعلق بالإمامة فلا بد من اختيار الوعاء الطاهر والمناسب لأسباب خَلْقيّة وخُلُقيّة متوافقة مع الشروط التي يولد فيها الإمام (عليه السلام) ، فعلى سبيل المثال لو كان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مولود من أُم غير السيدة نرجس لما كان الإمام هيئته ضخمة وقويّة لدرجة أنّه لو صعد على الفرس لصارت رجلاه تخطّان الأرض ، مثل ما كان لعمّه العباس (عليه السلام) ، فهذا من أحد الأسباب التي لا يعرفها سوى الأئمة (عليهم السلام) . فوقوع اختيار الأئمة (عليهم السلام) على هؤلاء الجواري من دون سائر النساء لعلمهم (عليهم السلام) بأنهنَّ قد جمعنَ شرائط الاقتران بالمعصوم وصلاحيتهنَّ لإنجاب الإمام المعصوم ، ومما يؤيد هذا الوجه أن الإمام (عليه السلام) قد يختار واحدة بعينها من دون سائر الجواري اللاتي عرضْنَ للبيع ، وقد تكون غير صالحة - بحسب المعايير المادية - للبيع والشراء إلّا أن الإمام (عليه السلام) لا يختار غيرها ، الأمر الذي يؤكد على أنّ هناك تخطيطاً إلهياً متقناً لأن تكون هذه المرأة أُماً للمعصوم (عليه السلام) ، علماً بأنّ المرأة التي يقع اختيار الإمام (عليه السلام) عليها ليست من عامّة الناس بل من أشرف النساء وذات مكانة في قومها بالرغم من كونها جارية . كذلك نظرة الدّين إلى جميع الناس على أساسٍ من التساوي ونبذ الفوارق العرقيّة والنسبيّة ، وكما أنّ النبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ للأبيض والأسود على السواء ، فكذلك إمامة الأئمة (عليهم السلام) لكافة الناس ، وأنّ المعيار في التفاضل بين الناس هو ما يتحلّى به الإنسان من الإيمان والتقوى ومكتسباته الشخصية ، قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ - [سُّورَةُ الْحُجُرَاتِ : 13.]
بالإضافة إلى ذلك أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يعتقوهنّ ثمّ يتزوّجوهنّ بالعقد الدائم ، فمثلاً أُمّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) هي (شاه زنان) ، أعتقها أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوّجها للحسين (عليه السلام) . وجواري الأئمّة (عليهم السلام) لم ينكحهنّ أحد غير الإمام (عليه السلام) ، فهذه حميدة المصفّاة زوجة الإمام الصادق (عليه السلام) أُمّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) اشتراها الإمام (عليه السلام) وهي بكر رغم أنّها كانت جارية . ففي دلائل الإمامة للطبري - الصفحة (307) - الحديث (260) المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَغْرِبِ مَعَهُ رَقِيقٌ ، وَوَصَفَ لِي صِفَةَ جَارِيَةٍ مَعَهُ ، وَأَمَرَنِي بِابْتِيَاعِهَا بِصُرَّةٍ دَفَعَهَا إِلَيَّ . فَمَضَيْتُ إِلَى الرَّجُلِ ، فَعَرَضَ عَلَيَّ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الرَّقِيقِ ، فَقُلْتُ : بَقِيَ عِنْدَكَ غَيْرُ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : بَقِيَتْ جَارِيَةٌ عَلِيلَةٌ . فَقُلْتُ : اعْرِضْهَا عَلَيَّ . فَعَرَضَ حَمِيدَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : بِكُمْ تَبِيعُهَا ؟ فَقَالَ : بِسَبْعِينَ دِينَاراً . فَأَخْرَجْتُ الصُّرَّةَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ النَّخَّاسُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ! رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَدِ ابْتَاعَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِهَذِهِ الصُّرَّةِ بِعَيْنِهَا . فَتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ وَصِرْتُ بِهَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَسَأَلَهَا عَنِ اسْمِهَا ، فَقَالَتْ : حَمِيدَةُ . فَقَالَ : حَمِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا ، مَحْمُودَةٌ فِي الْآخِرَةِ . ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ خَبَرِهَا ، فَعَرَّفْتُهُ أَنَّهَا بِكْرٌ ، فَقَالَ لَهَا : أَنَّى يَكُونُ ذَلِكِ وَأَنْتِ جَارِيَةٌ كَبِيرَةٌ ؟! فَقَالَتْ : كَانَ مَوْلَايَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرُبَ مِنِّي أَتَاهُ رَجُلٌ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ فَيَمْنَعُهُ أَنْ لَا يَصِلَ إِلَيَّ . فَدَفَعَهَا أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَالَ : حَمِيدَةُ سَيِّدَةُ الْإِمَاءِ ، مُصَفَّاةٌ مِنَ الْأَرْجَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ مَا زَالَتِ الْأَمْلَاكُ تَحْرُسُهَا حَتَّى أُدِّيَتْ إِلَى كَرَامَةِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)» .
وكذلك الحال مع أُمّ الإمام الرضا (عليه السلام) ؛ فإنّها لمّا اشترتها حميدة أُمّ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) كانت بكراً ، ووهبتها إليه (عليه السلام) . فالنتيجة: إنّ أُمّهات الأئمّة من الجواري (لو فرضنا عدم عتقهنّ) لم ينكحهنّ أحد غير الإمام (عليه السلام) . وكذلك أُمّ القائم (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) تزوّجها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد أن أعتقها أبوه الإمام علي الهادي (عليه السلام) ، فكانت زوجةً له بعد أن كانت جارية . ففي (كمال الدين وإتمام النعمة - الصفحة (423) - الباب (41) - حديث (1) :- عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال : (يا كافور! اُدع لي أختي حكيمة) . فلمّا دخلت عليه قال لها : «هَا هِي» - يعني السيّدة نرجس - فاعتنقتها طويلاً وسُرّت بها كثيراً ، فقال (عليه السلام) لها : «يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَخْرِجِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وَعَلِّمِيهَا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ ؛ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأُمُّ الْقَائِمِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ)» .