عواطفنا وهوياتنا والعولمة
في زماننا الحاضر، عصر السرعة والعولمة، جيل تقنيات التواصل وتكنلوجيا التنقل، أمست العواطف والقيم كالوفاء والإخلاص في الحب، ثوابت الهوية ومرتكزاتها، باتت كلها معرضة للزعزعة أو الانهيار، وفي صورة أقل هي معرضة للتشويه، أو تحريفها، أو نزع مدلولاتها ومعانيها لتكون خالية الدسم، أي أسماء بلا معنى، وعناوين بلا واقع.
فقد أعطت العولمة للحب والكراهية زخماً متاحاً للاتجاهين المتضادين، ومساحة واسعة للحركة والنمو، اتجاه نحو الانفتاح، واتجاه نحو الانغلاق، كلاهما متاح، فمن أراد أن يخرج عن دائرته القبلية والطائفية والعرقية إلى رحاب الإنسانية الأوسع فيمكنه ذلك وبكل سهولة ويسر. ومن أراد العكس، الانغلاق على دائرته الضيقة سيجد عناوين كثيرة تساعده، مثل: تحفيز عناصر التمييز للذات، المحافظة على تراث الهوية الخاصة، إلخ. فالحب والكراهية ممكنان لمن أرادهما. ولهما آثار وتبعات نفسية واجتماعية مرئية وغير مرئية.
يقول المفكر اللبناني الدكتور علي حرب في زاوية الحب من الموضوع: سهولة الوصال، في عصر الاتصال، تحد من سطوة الغريزة وتخفف من جذوة الشوق، وسيولة المعطيات، في العالم الافتراضي، تحد من قدرة المرء على الضبط والتيقن أو التوقع والتحكم، بقدر ما تضفي على الأشياء طابعها المتغير والمؤقت أو العابر والزائل، وسرعة الانتقال والحراك والدوران، في الزمن الآني، تزعزع ثوابت الهوية ومرتكزات الإقامة، لكي تولد هشاشة البنى الاجتماعية والروابط العاطفية. وكل ذلك يُشعر المرء بفقدان البوصلة والثقة والسيادة، بقدر ما يُفضي إلى انهيار ما يحتاج إليه الحب من قيم الالتزام والوفاء والإخلاص، وهي معانٍ بتنا نفتقر إليها اليوم في مجال الروابط الإنسانية العامة.
لذا لم تعد تأثيرات العولمة والتكنلوجيا على حب وكره أهل الهويات المختلفة عنا مرتبطة بإرادتنا واختياراتنا فقط، بل بذات القدر، هي مرتبطة بحجم ارتباطنا بالعولمة والتكنلوجيا، فربما تعمل التكنلوجيا على محاولة عولمة هوية ما كالهوية الأمريكية فتأكل هويات صغيرة في طريقها. ولكنها قد تفشل في ابتلاع هويات كبيرة سادت عبر العصور حتى اليوم. بيد أن أهل الهويات، كبشر، كأفراد، من المؤكد تأثرهم، في الحب والكراهية، بهذه النسبة أو تلك، بأمواج العولمة وتقنيات التكنلوجيا المعاصرة. في المقطعين التاليين إفادة من زاويتين معتبرتين: سؤال الهوية والعولمة: