لم يكُ لدّي دموع في وقت اكتشافي لهذه السيمفونية الجنوبية الخالصة ، فلطالما عانيت من البكاء الجاف ، والذي ينزل معه عمري الفرهود الذي فرهدتهُ السنين بدل الدموع التي تخذلني دوما ، كنتُ وقتها أصارع ، وأرمي الحرمان بالحرمان حتى لاتصيبني سهامه التي نخرت روحي من الوريد إلى الوريد ، هذه السيمفونية الملحمة - الطرگاعة خلاصة لكلّ حزن الثكالى فهي لاتشبه الأغاني ولا المواويل ولا النواعي ولا الموسيقى ولا الصرخات ولا الآهات ولا المادري شنهو ، هي كتلة كاملة من الوجع الملموس وغير الملموس من الضياع والغربة والتيه ولا أمل ، هي هوية لحزننا منذُ آدم إلى داخل حسن ، لايمكن أن تمر مرور الكرام حينما تسمعها أو تعيشها ، فهي قادرة على أن تثلم روحك وتهشم قلبك ، لا أنصحُ بسماعها أبداً ففي داخلها سحر جنوبي مرعب يجعل من يسمعها مسحور بكلّ وجع الجنوب ودمعه وحزنه الأبدي مَنْ يخبرها لقد عدت إلى حزني القديم وبجدارة