الأنشطة البشرية تنشر «الكربون الأسود» في القارة القطبية الجنوبية
الانبعاثات المحلية من الكربون الأسود تزيد وتيرة ذوبان الجليد الموسمي في القارة الواقعة أقصى جنوب الكرة الأرضية
جليد أنتاركتيكا هو الأكثر نظافةً على وجه الأرض Credit: David Tipling/ Alamy Stock Photo
كشف باحثون عن دلائل مقلقة تشير إلى زيادة معدلات التلوث الناجم عن الكربون الأسود بالقرب من المواقع التي يرتادها السائحون والمنشآت البحثية في القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا"، ما قد يؤدي إلى زيادة مستويات ذوبان الثلوج في تلك المناطق.
وفي العقود الأخيرة، ارتفع الوجود البشري في القارة القطبية الجنوبية بشكل كبير، لكن تأثيرات انبعاثات الكربون الأسود في القارة المتجمدة لم تحظَ باهتمام كبير من العلماء، لذلك لم يتم تحديد كمية تلك الانبعاثات بعد.
لكن دراسة حديثة نشرتها دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) حذرت من أن الكربون الأسود يمكن أن يتسبب في تقلص كتلة الثلج (الثلج المتراكم فوق الأرض) بمقدار 23 ملليمترًا كل صيف في المناطق الأكثر تضررًا.
وينتج الكربون الأسود عن الاحتراق غير الكامل للوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، ويمتص ضوء الشمس ويدفئ الغلاف الجوي، وعندما يستقر الكربون الأسود على الثلج، تحبس الحرارة ويزداد الذوبان.
يشير "راؤول ريكاردو" -أستاذ علم المناخ والأرصاد الجوية بجامعة سانتياجو في تشيلي، والمتخصص في دراسة القطبين، والمؤلف المشارك في الدراسة- إلى أن "لون الثلج المحيط بمرافق البحث والمواقع التي يرتادها السائحون على الشاطئ في أنتاركتيكا أكثر دُكنةً من أي مكان آخر في القارة، مما يشير إلى أن الانبعاثات المحلية من السخام أو الكربون الأسود تسرع من ذوبان الجليد الموسمي في المناطق المحيطة المتأثرة".
يضيف "ريكاردو" في تصريحات لـ"للعلم": تُعد الدراسة واحدة من أولى عمليات الكشف عن تأثيرات الانبعاثات المحلية في القارة القطبية الجنوبية، وأظهرت نتائج الأبحاث السابقة أن المباني والبنية التحتية المرتبطة بمرافق أنتاركتيكا تحل محل الحياة البرية والغطاء النباتي.
قاس المؤلفون تركيزات الكربون الأسود في 155 عينة ثلج جمعوها في أربعة مواسم صيفية متتالية بإجمالي 28 موقعًا على امتداد 2000 كيلومتر شمالي أنتاركتيكا من "جزيرة الملك جورج" (62 درجة جنوبًا) إلى "جبال إلسورث" في القارة القطبية الجنوبية (معسكر الاتحاد الجليدي، 79 درجة جنوبًا)، وهي المنطقة الأكثر جذبًا لمواقع الأنشطة السياحية والبحثية، بالإضافة إلى عينات من المناطق النائية التي لم تشهد وجودًا بشريًّا، وأُخذت العينات في معظم المواقع في نهاية موسم الذوبان (أواخر الصيف)، ومعظمها في المواقع الساحلية حيث يكون الثلج رقيقًا وغير مكتمل.
يقدر المؤلفون أن متوسط عدد السياح الذين زاروا القارة القطبية الجنوبية خلال المواسم السياحية بين عامي 2016 و2020 يبلغ 53000 سائح سنويًّا، ويقترحون أن كمية الكربون الأسود المنسوبة إلى كل زائر قد تُسهم في ذوبان ما يقرب من 83 طنًّا من الثلج كل صيف.
يقول "ريكاردو": لقد أظهرنا الآن أن الأنشطة البشرية تعمل أيضًا على تعتيم المناطق المغطاة بالثلوج إلى حدٍّ كبير بجوار محطات البحث والمواقع السياحية الشهيرة على الشاطئ، في حين أنه أقل بكثير من تركيزات الكربون الأسود في المناطق النائية.
ويتابع: إن الجليد في أنتاركتيكا هو الأكثر نظافةً على وجه الأرض، لكن رغم ذلك فمن المحتمل أن تكون بصمة الكربون الأسود لأنشطة البحث والسياحة في القارة القطبية الجنوبية قد زادت مع زيادة الوجود البشري في القارة في العقود الأخيرة، كان هناك العديد من مشروعات البنية التحتية الجديدة في السنوات الأخيرة، وتطورت بعض مرافق البحث إلى محاور لوجستية.
ويؤكد "ريكاردو" أن "هناك حاجة إلى إيجاد آليات للتخفيف من آثار الكربون الأسود، والحد من النشاط السياحي ومواصلة الضغط من أجل انتقال أسرع إلى الوقود النظيف والسفن التي تعمل بالكهرباء، كما أن هناك حاجةً ماسةً إلى اعتماد معايير كفاءة الطاقة ومحطات الطاقة المتجددة على نطاق واسع؛ للحد من بصمة الكربون الأسود للمرافق البحثية في القارة القطبية الجنوبية"، وفق قوله.