ماذا شغلَ بالَ الإمام الصَّادق قبل موته وماذا يشغل بالنا؟
مفاتيح صندوقِ المال، العيال والمؤسسة في العادة أمورٌ تشغل بالَ من يحتضر، وإن كان من الأخيارِ زادَ في ذلك بعضًا من وصايا قضاء الصَّلاة والصَّوم والدَّين والحجّ والصَّدقات، وهكذا من أمور. فماذا شغل بالَ الإمام جعفر الصَّادق عليه السَّلام ساعةَ موته؟
على رواية أن الإمام الصَّادق عليه السَّلام توفي في مثلِ هذا اليوم، الخامس عشر من شهرِ رجب سنة ١٤٨ هجرية، أمرانِ شغلا باله جدًّا ساعةَ وفاته:
الأول: أمرَ أن يجمعوا له كلَّ من بينه وبينهم قرابة، وبعد أن اجتمعوا عنده فتحَ عينيه في وجوههم فقال مخاطبًا إياهم: إن شفاعتنا لا تنال مستخفًّا بالصَّلاة.
الثاني: أمرَ أيضًا وهو بتلك الحال لكلّ واحدٍ من ذوي رحمه بصلة، وللحسنِ الأفطس بسبعينَ دينارًا، فقالت له مولاته سالمة: أتعطي رجلًا حملَ عليك بالشَّفرة يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين ألاّ أكون من الذين قالَ اللهُ عزَّ وجلّ فيهم: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}؟ نعم يا سالمة إن اللهَ خلقَ الجنّة فطيَّبَ ريحها، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرةِ ألفي عام، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم.
لا أحد يستطيع أن يفلسفَ هاتين الوصيتين أفضل مما فلسفهما الإمامُ الصَّادق عليه السَّلام، وكأنه يعيش بيننا اليوم. لم يقل صلوا فنحن نصلي! بل قال: اجعلوا لصلاتِكم قيمة واعتنوا بها. أنتم تقفونَ أمام ملكوتِ العزِّ والسّلطان، توقوا إلى الرَّاحة من الدّنيا والتأمل في الملكِ والمالك في ذلك الوقوف! ثمَّ وقت الصَّلاة أهم من وقت السوق والتصفح والمغريات وقد وردَ عن رسولِ الله (صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلَّم): لا يزال الشيطان ذعرًا من المؤمنِ ما حافظَ على الصَّلواتِ الخمسِ لوقتهنّ فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم.
وأما صلة الرَّحم فلكم الحكمُ فيها وعليها! كيف نحن بصلة ذوي الحقوق أمثال الأب والأمّ والأقرباء؟ طوبى لكم وبشرى إن كنتم متصالحينَ في كلِّ هذه العلاقات. جاءَ عن رسولِ الله (صلى الله عليهِ وآله وسلَّم) مرغبًّا في صلةِ الرَّحم: صلة الرَّحم تعمر الدِّيارَ وتزيد في الأعمار، وإن كان أهلها غير أخيار.