كلامكم نور: الإمام الباقر (ع)
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، «أي يفجره تفجيراً» فإذا رأيته فاقرأه مني السلام
في ذكرى ميلاد الإمام الباقر حري بنا أن نقرأ سيرته العطرة ونقتبس منها أروع الدروس والعبر، حيث أن سيرته هي سيرة العلم والعلماء، وهي سيرة الفقه والفقهاء وهي سيرة الأخلاق الفاضلة.
كما ينبغي أن نتأمل في كلماته النيرة ووصاياه الخالدة لتكون لنا طريق هدى، ونور يضيء لنا تلك الظلمات.
وفي هذا المقال أقف معكم وقفة قصيرة حول بعض الكلمات:
دعوة علمية
قال الإمام الباقر : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد
يبين الإمام فضل العالم على العابد، ذلك لأن العلم الحقيقي هو الذي يجعل الإنسان عارفاً بحقيقة العبادة، وفلسفتها فيؤدي عبادته على علم ومعرفة. إضافة إلى أن العالم يعرف حقائق الأمور والشبهات فيتخذ الموقف الصحيح تجاه أي حدث وأي شبهة.
ولذا ورد عن الإمام الباقر حثه على طلب العلم والتفقه في الدين فقال: ”الكمال كل الكمال التفقه في الدين“.
ودعا الإمام الباقر لنشر العلم في الأوساط الاجتماعية: ”من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا..“] فلا تجعل العلم يقف عند حدود ذاتك بل دعه ينتشر في ربوع مجتمعك، ليكون علمك حياة للمجتمع، وفكرك هادياً للرشاد.
المجتمع المتماسك
في كلمة جميلة يحدد لنا الإمام الباقر صفات الشيعة فيقول: ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا امناء عشائرهم في الأشياء.
إنها مجموعات أخلاقيات من شأنها بناء المجتمع الصالح، المتماسك، الذي يحب بعضه بعضًا، فيكون نموذجاً يحتدى به، ويكون أفراده بتمسكهم بهذه الأخلاقيات مضرباً للمثل في الالتزام الديني والاخلاقي.
الكسل والضجر
قال الإمام الباقر : إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر على حق.
يعد الكسل والضجر من أسوء الحالات التي يمر بها الإنسان.
حين يصاب الإنسان بالملل والضيق والسأم فإنه يفقد فاعليته، ويعيش حالة من الركود، ويعيش فراغاً سلبياً يستنزف طاقته وحيويته.
وللكسل صور متعددة فقد يكون كسلاً في العبادة، أو كسل فكري، أو كسل اجتماعي. ومهما تعددت الصور إلا أن النتيجة واحدة وهي الفشل وقتل روح العمل والانتاج. وكما ورد عن الإمام الباقر: الكسل يضر بالدين والدنيا
احذر عقوبة الله
قال الإمام الباقر : إن لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضنك في المعيشة ووهن في العبادة. وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب
ما أشدها من عقوبة عندما يمرض القلب ويصاب بالقسوة، فلا يتذوق الدعاء ولا يلتذ بقراءة القرآن ولا يهتم بالنافلة وإذا سمع الموعظة ينفر منها كأنها لا تعنيه ولا ترتبط به.
إن سبب قسوة القلب يكمن في الاعراض عن ذكر الله وممارسة الموبقات والذنوب، يقول ربنا: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ طه/124
ولذا فإنه حري بالإنسان أن يحيي قلبه بالموعظة وبالاستغفار والمحاسبة وحضور مجالس الذكر وغيرها.
بناء الصداقة
إن الصداقة القائمة على أسس مبدئية فإنها تؤتي ثمارها وتكون منطلقاً للنجاح في العلاقات الاجتماعية، ولذا نجد دعوة الإمام الباقر بضرورة تكوين هذه العلاقات فيقول عليه السلام: «من استفاد أخاً في الله على إيمان بالله ووفاء بأخائه طلباً لمرضاة الله، فقد استفاد شعاعاً من نور الله، وأماناً من عذاب الله، وحجّة يفلج بها يوم القيامة، وعزّاً باقياً وذكراً نامياً، لأنّ المؤمن من الله عزّ وجلّ لا موصول ولا مفصول»
ولكي تستمر هذه العلاقة أوصى عليه السلام بالبشر وطلاقة الوجه، كأحد مقومات حسن العشرة، فقال عليه السلام: «البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبّة وقربة من الله، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله».
كما أن هناك صداقات عميقة بتاريخها وقائمة على أسس إسلامية رصينة أطلق عليها الإمام الباقر عليه السلام بالقرابة حيث قال: «صحبة عشرين سنة قرابة». ولذلك ينبغي التمسك بهذه الصداقة والمحافظة عليها