قصة الملك فطرس مع الامام الحسين عليهما السلام
روي أنّ فطرساً عليه السلام كان من الحمَلة، وبعثه الله (عزّ وجل) في أمر فأبطأ، فخيّره الجبّار تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختار الأول [1] فكسر جناحه وألقاه في جزيرة في البحر، فعبد الله (تبارك وتعالى) فيها خمسمائة وقيل سبعمائة عام، حتى ولد الحسين بن علي عليه السلام
فأمر الله (عزّ وجل) جبرئيل أن يهبط في ألف من الملائكة ليهنئ رسول الله(وآلـﷺـه) من الله ومن جبرئيل.
فهبط جبرئيل فمرّ على جزيرة في البحر فيها الملك فطرس فقال الملك لجبرئيل: يا جبرئيل اين تريد؟
قال: إن الله (عزّ وجل) أنعم على محمد (وآلـﷺـه) بنعمة فبُعثت أهنئه من الله ومني.
فقال: يا جبرئيل، يا جبرئيل قد مكثت في هذه الجزيرة سبعمائة سنة وقد ضاق صدري وعيل صبري أريد أن تحملني معك إليه لعل محمداً(وآلـﷺـه) يدعو لي بالعافية ويشفع لي عند الله تعالى.
قال: فحمله معه على طرف جناحه حتى دخل به على النبي(وآلـﷺـه) فهناه جبرئيل من الله تعالى وأخبره بحال الملك فطرس
فقال النبي (وآلـﷺـه) «يا جبرئيل، قل له يقوم ويمسح جناحه بهذا المولود وعد إلي».
قال: فقام الملك ومسح جناحه المكسور بالحسين عليه السلام فعوفي من ساعته وصار كما كان.
وفي رواية أن رسول الله (وآلـﷺـه) دعا له فتقبّل الله ما أقسم به عليه وغفر له.
فقال الملك فطرس: يا رسول الله، أعلم أن أمّتك تقتل ولدك هذا ـ يعني الحسين عليه السلام وله عليّ مكافأة ـيا محمد ـ لا يزوره زائرٌ إلاّ بلّغته الزيارة، ولا يسلّم عليه مسلم إلاّ بلّغته السلام، ولا يصلّي عليه مصلٍّ إلا بلّغته الصلاة، ثم ارتفع طائراً إلى السماء.
ومنذ ذلك الحين صارت وظيفة فطرس إبلاغ الإمام الحسين (عليه السلام) السّلام من المؤمنين المسلمين عليه.
ويسمّى (عتيق الحسين) وأيضاً صلصائيل كما في بعض الأخبار.
ألقابه
عتيق الحسين (عليه السلام)
ورد في بعض الأخبار تسمية فطرس باسم عتيق الحسين [2] وذلك لما حصل عليه من الشفاء ببركة الإمام ﻋليه السلام، ولعل ذلك أيضاً مأخوذ من قوله: «من مثلي وأنا عتيق الحسين وأبوه علي بن بي طالب وأمّه فاطمة وجدّه رسول الله (وآلـﷺـه)».[3]
وفي رواية ابن عباس أنه يسمى مولى الحسين.[4]
صلصائيل
في بعض الروايات يسمى أيضاً صلصائيل [5]
وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه و آله هذا اللقب في دعائه له، قال:
اللهم إني أسألك بحق ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته، وتجبر كسر جناحه، وترده إلى مقامه مع الملائكة المقربين، اللهم إني أسألك بحق ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته، وتجبر كسر جناحه، وترده إلى مقامه مع الملائكة المقربين» [6].
فطرس في الدعاء
ورد اسم فطرس في أدعية شهر شعبان، في دعاء اليوم الثالث منه، وهو يوم مولد الإمام الحسين عليه السلام :
«اللّهُمَّ وَهَبْ لَنَا في هَذَا اليَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ وَأَنْجِحْ لَنَا فِيهِ كُلَّ طَلِبَةٍ كَمَا وَهَبْتَ الُحسَيْنِ لِمُحَمّدٍ جَدِّهِ وعَاذَ فُطْرُسَ بِمَهْدِهِ فَنَحْنُ عَائِذُونَ بِقَبْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ وَ نَنْتَظِرُ أَوْبَتَهُ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِين».[7]
إشكال وجواب
قد يقال:
هل يمكن للملك أن يخالف ويعصي الله تعالى؟
إذا لم يكن ما صدر عن هذا الملَك معصيةً فكيف صحَّت معاقبته، أليس من الظلم ان يُعاقب المكلَّف دون أن يرتكب معصية؟
والجواب عن هذا:
لا ريب عندنا نحن الامامية في عصمة الملائكة لقوله تعالى يصف الملائكة:
{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [8] لا ان ما صدر عن فطرس الملَك لم يكن سوى الإبطاء عن امتثال الأمر الإلهي بحسب المقدار الثابت من الروايات، والإبطاء ليس معصية حتى منافياً للعصمة، نعم الإبطاء في مقام الامتثال منافٍ لما هو الأولى، فكان ينبغي لفطرس المسارعة في الامتثال.
إلا انَّ عدم التزامه بما هو الأولى لا ينافي العصمة، إذ من المقطوع به انَّ مخالفة الأولى يمكن صدوره من المعصوم، فقد يترك المعصوم ما هو مستحب في حالاتٍ نادرة، وقد أفاد القرآن الكريم انَّ المخالفة للأولى قد صدرت عن بعض الأنبياء كنبيِّ الله آدم عليه السلام ونبيِّ الله يونس عليه السلام.
وقد يقال:
إذا لم يكن الإبطاء معصيةً فلماذا عُوقب بكسر جناحه؟
وجوابه:
أن كسر الجناح ليس بمعنى تهشيمه أو إعطابه، فإن ذلك من شئون الجناح المادي والحال انَّ الملائكة من المجردات، فالتعبير بالكسر إنما هو لتقريب المعنى للذهن، فمعنى انه تعالى كسر جناحه هو انه سلبه القدرة على التحليق، وذلك ليس من العقوبة التي هي جزاءٌ على الذنب حتى يقال انَّه ظلمٌ لانه لم يرتكب ذنباً، فالتحليق منحة إلهية أعطاها الله تعالى للملَك ثم سلبها منه لمخالفته الأولى، فلم يكن مستحقاً على الله انْ يهبه القدرة على التحليق حتى يكون سلبه إياها دون ذنب عقوبةً على غير استحقاق وإنما كانت منحةً ابتدائية منحها إياه ثم اقتضت حكمته البالغة ان يسلبها منه لمخالفته للأولى. وهذا هو شان الله تعالى في عباده، فقد يمنح أحداً من الناس رزقاً وافراً ثم يسلبه منه لأنه لم يتصدق مثلاً صدقة مستحبة.
فطرس في الشعر
علي بن حماد العبدي أحد شعراء أهل البيت (عليهم السلام) في القرن الرابع الهجري، ذكر فطرس في قصيدة له يرثي بها الإمام الحسين عليه السلام [9]:
فيكَ من كان جبرئيل يناغيــه ..
وميكال بالحباء صغيرا
فيك من لاذ فطـرس فترقّـى ..
بجناحـي رضاً وكـان حسـيرا
ملاحظة
الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في قضية فطرس المَلَك مستفيضة، وهذا يوجب الاطمئنان في الجملة، لكن لا يمكن القول بصحّة التفاصيل التي تختصّ بها كلُّ رواية من الروايات الناقلة لها إلاّ أنَّ المضامين المشتركة بينها هي المصحح للوثوق بأصل الحادثة.
وهناك مجموعة من القرائن يمكن من خلالها تقوية الرواية أيضاً ومنها: أنّ الرواية وردت في كتبنا المعتبرة كبصائر الدرجات وكامل الزيارات وأمالي الصدوق بأسانيد مختلفة متعددة، وورد ذكر الملك واستعاذته بالحسين في كتب الأدعية ومنها: مصباح المتهجد وإقبال الأعمال.
༺༺༺༺༻༻༻༻
الهوامش
1.ابن إدريس الحلي، مستطرفات السرائر ص 115 حديث 44 مستطرفات جامع البزنطي، وضامن بن شد قم، تحفة الأزهار ج 2 ص 32.
2. المسعودي، إثبات الوصية، ص 164؛ الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، ص 190؛ الطبري الإمامي، نوادر المعجزات، ص 60.
3. ضامن بن شدقم، تحفة الأزهار، ج 2، ص 32.
4. ضامن بن شدقم، تحفة الأزهار، ج 2، ص 32.
5. الخصيبي، الهداية الكبرى ص 441.
6. المجلسي، بحار الأنوار ج 43 ص 259 ذيل حديث 47.
7. الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد ص 827؛ ابن طاووس، إقبال الأعمال ص 305.
8. سورة التحريم، الآية 6.
9. العلامة الأميني، الغدير الغدير، ج 7 ص 263.
منقول بتصرف....