مصدر الصورة: parentmap.com
السعي وراء الكمالية قد يضر حتى بأعلى الطلاب موهبةً (ولكن يمكن للمدارس أن تحدث فرقًا) – ترجمة عدنان أحمد الحاجي
Perfectionism can harm even the most talented student – but schools can make a difference
(بقلم : أندرو هل – Andrew P. Hill)
بحسب الظروف السائدة، السعي إلى الكمالية (1) قد يؤدي إلى أداء أفضل في المدرسة أو في العمل. أو قد يجعل الأداء أسوأ. ولكن من المرجح أن تفوق الأمور المتعلقة بالرفاهية أي مكاسب أدائية محققة (2). هناك علاقة بين السعي وراء الكمالية والإرهاق (burnout) (انظر 3، 4) والاكتئاب (5)، على سبيل المثال. [المترجم: الرفاهية (wellbeing) هي حالة كون المرء مرتاحًا وسليمًا من الأمراض وسعيدًا].

هناك أدلة متضافرة على هذه الأنواع من الآثار السلبية في وضعيات وبيئات متعددة، بما فيها أوساط الشباب الذين يُعتبر سعيهم وراء الكمالية عاملاً من عوامل ضعف الصحة العقلية (6). بيد أنه يمكن للتدابير والاجراءات العملية – كالحصص التثقيفية في المدرسة – أن تحدث فرقًا.
السعي وراء الكمالية هي سمة شخصية تنطوي علي النزعة لأن يضع المرء لنفسه معايير عالية غير واقعية أن يكون مدققًا مفرطًا في الأشياء. وقد يؤدي إلى مزيج معقد من الرغبة في إثبات المرء لكفاءته والخوف من التقصير، وبالتالي الشعور بالقلق والهم والشك المتواتر.
هناك بعض الدراسات الحديثة التي تبين بجلاء مدى قابلية الشباب للتأثر بالسعي وراء الكمالية. على سبيل المثال ، إحدى الدراسات (7) التي قادها أحد طلاب الدكتوراه في مجموعتي البحثية، نظرت في العلاقة بين السعي وراء الكمالية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وجدت الدراسة التي أُجريت على 135 فتاة مراهقة أن المراهقات اللائي كن أكثر احتمالًا للإبلاغ عن أعراض اكتئاب حين يقارنَّ مظهرهن بمظاهر آخرين هنّ ممن يفدن عن مستويات عالية من نوع السعي وراء “الكمالية التي تنطوي على النقد الذاتي (نقد الشخص لنفسه، 8، 9)”.

مصدر الصورة: verywellfamily.com
أجرت مجموعتنا البحثية أيضًا مراجعة (استعراض) كبيرة للبحوث الأكاديمية الي أجريت في السعي وراء الكمالية في أوساط الطلاب الموهوبين أكاديميًا (10). أفادت هذه المراجعة أيضًا عن الأساليب المختلفة التي يمكن أن يؤثر بها السعي وراء الكمالية في الطلاب.
بالاستفادة من 36 دراسة في هذا المجال، وجدنا أن الشكوك وبواعث القلق والمخاوف المميزة للكمالية يمكن أن تؤثر في أكثر الطلاب موهبةً.
من المثير للدهشة أن دراسة واحدة من هذه الدراسات فقط اختبرت طرقًا عملية للتصدي لمسألة السعي وراء الكمالية (10). كانت النتائج واعدة، رغم ذلك. كان هناك بعض الأدلة على أن سلسلة من الدروس التثقيفية التي تركز على التغلب على الضغوط والتوقعات والجوانب غير الصحية للسعي وراء الكمالية يمكن أن تساعد الطلاب.
دافعنا وراء تناولنا هذه الدراسة كان بسبب قلة البحوث في هذا المجال والاعتقاد بأن المعلمين والمدارس يمكن أن يلعبوا دورًا رئيسًا في الوقاية من الصعوبات المتأتية من السعي وراء الكمالية قبل بروزها. لقد اكتشفنا ما يمكن القيام به في الصف الدراسي لدعم الطلاب الذين لديهم نزعة السعي وراء الكمالية.
مقاربات عملية
بالعمل مع جمعية التعليم الخيرية، الجمعية الوطنية للأطفال المقتدرين [الموهوبين (able children) وهم الذين يتراوح معدل ذكائهم ما بين 130 و 140، بحسب 12] في التعليم (NACE) ، قمت أنا وزملائي بتنظيم الموارد لمساعدة المدارس على الاستجابة لهذا المجال من الاهتمام وتقديم اقتراحات عملية للشباب والمعلمين وأولياء الأمور.
أحد مواردنا هو درس تثقيفي بسيط في الصفوف الدراسية مصمم لزيادة المستوى “الثقافي” عن السعي وراء الكمالية. كان هدفنا من إنشاء هذا المنهل هو مساعدة الشباب على التعرف على خصائص السعي وراء الكمالية، وزيادة معرفتهم بالمساعدة المتاحة لهم، وزيادة استعدادهم لطلب المساعدة إذا لزمهم ذلك.
يوفر الدرس التثقيفي معلومات عن السعي وراء الكمالية ويتضمن نشاطًا يركز على الفرق بين السعي وراء الكمالية والإتقان في العمل.
الغرض من هذه المهمة هو التأكيد على أنه في كثير من الأحيان الجيد هو جيد بما فيه الكفاية. السعي لتحقيق الكمال أمر غير ضروري وغير واقعي، وعمل المرء الجاد وبذل قصارى جهده ليس مختلفًا عن هدفه في تحقيق الكمال فقط ، بل أيضًا يعد هدفًا أفضل ومجزٍ بشكل أكثر.
نشاط آخر يثقف الشباب عن “أشكال السعي وراء” الكمالية المختلفة (13). هذه المقارنة تلفت الانتباه إلى كيف يكون السعي وراء اللكمالية أشكالًا مختلفة وكيف يمكن أن ينطوي على آراء الآخرين في المرء وكيف ينظر إليه الآخرون.
نحن نتظر إلى السعي وراء الكمالية من منظور شخصي – وضع المرء معايير غير واقعية لنفسه، على سبيل المثال. بيد أنه، يمكن أن يشمل السعي إلى الكمالية أيضًا الآخرين (13)، أو توقع السعي إلى الكمال من الآخرين أو الاعتقاد بأن الآخرين يتوقعون من الشخص أن يكون كاملًا.
هذا يعني أن الكمالية لا تؤثر فقط في رفاهية (انظر أعلاه للتعريف) المرء بل يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير سلبي في علاقاته مع الآخرين.
قمنا مؤخرًا بتجربة المواد الدراسية للتثقيف الطلاب عن السعي وراء الكمالية في مدرسة ثانوية واحدة. قام أحد المدرسين المدَربين مسبقًا بتوجيه الطلاب مستخدمًا المواد التثقيفية.
تقييمنا للدرس أثبت أنه كان له تأثير إيجابي في الطلاب. بعد الدرس، أفاد الطلاب أن لديهم معرفة أكبر عن السعي وراء الكمالية وأدركوا بشكل أفضل أهمية طلب الدعم إذا لزمهم ذلك.
من المهم أيضًا أن يأخذ المعلمون في الاعتبار المستوى الذي قد تؤدي فيه التدريبات الحالية في صفوفهم الدراسية (15) بشكل غير مقصود إلى تشجيع النزعة إلى السعي وراء الكمالية لدى طلابهم ، لا إلى الحد منها.
التوقعات غير الواقعية والنقد المتكرر أو المفرط والقلق من ارتكاب الأخطاء والاستخدام لقانون المكافآت والعقوبات [الجزاءت التي تستخدمها المدارس للحد من سلوكيات الطلاب السلبية، اقرأ أنواع من هذه العقوبات في 16] في المدارس العامة قد تؤدي إلى تعزيز السعي وراء الكمالية لدى الطلاب. على الرغم من أن هذا مجال جديد للبحث وممارسة التدريس، إلا أننا نعتقد أنه مهم للتغييرات الإيجابية على المدى الطويل.
يحتاج المعلمون وأولياء الأمور إلى أن يكونوا قادرين على التعرف على الانخراط في سلوكيات السعي إلى الكمالية والصعوبات التي قد يواجهها الأطفال والشباب نتيجة لذلك. في المدارس ، تعد زيادة المعرفة في أوساط المدرسين بالكمالية طريقة مفيدة لدعم رفاهية (wellbeing) الطلاب.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- “الكمالية في علم النفس هي سمة شخصية تتسم باهتمام الشخص لأن يبذل حهده لبلوغ الكمال ووضع معايير عالية جدًا للأداء، يصحبها تقييمات نقدية مبالغ فيها للذات ومخاوف من تقييمات الغير لهم. وأفضل تصور لها هو أنها صفة متعددة الأبعاد والمستويات، حيث اتفق علماء النفس على اشتمالها على العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية. وفي جانبها السيئ، يدفع السعي وراء الكمالية المرء للوصول إلى المثالية غير القابلة للتحقق، وقد تدفعه كماليته في بعض الأحيان إلى الوصول لأهدافه. وفي النهاية، يستمد الشعور بالسعادة من هذا الفعل. وعندما لا يستطيع الكمالي بلوغ أهدافه، كثيرًا ما تصيبه الكآبة. يجتهد الكمالي بشكل يكاد يكون إلزاميًا ومتواصلاً نحو تحقيق أهداف بعيدة المنال، ويقدر قيمة نفسه بناءً على إنتاجيته وإنجازه. الضغط على النفس لتحقيق أهداف غير واقعية يهيئ الفرد حتمًا للشعور بخيبة أمل. ويميل الكمالي إلى انتقاد نفسه بقسوة عند الفشل في تحقيق المعايير التي وضعها لنفسه. هناك نوعان من الكماليين: منشد الكمال الطبيعي مقابل العصابي. هامشيك (Hamachek) كان من أوائل علماء النفس الذين أثبتوا وجود هذين النوعين المختلفين من الكمالية، حيث صنّف الأشخاص إمّا أنهم منشدو كمال طبيعيون أو منشدو كمال عصابيون. يسعى منشدو الكمال الطبيعيون إلى تحقيق الكمال دون التقليل من احترامهم لذواتهم، كما يستمدون الشعور بالسعادة من المجهود الذي يبذلونه. ويجتهد منشدو الكمال العصابيون لبلوغ أهداف غير واقعية ويشعرون باستمرار بعدم الرضا عندما لا ينجحون في تحقيقها. في الوقت الحاضر، يتفق الباحثون إلى حدٍ كبير على اختلاف هذين النوعين الرئيسيين من الكمالية. وبالرغم من أن هناك كمالية عامة تؤثر في كافة مناحي الحياة، فإن بعض الباحثين يؤكدون على اختلاف مستويات الكمالية بشكل كبير في المجالات المختلفة (أي العمل والدراسة والرياضة والعلاقات الشخصية والحياة المنزلية)” ، مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/كمالية_(علم_نفس)
2- https://journals.sagepub.com/doi/ful...50254211037400
3-“الإرهاق (burnout) هو حالة من الاستنزاف العقلي والجسدي والنفسي نتيجة التعرض لفترة طويلة من الإجهاد المفرط. عندما يُرهَق الشخص يُصبِح غير قادر على أداء مهامه أو بكل بساطة لا يرغب في ذلك. هذه المشاعر السلبية قد تُصاحب الشخص في جوانب أخرى من حياته كحياته الاجتماعية” ، اقتبسناه من نص ورد على هذا العنوان: https://elakademiapost.com/طلاب-الطب-والإرهاق-burnout/
4- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/26231736/
5- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/....1002/per.2053
6- (vulnerability factor): متغير (عامل متغير)، لو تُعرض له أو أُثير ، فإنه يؤثر في احتمال إصابة الشخص بحالة أو اضطراب أو مرض ، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://dictionary.apa.org/vulnerability-factor
7- https://www.sciencedirect.com/scienc...91886921007340
8- “بعكس ذوي معايير الكمال الشخصي، الذين يسعون جاهدين لتحقيق أفضل ما لديهم من قدرات، غالبًا ما يضع ذوو الكمال الذين ينتقدون أنفسهم أهدافًا غير واقعية ويمكن أن يجدوا أفكارهم يسيطر عليها الشك الذاتي (عدم الثقة بالنفس، 9) والخوف من تقييم الآخرين له، والذي وُجد أنه يتسبب في زيادة مشاكل الصحة العقلية”، ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.psychologicalscience.org...epression.html
9- “الشك الذاتي هو الصوت الداخلي الذي يُحادثك وكل محادثاته سلبية ومدمرة للثقة بالنفس. بعبارة أخرى فإن الشك الذاتي هو صوتك الداخلي الذي يشكك في قدراتك ومهاراتك ويولد لديك الشعور بالعجز وعدم اليقين، ويخبرك بأنك غير قادر على تحقيق ما تريد، ولا تمتلك المهارات والإمكانيات اللازمة لتحقيق أهدافك، فتبدأ المخاوف والشكوك الذاتية في التأثير سلبًا في سلوكياتك وأدائك وفي الطريقة التي تنظر بها لنفسك. وهذا بدوره يولد لديك العديد من المخاوف الوهمية، والقناعات الذهنية الخاطئة التي تؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس والتقدير المتدني للذات، والشعور بالضعف وعدم الأمان، والاكتئاب والقلق، وتشكيل صورة ذاتية سلبية وخاطئة عن نفسك” ، مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://www.filsof.com/2018/10/Self-doubt.html
10- https://link.springer.com/article/10...48-021-09597-7
11- https://journals.sagepub.com/doi/10....ing-articles.3
12- https://catalogue.anspear.com/educat...s/S_493737.pdf
13- https://cdn.ymaws.com/www.nace.co.uk...ssonReport.pdf
14- https://link.springer.com/article/10...862-013-9397-7
15- https://www.nace.co.uk/blogpost/1761...your-classroom
16- https://www.nidirect.gov.uk/articles...pulsions#toc-1
المصدر الرئيس:
https://theconversation.com/perfecti...ference-174504

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي