بغداد - سكاي نيوز
حسم مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، أمر تحالفه مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، رئيس ائتلاف "دولة القانون"، مؤكّدًا أنه لن يتحالف معه بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

وفيما حسم مقتدى الصدر الجدل الدائر حول إمكانية تحالفه مع نوري المالكي، حذّر خبراء بالشأن العراقي من المساعي المقبلة للفصائل المسلحة وعرقلة الحكومة المرتقبة.
وتعد قوى الإطار التنسيقي التي تضم أحزابًا وتيارات شيعية مقربة من إيران، أكبر الخاسرين من تطورات المشهد السياسي بعد الاعتراف بشرعية الجلسة الأولى للبرلمان.
سرّ العداء التاريخي
ورفض الصدر يعود للخلاف العميق والاستراتيجي بين الرجلين منذ تولي المالكي رئاسة الحكومة العراقية 2008.
وبدأ هذا العداء الذي يصفه مراقبون بـ"التاريخي" في مارس 2008، حين قاد المالكي عملية عسكرية ضارية سُمّيت "صولة الفرسان" استهدفت جيش المهدي بقيادة الصدر، حيث تحولت خلالها مدينة البصرة العراقية لساحة حرب حقيقية.
وخلال تلك المعركة، قدرت الخسائر البشرية من الطرفين بـ1500 قتيل، بينما بلغت الخسائر المادية للعراق نحو 27 مليون دولار، حسب تقارير إعلامية، وفيها حاصر جيش المهدي القصر الرئاسي وبداخله نوري المالكي، واستعان الأخير بالمروحيات لقصف تلك التجمعات.

وحينها أعادت العملية للأذهان الحرب العراقية الإيرانية، حسب المراقبين، إذ استنفر جيش المهدي بمناطق أخرى في العراق كان أعنفها بمعقله بحي مدينة الصدر شرق بغداد.
ومعلّقًا على رفض الصدر التحالف مع المالكي، يقول المحلل السياسي العراقي، نديم الجابري، إن "المالكي شكل عقدة رئيسية في الحوار بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي الشيعية منذ بداية مفاوضات تشكيل الحكومة".
ويُفسّر في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" بأن "الخلافات عميقة بين الصدر والمالكي وتمتد لأكثر من عقد ونصف العقد، حيث نظّم الأخير حملة اعتقالات بصفوف أتباع التيار الصدري عرفت بـ"صولة الفرسان"، وهو عداء تاريخي نتج عنه الآن إزاحة المالكي".




استمرت الخلافات بين الرجلين، وتكشفت مرّة أخرى بالمشهد السياسي قبيل الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي.
وحينها عاد الصدر مهاجمًا المالكي وخصومه السياسيين قبل الانتخابات، ناعتًا إياهم بالفشل والفساد.
وخلال هجومه، وصف الصدر خصمه نوري المالكي بـ"ذي الرئاستين"، أي مُدّتي الحكم اللتين قضاهما.
وفي "صولة الفرسان" الثانية عام 2016، هدد المالكي خلال ولايته الثانية خصومه السياسيين بشن عملية عسكرية أخرى على غرار "صولة الفرسان 1" بعد تظاهرات عارمة ضده في البصرة.
وخلال الاحتجاجات اقتحم آلاف العراقيين الغاضبين مركزًا ثقافيًّا كان يخاطب فيه المالكي أتباعه، وهم يهتفون بأنّه "قائد اللصوص وسبب الكوارث".
كما واجه حينها رئيس الوزراء العراقي الأسبق عاصفة غضب في أثناء جولته بجنوب العراق، في محافظات ذي قار وميسان والبصرة.
وهذا الغضب لم يهدأ في الشارع العراقي حتى الآن ضد المالكي، إذ تظاهر، الخميس الماضي، عراقيون في ساحة النسور وسط بغداد مطالبين بمحاكمة المالكي.
وهناك أطراف سياسية وشعبية تحمّل المالكي الذي شغل منصب رئيس الوزراء العراقي لدورتين، مسؤولية سقوط ثلثي العراق بيد تنظيم داعش 2014، كما تحمّله ارتكاب داعش مجزرة قاعدة "سبايكر" العسكرية بتكريت 2016 حيث سقط 1700 جندي ضحية رميًا بالرصاص.

هل سيبقل المالكي الإزاحة؟
وفشلت إيران في تقريب وجهات النظر بين الصدر والمالكي، بعد إصرار الأول على إزاحة الأخير من تشكيل الحكومة.
كانت طهران دفعت الأسبوع الماضي، بمندوبها إسماعيل قاآني، قائد فيلق ميليشيات القدس الإرهابية، لبغداد لاحتواء الأزمة بين الطرفين ولخروج آمن للمالكي.
لكن قاآني فوجئ برفض الصدر التحالف مع المالكي، وتمسّكه بشعار تشكيل حكومة عراقية "لا شرقية تحت إمرة طهران ولا غربية موالية لواشنطن".
"إيران أخفقت في إنهاء الخلافات بين أكبر كتلتين (الإطار التنسيقي وكتلة الصدر)، كما فشلت إقناع الصدر بالتحالف مع نوري المالكي"، حسب الكاتب الأردني محمد سلامة.
ويصرّ مقتدى الصدر ليس على إبعاد المالكي فقط من تشكيل الحكومة، بل إحالة ملفاته للقضاء بتهم الفساد وأفعاله إبان توليه رئاسة الحكومة العراقية، حسب ما ذكر "سلامة" في مقال له.
وهنا توقع رئيس مركز "تفكير" السياسي في العراق، الدكتور إحسان الشمري، أن "قوى الإطار ستتخلى عن المالكي وتتوافق مع الصدر، شرط وجود ضمانات بعدم ملاحقته وكتلته سياسيًّا وقضائيًّا، وألا تفتح ملفات تخص أداءهم التنفيذي والنيابي".
وبشأن إمكانية قبول المالكي ما يوصف بـ"الخروج الصامت"، يؤكّد الشمري، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "رئيس تحالف دولة القانون سيقبل بهذا الدور إذا ما حدثت تسويات سياسية تضمن له مساحة في البرلمان العراقي أو برئاسة اللجان النيابية".
كما حذّر مِن أن "الفصائل الشيعية وبعد خسارتها المعارك السياسية المتتالية وعقب قرار المحكمة الاتحادية بشرعية الجلسة الأولى للبرلمان ستحاول عرقلة الحكومة وافتعال الأزمات".
لكن الجابري يقول: "في كلّ الأحوال، فقوى الإطار باتت خارج حسابات المشهد السياسي المقبل ولا تمتك القدرة على اعتراض القافلة الجديدة التي سيقودها الفائزون الثلاث الصدر والحلبوسي وبارزاني".