- الخطوة الاولى : أن يدرك الانسان المنتهى ! فالمنتهى الى الله تعالى
( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) الانشقاق 6,
(إن الى ربك الرُجعى) العلق 8, (...... الا الى الله تصير الامور)الشورى 53,
فالانسان يسير الى الله تعالى رغما عن انه (الانسان) يحسب انه يسير نحو الثروة او المنصب او الشهرة ..الخ
اذن الخطوة الاولى هي ادراك الانسان انه سائر الى الله تعالى وأن يؤمن بانه ماض نحو المنتهى واللقاء
( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وانهم اليه راجعون) البقرة 46.
2- الخطوة الثانية :أن يدرك الانسان ان النفس البشرية هي عين التعلق وليس شئ له التعلق !
قال صدر المتألهين الشيرازي ( لو كان الانسان شيئا له التعلق لا أنه عين التعلق لكان مستقلا
في شيئيته عن الله تعالى وهذا محال) ! ما معنى هذه العبارة؟
مثال: عندما يقارن الانسان نفسه مع افكاره او مشاعره , تُرى ماهي النسبة (الصلة) بينه
وبين افكاره او بينه وبين مشاعره ؟
الجواب: النسبة (الصلة) بين الانسان وبين مشاعره هي كنسبة الصنع للصانع و فالمشاعر مصنوعة للانسان صاحبها , وكذلك افكاره فهو الانسان صاحبها ومبتدعها, فمثلا الفكرة التي ارتسمت في ذهن الانسان
هل هي شئ له التعلق ؟ أم انها عين التعلق ؟ بعبارة اخرى هل هذه الفكرة شئ له الربط بالانسان
صاحب الفكرة أم انها شئ له عين الربط بصاحب الفكرة ؟
الجواب: هذه الفكرة التي تولدت وارتسمت في ذهن الانسان (صاحب الفكرة) ليست شيئا مرتبطا به (بالانسان صاحب الفكرة) بل هي عين الربط به , فالفكرة هذه مادامت مصنوعة في ذهن الانسان فهي غير مستقلة عنه وغير منفصلة عنه بل هي (الفكرة) في حد ذاتها وحد شيئيتها هي عين الارتباط بصاحبها ومبتدعها وليست شيئا له الارتباط به, لان الارتباط يحدث بين شيئين منفصلين بينما هذه الفكرة ليست بشئ مستقل عن صاحبها !
مثال : الله تبارك وتعالى عندما يضفي على الانسان علما منه فعند ذلك يقال هذا العلم شئ مرتبط بالانسان , فهذا العلم نعمة من البارئ تعالى على الانسان واذن في هذه الحالة صار لدينا ارتباط بين شيئين وهما ( العلم الذي انعم الله تعالى به على الانسان + زائدا الانسان نفسه الذي نال هذا العلم )! اذن هنا شيئان مرتبطان ( العلم الذي افاضه الخالق تعالى على الانسان + الانسان) فالعلم شئ والانسان شئ آخر ولكن ارتبطا معا فهما شيئان! لأن الانسان اصلا لاعلم له ( والله اخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصاروالافئدة لعلكم تشكرون) النحل 78! اذن العلم الذي انعم به الله تعالى على الانسان هو شئ مستقل عنه وتبقى العلاقة بينهما علاقة ارتباط بين شيئين.
بينما افكار الانسان نفسه التي يخترعها ويتخيلها ويضعها في ذهنه لاتعتبر مستقلة عنه لأنه هو الذي صنعها في ذهنه , واذن الفكرة التي صنعها الانسان هي نفس التعلق وليست مستقلة عنه, وهكذا مثلما يقارن الانسان بين نفسه وبين افكاره الخاصة به فليقارن بين نفسه وبين ربه , هل هو الانسان شئ مرتبط بربه ام هو الانسان عين الارتباط بربه ؟
فلو كان الانسان شيئا مرتبطا ب ربه لاصبح الانسان شيئا والرب شيئا ثم ارتبطا , بينما الحقيقة هي ان الانسان ذاته من صنع الله تعالى فالنفس الانسانية ليست الا صنع الله تعالى وعطاؤه وافاضته , فالنفس مفاضة منه تعالى واذن هذه النفس المصنوعة والمفاضة منه تعالى هي عين التعلق والارتباط به تعالى , ليس لها (للنفس) آنية لها ولا استقلال لها ولاحقيقة لها إلا انها (النفس) عين الارتباط بالله تعالى , ومن هذه النقطة والمقارنة يستطيع الانسان ادراك حقيقة نفسه , نفس عاجزة جاهلة ميتة لاقدرة لها ولاعلم لها ولاحياة لها الا من الحي المطلق تبارك وتعالى , نفس محدودة مقيدة لا تتحرر من حدودها الا باللامحدود المطلق تعالى , نفس محتاجة دائما الى المدد والعطاء!
اذا ادرك الانسان ان نفسه بهذا النحو فقط خطا الخطوة الثانية في سبيل اكتشاف نفسه ومعرفتها !
3-الخطوة الثالثة : أن يدرك الانسان حقيقة نفسه ادراكا حضوريا لا ادراكا حصوليا !
فهناك فرق بين العلم الحصولي وبين العلم الحضوري.
العلم الحصولي هو حصول صورة الشئ , بينما العلم الحضوري هو حضور نفس
الشئ وليست صورته فقط .
مثال: معرفة انسان عن طريق صورته تختلف عن طريق معرفته بحضوره وكليته ,
فما نراه حولنا من عالم تتم معرفته عن طريق الصورة,
كرؤية شخص حيث يتم ادراك وجوده عن طريق صورته التي تنطبع في الذهن او صوته ..الخ
فلولا صورته وصورة وجوده لم يعلم به احد ,
وكذلك الامر في السماع لخطبة او قصيدة حيث يتحول الصوت الى صورة في الذهن , او كالاحساس بالبرودة والحرارة حيث ينتقل الاحساس الى الذهن كذلك عن طريق الحواس. اذن عموما كل ما حولنا يتم عن طريق الحواس لتُترجم في الذهن الى صور ذهنية ومن هنا سُمي هذا العلم بالعلم الحصولي حيث ( تحصل) صورة الشئ في الذهن . أما
العلم الحضوري : فهو يعني حضور نفس الشئ وليس صورته , كما في الفرح والحزن والافكار , فعندما يصنع الانسان فكرة في ذهنه يكون علمه بهذه الفكرة علما حضوريا وليس علما حصوليا , فلا حاجة الى واسطة الصورة و بل الفكرة نفسها حاضرة في الذهن .
هذا العلم الحضوري او العلم الوجداني هو المطلوب لمعرفة النفس , حيث يعرف الانسان نفسه معرفة وجدانية حضورية وعند ذلك يدرك ضعفه وعجزه وحاجته ادراكا حضوريا وجدانيا , فهو ضعيف وعاجز ومحتاج ومحدود في كل شؤونه, هذا الادراك بالمحدودية والعجز هو عين الربط والتعلق بالله تعالى , عندما يتحقق هذا الادراك ويصبح شعورا ووجدانا فأن الطريق لمعرفة النفس يمضى نحو الوصول للغاية .
قال امير المؤمنين عليه السلام ( ما لابن آدم والفخر وانما اوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو ما بينهما يحمل العذرة )!
واذن الطالب لمعرفة النفس سيدرك نفسه وضآلتها ادراكا وجدانيا وليس عبر الصور الحصولية وبمجرد ذكر الله تعالى يشعر هذا الانسان وجدانيا بعظمة الله تعالى ( الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولاغربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) النور 35,
يهدي الله لنوره من يشاء , فئة خاصة تهتدي الى هذا النور وهم الذين شعروا بالنور شعورا وجدانيا حضوريا .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ...) الحشر18.
منقول للأمانة