الاقتصاد التركي يحطم آمال الفقراء والطبقة المتوسطة
مبيعات الخبز المدعوم في تركيا
تحطمت آمال المواطن التركي بفعل الحقائق الاقتصادية المزرية، فيما وصف المشهد التركي عبر شهادات أشخاص يعانون الأثر المباشر للتضخم وتراجع الأجور وتهاوي سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار.
وأشارت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية إلى الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الاقتصاد التركي، وانخفاض قيمة الليرة بشكل كبير خلال العام الماضي وارتفاع معدلات التضخم بنسبة 25 في المئة، مع تضاعف أسعار بعض السلع في الأشهر الأخيرة.
وقالت الصحيفة: إنّ ذلك تسبب في ضغوط على الاحتياطيات المالية في البلاد، وأدى إلى مخاوف بين مستثمري الأسواق الناشئة بشأن اقتصاد مجموعة العشرين، الذي كان يعتبر في يوم من الأيام محركا للنمو وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي.
وتابعت: إن الوضع تسبب في شعور باليأس وإفقار العمال في أحياء وقرى مدن وريف تركيا، وإلى تلاشي تطلعات الكثير من المواطنين.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الكاتب شهادات أشخاص يعيشون تحت وطأة الأزمة المباشرة، وتفاصيل من حياتهم اليومية التي تغيرت بعد انهيار العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي. ولفت إلى أن الفقراء يزدادون فقراً في تركيا.
وأوضحت إن الاقتصاد التركي، مثل بقية العالم، تضرر بشدة بفعل أزمة وباء فيروس كورونا العالمي الذي أبطأ التجارة وأدى إلى تسريح العمال. لكنه لفت إلى أنّ مشاكل تركيا تفاقمت بسبب التضخم الجامح الناجم إلى حد كبير عن ما يسميه الاقتصاديون المعتقدات الاقتصادية “غير التقليدية” للرئيس رجب طيب أردوغان.
ويصر أردوغان على أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم، وضغط على المصرف المركزي التركي باستمرار لخفض معدلات الفائدة على القروض.
وأدى ذلك بشكل متوقع إلى انخفاض قيمة الليرة التركية، فقد تراجعت قيمتها بمقدار النصف تقريبًا مقابل الدولار الأمريكي خلال العام الماضي، بحسب الكاتب، الذي أشار إلى أن قيمتها تبلغ الآن نحو ربع ما كانت عليه قبل خمس سنوات.
وأصبحت الأجور الحقيقية متدنية إلى النصف، وأسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 100 في المئة، منذ عام 2018، والأهمّ يتمثل في تراجع الليرة بنسبة 50 في المئة خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما زاد الضغط الهائل على حياة المواطنين العاديين والشركات على حد سواء.
تأثير العملة المنهارة
ونقلت «فايننشيال تايمز» عن مصرفي في لندن، متخصص بالاقتصادَين التركي والصيني، قوله إنه «من الجنون اقتصادياً أن تتصور إمكانية أن يبني بلد ما اقتصاداً يعتمد على التصدير استناداً إلى عملة وطنية منهارة. فلو أن الأمر كذلك لكانت زيمبابوي أصبحت قوة عظمى تكنولوجياً».
ومع أن القطاعات التي تعتمد على التصدير تستفيد فعلاً من هبوط سعر صرف الليرة في جعل صادراتها أكثر تنافسية، إلا أن ذلك لا ينعكس على الأغلبية العظمى من جماهير الأتراك. ويقول جيسون توفي، من شركة الاستشارات “مبيتال إيكونوميكس”، “يقدم أردوغان المصدّرين على المواطنين العاديين. وإذا نظرنا إلى القاعدة المؤيدة له انتخابياً، فما يجري ليس له معنى”.
بعض هؤلاء المصدّرين، مثل شركات الطيران وشركات صناعة الأسلحة وصناعة السيارات وشركات الكيماويات، يستفيدون فعلاً من هبوط سعر صرف الليرة، حيث يبيعون صادراتهم بالدولار ويدفعون كلفة الإنتاج، مثل الأجور بالليرة. إنما هناك مشكلة الحصول على عناصر الإنتاج من خارج تركيا بالعملة الصعبة وكذلك أسعار الطاقة.
وبدأ كبار المصدرين أيضاً بانتقاد استمرار انهيار سعر صرف العملة التركية، لأن ذلك يجعل من الصعب عليهم تحديد أسعار منتجاتهم والتخطيط لأشهر قليلة مستقبلاً. وأعلنت رابطة “توسياد”، الذي يمثل كبار الشركات الصناعية المصدِّرة، التي تشكل 85 في المئة من التجارة الخارجية لتركيا، أن “ما تريده جماعات الأعمال هو الاستقرار”.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن القطاع إلى أنه يعاني بشدة تحت وطأة الزيادة الهائلة في كلفة المواد الخام والطاقة. التي ارتفعت بنسبة أكبر من 90 في المئة بمعدل سنوي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
لكن أردوغان وبعض مَن يثق بهم من أركان حكمه، يرون أن زيادة الصادرات نتيجة انخفاض العملة سيؤدي إلى توسع أكثر في الاقتصاد. وبالفعل، يُتوقع أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي التركي هذا العام إلى 9 في المئة. وسيبقى الانتظار ما إذا كان قطاع التصدير سيواصل النمو في الأشهر الستة المقبلة، مع استمرار اضطراب سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم نتيجة خفض أسعار الفائدة.