صباح يوم الاحد، سوف تنحصر نقاشات ومناورات الطبقة السياسية حول شخص واحد سوف يكلّف بتشكيل مجلس الوزراء، على اعتبار ان الاسمين الاخرين في ثلاثية الرئاسات يتم حسمهما داخل مكونيهما. فلا يبقى الا اسم "رئيس الوزراء المكلف".
وانه لمن سوء حظ العراق والعراقيين ان يتم اختزال واختصار كل قضية العراق باسم هذا الانسان الذي قد يأتي من المجهول، كما حصل بالنسبة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته وصلاحيته، ليسلموه اخطر منصب تنفيذي في الدولة العراقية.
ومن سوء الحظ ان تنحصر نقاشات امراء الاقطاعيات السياسية وترشيحاتهم بعدد محدود من الاسماء "المجربين" سابقا،
والذين لم تدل تجاربهم السابقة على كونهم عباقرة زمانهم وفلتات عصرهم. ذلك ان هؤلاء الامراء يخشون ان يخرج الامر من ايديهم ويتولاه من هو اكثر علما وذكاء وخبرة وقدرة منهم.
صار الامر كما كان عليه ايام الدولة العباسية في عصور انحطاطها حيث يقوم امراء الجند بتولية اضعف الموجودين من بني العباس الخلافة ليسهل عليهم التلاعب بهم والسيطرة عليهم.
ليت امراء الاقطاعيات السياسية عندنا يعرفون ان مصير العراق على المحك وانه اكبر من الاسماء التي يتداولونها،
وان عليهم ان يضعوا مصلحة العراق فوق مصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية، وانّى لهم ذلك، فما لهذا تصارعوا في حلبة السياسة.
ان ازمة العراق اليوم، دولة ومجتمعا وحكومة ابعد واعمق من الاسماء والمسميات،
بل هي تغوص عميقا في ابعد نقطة من الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية في المركب الحضاري للمجتمع والدولة
ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة وفي مقدمتها الانسان الذي يخوض في كل تفاصيل العملية السياسية الراهنة.
وان اي حل يستهدف الخروج من الازمة الحالية يجب ان ينبثق من وعي سياسي علمي عميق لها، ولهندسة بناء الدولة على اسس حضارية وحديثة.
وهذا هو بالضبط ما تتضمنه الدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. وهي الصيغة التي تضمن معالجة الاختلالات،
بل الوقاية منها مستقبلا، ووضع العراق على الطريق المؤدي الى توفير حياة سعيدة للانسان. قد يتطلب هذا الاتيان بطبقة سياسية جديدة مدركة لهذه الحقيقة،
ويومان لا تكفي لذلك بطبيعة الحال، لكن في هذا دالة حضارية لما ينبغي ان يكون عليه العمل في السنوات الاربع المقبلة.
فما فاتنا تحقيقه في هذه المرة يمكن الاشتغال عليه في الفترة القادمة اذا توفرت المعرفة الصحيحة، والارادة، والامل.