مساكم الله بالخير
ياطيبين
ربي يحفظ الجميع
نعلم جميعًا أنّ من حقنا التعبير عن آرائنا وأن نفسح المجال لكلماتنا بالخروج في أوقاتٍ كثيرة، ولكن مَن مِنّا فكّر يوما أنّ حرية التعبير ليست مطلقةً وإنّما لها العديد من المحددات، فيجب ألّا ننسى عند التعبير أنّنا نتحدثُ إلى كياناتٍ بشرية وليس إلى حجارةٍ صلبة لا تُبالي لو تمّ جرحُها ببعض الكلمات. لا ننسى عُمْر ومقام من نتحدث إليهم فليس من اللائقِ أن تُعبر عن رأيك بلا احترام ولا توقير لمن هم أكبر منك سنًا ومكانة إلا في حدودٍ ضيقة وضمن شروطٍ معينة، حتى وإن كنت متعلماً فلا يغرك شهادتك ولا تعليمك ولا مكانتك بينهم. كما أنّه لا يتوجب علينا الصمت عن الظلم والقهر الذي قد ينجمُ عن بعض الأقوياء تجاه الضّعفاء، وإنّما علينا إبداء الرأي بكل صراحة واتخاذ موقف، وذلك يعني ألّا نصمت أمام ظلم صاحب المنصب والجاه بل يجب علينا الدفاع عن حقوقنا وحقوق المقهورين دون خوفٍ أو وجل، وكذلك لا ينبغي المجادلة في أمور الدين وثوابته زعمًا منّا أن ذلك من حرية التعبير عن الرأي. الإنسان محاسبٌ عن كل ما يقول، فقد ينشرٌ أحدنا فتنةً في الدين بسبب كبريائه وظنّه أنّه يفعلُ الصواب فينتشر فكرُهُ المغلوط فيُؤثر في عقول الجُهلاء من عامّة النّاس، وإنّ التعبير عن الرأي أمرٌ جميل وهو من حق كل إنسان، ولكن ينبغي على المرء أن يعرف أين يضعُ أفكاره ومتى يُخرجها ولمن يقولها ولماذا سيقولها وفي أيِّ المواضيع سيُبدي رأيه. عليه أيضًا أن يحرص على أن يكون مهذبًا أثناء حديثه، وألّا يعلو صوته أمام والديه ومن هم أكبر منه سنًا، كما يتوجب عليه إتاحة الفرصة أمام الآخرين ليناقشوه وليبدوا رأيهم تجاهه وتجاه مواقفه، وألّا ينسحبَ قبل الانتهاء من النقاش، وألّا يغضب ولا يثور ولا يتعدى على سواه بكلامٍ غير لائق أو بألفاظٍ بذيئة لا فائدة منها سوى الكراهية. كم عبر الناس عن آرائهم بطريقةٍ خاطئة ومتسرعة فدخلوا بعدها في دائرة الظلم تجاه أناسٍ لم يكن لهم ذنبًا سوى أنّهم جلسوا معهم وتجاذبوا أطراف الحديث ثم عادوا إلى مواضعهم حاملين معهم الحزن تارةً والضغينة تارةً أخرى تجاه من تفوهوا بالكلام الجارح وتسببوا بظلمهم. قد يكون هذا بغير قصدٍ منهم، لذلك يتوجب على كل إنسان عاقل أن يفكر بكل كلمة عند خروجها لا بل قبل خروجها، فالكلمة لا تعود إلا ومعها سهامٌ مميتة أو قلوبٌ مطمئنة وذلك حسب ما تفوهت به من آراء وكلمات، لذا فكّر ثم عبّر عن رأيك. التعبير عن الرأي يجب تنميته في الختام، ينبغي على كل امرئٍ يمتلك عقلًا راجحًا ورأيًا سديدًا أن يسعى نحو تنمية هذا الحق والتمرن عليه جيدًا، كي يكون الفرد في مقدمة كل نقاش وكل قضية، كما يتوجب على الإنسان أن يُعلّم الآخرين كيف يُعبرون عن آرائهم ومتى يفكون أسرجتها ويطلقونها في المواقف. إن كنت أبًا علّم أبناءكَ كيف يُعبرون عن آرائهم بطريقة صائبة، فلا يُوجد أجمل من القدوة التي تدفعُ بالأبناء إلى تتبع الخُطى، ولا أجمل من أن يُتيح الإنسان -مهما كان موقعه- المجال أمام الآخرين ليُعبروا عن آرائهم بطريقةٍ عملية.
وسلامتكم
درر
درات