على مدى عدة عقود، كان أهل قرية قايماوا في محافظة دهوك يستخدمون مياه البركة في حياتهم اليومية
ما زال عدنان حميد (55 عاما) يذكر ما كان يرويه له والده (المولود عام 1917) عن بركة مائية يبقى ماؤها ساخنا على مدار فصول السنة، إلا أن ما بقيّ لغزا -بالنسبة له حتى الآن- هو كيف يشفي ماء هذه البركة أمراض الحساسية والجلدية، من دون أن يكون هناك أي تفسير علمي دقيق حتى الآن.


أغراض علاجية
تقع بركة المياه في قرية "قايماوا" بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، وعلى مدى عدة عقود، كان أهل القرية التي تتكون من نحو 100 بيت يستخدمون ماءها في حياتهم اليومية من غسيل وطبخ -كما يقول حميد للجزيرة نت- فلا مصدر للماء في القرية غير هذه البركة.
يروي حميد كيف شُفي رجل من مرض جلدي تسبّب في احمرار جسده بالكامل بعد أن عجز الأطباء عن علاجه من دون معرفة سبب المرض، لكن نصف ساعة من الغطس في هذه البركة الساخنة كانت كافية لشفائه من المرض الغامض، من دون الحاجة إلى مراجعة الأطباء مرة أخرى.



الجيولوجي ظاهر محمد: مياه البركة تحتوي على عناصر معدنية مكتسبة من صخور طبقات الأرض


سبب سخونة البركة

ولمعرفة أسباب بقاء مياه البركة ساخنة على مدار العام، وما يتعلق باستخدامها لشفاء بعض الأمراض، خاصة الحساسية والجلدية كما يعتقد كثير من الناس، يُرجح المختصون في علم الجيولوجيا أن سخونة هذه البرك أو العيون المائية بعضها مرتبط بأنها تقع بالقرب من مناطق النشاط البركاني التي تعمل على تسخين مياه هذه العيون، ومن ثم خروجها إلى سطح الأرض بشكل ساخن.
وتوجد مثل هذه العيون أو البرك المائية في كثير من دول العالم منها أميركا واليابان وتركيا والعراق ودول أخرى، وعادةً تستخدم -كما يعتقد سكان المنطقة المجاورة لهذه العيون- لعلاج بعض الأمراض مثل الحساسية والجلدية والروماتيزم وغيرها، حيث يرتادها الناس على مدار السنة.
ويُشير رئيس الجيولوجيين الأقدم ظاهر محمد طاهر إلى أمور أخرى تعدّ سببا لجعل هذه البرك ساخنة، أبرزها نزول مياه الأمطار والأنهار إلى داخل الأرض عن طريق الشقوق والصدوع، بالإضافة إلى أن باطن الأرض تزداد حرارته بمعدل 25 إلى 30 درجة مئوية لكل ألف متر، ولهذا فإن الماء يسخن من باطن الأرض بفعل الحرارة الزائدة داخلها، ومن ثم خروج هذه المياه إلى سطح الأرض بفعل ضغط الماء الساخن الذي يخرج على شكل عيون حارة.



تقع البركة المائية في قرية "قايماوا" بمحافظة دهوك في إقليم كردستان العراق


تجاهل حكومي

ويضيف طاهر أيضا أن حرارة هذه البركة أعلى من درجة حرارة الهواء المحيط بها ومن جسم الإنسان، ويقول إن أناسا كثيرين يعتقدون أن أملاحا معدنية معينة موجودة في الينابيع الساخنة قادرة على شفاء أمراض مختلفة. ومنذ قديم الزمان، أدى هذا الاعتقاد إلى قيام الناس بالاستحمام فيها وشربهم من هذه الينابيع.
ويؤكد طاهر أن بعض هذه البرك تحتوي فعلا على العناصر المعدنية الموجودة في صخور طبقات الأرض التي تذوب في الماء، وتكون هذه العيون مشبعة بهذه العناصر الكيمائية مثل الكبريت والكالسيوم وغيرها ولهذا تسمى بالينابيع المعدنية.
وينتقد طاهر غياب اهتمام الجهات الحكومية بمثل هذه العيون والمناطق الموجودة فيها التي لو استغلت بشكل صحيح لأصبحت منطقة سياحية تحقق واردات جيدة، مشيرا إلى أن منطقة البركة الساخنة مؤهلة لتتحول إلى مركز سياحي حيوي لجذب السياح سواء على مستوى الإقليم أو العراق.



حجي طالب بإجراء أبحاث حول طبيعة مياه البركة الساخنة والتأكد من جدواها للعلاج


هل يوجد دليل علمي؟

بالمقابل، يرى الطبيب المختصّ بالأمراض الجلدية الدكتور ناصح حجي -وهو من أهالي القرية- أن الحديث عن أن ماء البركة يشفي المصابين بأنواع من أمراض الجلدية والحساسية يبقى محصورا فقط في دائرة العادات والتقاليد لدى سكان القرية، وأرجع ذلك إلى عدم وجود أي أبحاث أو تفسيرات علمية تثبت ذلك حتى الآن بشكل علمي ومنطقي دقيق.
وعن احتمالية أن تكون مادة الكبريت الموجودة بنسبة معينة في الماء الساخن للبركة سببا في علاجه لأمراض الجلدية والحساسية، يقول الطبيب المختصّ -للجزيرة نت- إن الكبريت يستخدم أحيانا في علاج بعض الأمراض، إلا أن ذلك ليس شرطا بأن يكون السبب في علاج هذا الماء للأمراض المذكورة، وذلك لافتقاره إلى البراهين العلمية التي تثبت صحّة هذا الادعاء حتى الآن.