الخطاط العراقي عبد الغني العاني في معرضه الفني بباريس
يحتفي معهد العالم العربي في باريس بشيخ الخطاطين العراقيين الدكتور عبد الغني العاني، وذلك بتخصيص معرض فني له تحت عنوان "مدرسة فن الخط العربي في بغداد بين الأمس واليوم".
والمعرض مناسبة لتعرف الزوار العرب والأجانب على أبرز الأعمال الفنية للفنان العراقي الذي يعتبر الطالب الوحيد الذي حصل على إجازة في فن الخط العربي في خمسينيات القرن الماضي على يد أكبر الخطاطين في العالم العربي في القرن العشرين هاشم البغدادي.
وقال المدير العام لمعهد العالم العربي عبد المنجب الزهراني إن هذا المعرض يعد تكريما للفنان عبد الغني العاني لأنه أحد ورثة مدرسة بغداد، ومن كبار معلمي فن الخط المعاصرين حول العالم.
وأضاف الزهراني في حديثه للجزيرة نت أن عبد الغني العاني يعتبر من الخطاطين القلة الذين انتقلوا بفن الخط العربي "من الخط البياني والتزييني إلى الخط الجمالي المطلق".
جمهور عالمي
بدوره، قال رئيس معهد العالم العربي في باريس جاك لانغ للجزيرة نت إن عبد الغني العاني فنان ذو شهرة عالمية، تمكن من إيصال فن الخط العربي إلى الجمهور الغربي الذي لا يفهم اللغة العربية.
وأضاف لانغ "لقد أسهم العاني في تعليم الخط العربي لغير العرب، وتتلمذ على يده عشرات الفرنسيين والأوروبيين واليابانيين الذين يعشقون هذا الفن الجميل، الذي يعتبر تراثا ثقافيا وإنسانيا، ومن مميزات فن الحضارة العربية والإسلامية، ويجب الاعتناء به وتعليمه للأجيال القادمة".
من جانبه، اعتبر الخطاط العراقي أن الخط العربي علم قائم بذاته، وقد يأخذ عمرا كاملا لتعلمه، ولا يكفي أن يكون للشخص خط جميل لكي يصبح خطاطا ماهرا، حسب وصفه.
وأضاف العاني في حديثه للجزيرة نت أن أهم مميزات الخطاط الناجح هو تمكّنه من إلغاء فكرة القراءة اللغوية، لتصبح قراءة فنية بصرية، تخاطب كل أنواع الجمهور الذي يتحدث مختلف لغات العالم.
قراءة بصرية
وتؤكد ناتالي لوروا -أستاذة اللغة الفرنسية وإحدى زوار المعرض- هذه الفكرة، حيث رأت أن "ما يستهويها في اللوحات الفنية ليس معنى الكلمات المكتوبة، بقدر ما تستهويها جمالية الخط الممزوج بالألوان، وما تعكسه من إحساس مرهف للفنان".
وتضيف ناتالي "هذه اللوحات الفنية حتى وإن كانت لغة عربية لا أفهمها فإنني أقرأها مثل لوحة تشكيلية".
ولا تقتصر اللوحات الفنية لشيخ الخطاطين العراقيين على الآيات القرآنية، بل تتعداها إلى الشعر والحكم والمقولات المأثورة.
كما أنه يستخدم ورقا خاصا به يقوم بصنعه أحيانا بنفسه من أوراق الأشجار والجرائد، إضافة إلى استخدام التوابل والمواد الطبيعية مثل الشمندر والصمغ في الكتابة.
ولفت عبد الغني العاني إلى أن كل لوحة تأخذ منه وقتا وجهدا كبيرين؛ فعلى سبيل المثال، أمضى نحو ثلاثة أسابيع في كتابة جزء من مقدمة "حمورابي" التي ترجع إلى نحو خمسة آلاف سنة.
الإبداع والتقنية
وعن تأثير التقنيات الحديثة والحاسوب الآلي على فن الخط العربي؛ يؤكد شيخ الخطاطين العراقيين أنه لا يمانع استخدام التكنولوجيا في نشر الخط على أوسع نطاق، لكن "الإبداع يجب ألا يكون آليا، بل يدويا محضا".
يذكر أن الخطاط العراقي قام بعرض لوحاته الفنية -التي تجاوزت 15 ألف لوحة- في كبرى العواصم الأوروبية والعربية.
كما حصل على عدة جوائز دولية قيمة، كان آخرها جائزة اليونيسكو سنة 2009، باعتباره "أول من أدخل خط الفن العربي لأوروبا بداية القرن العشرين"، حسب وصفه.
يشار إلى أن عبد الغني العاني هو امتداد لـ"مدرسة بغداد في فن الخط العربي" التي ازدهرت في العصر العباسي، ومنها انتشرت أصول الخطوط الأخرى في كل من المشرق والمغرب والأندلس.
ويعود الفضل في شهرتها إلى ثلاثة خطاطين كبار -حسب عبد الغني العاني- هم: ابن مقلة، الذي يعد مهندس الخط العربي بعدما جعل منه علما مضبوطا، ووضع القواعد الأساسية له.
وبعد نحو قرن من الزمن، أسهم خطاط كبير آخر هو ابن البواب في منح الخط ميزة أخرى، حيث كان يرى الحرف على هيئة إنسان برأس وجسد وأعضاء، ثم تبعهما بعد ذلك ياقوت المستعصمي الذي أعطى الحرف بُعدا روحيا، وجعل منه شكلا هندسيا حيًّا.
ويقيم العاني في باريس منذ أكثر من نصف قرن، حيث درس القانون، وكان أول طالب عربي يحصل على الدكتوراه في حقوق الملكية الفكرية للمؤلف، قبل أن يتفرغ للخط العربي في مرسمه ببيته.