قد يبدو الأمر غريبا للبعض فكيف يمكن أن يؤدي الاحترار إلى تساقط الثلوج؟
الثلوج تغطي شوارع الإسكندرية في حدث مناخي نادر (مواقع التواصل الاجتماعي)
في ظاهرة مناخية غير معهودة شهدت مدينة الإسكندرية ومناطق أخرى شمال مصر تقلبات جوية شديدة البرودة رافقها تساقط للثلوج. فكيف حدثت هذه التقلبات؟ وما علاقتها بالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم حاليا؟ وهل هي دليل على أن الطقس في المنطقة العربية سيصبح أقل رطوبة في المستقبل؟
بعد صيف ساخن في أغلب الكثير من الدول العربية تخللته موجات حر غير مسبوقة وحرائق واسعة في العديد من المناطق شمال الجزائر وتونس، شهد شمال مصر الأيام الماضية تقلبات جوية باردة أدت إلى تساقط للثلوج.
التيار البارد اتخذ اتجاها من الشمال إلى الجنوب بعد اصطدامه بمنطقة الضغط الجوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
ما الظروف الاستثنائية التي أدت إلى ذلك؟
إجابة عن هذا السؤال، يقول زهير الحلاوي أستاذ علم المناخ بجامعة تونس في تصريح خاص للجزيرة نت عبر الهاتف إن ما حدث كان نتيجة لتمركز مرتفع للضغط الجوي (هواء نازل) امتد من جنوب تونس إلى المملكة المتحدة يومي 16 و17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وشكل ظهرية انضغاطية.
في الوقت نفسه تشكل منخفض للضغط الجوي شرق المتوسط خاصة فوق شمال مصر وجزيرة قبرص. في العادة يتسرب للمنطقة التي تتمتع بمناخ متوسطي هواء بارد وجاف قادم من سيبيريا وشرق أوروبا ويتحرك في اتجاه الجنوب الغربي نحو شمال أفريقيا.
وما حدث مؤخرا هو أن هذا التيار البارد اتخذ اتجاها من الشمال نحو الجنوب بعد اصطدامه بالظهرية الانضغاطية لمنطقة الضغط الجوي. وبما أن مياه البحر المتوسط ما زالت دافئة نسبيا فقد وفرت لهذا التيار كميات هامة من المياه المتبخرة.
وأدى التسرب السريع للتيار إلى تكثف سريع للبخار عند الوصول إلى سواحل الإسكندرية وسيناء، مما أدى إلى تساقط الثلوج والبرد وحدوث تقلبات جوية مصحوبة برياح قوية.
وبحسب الحلاوي، فإن هذه الحالة المناخية ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت مصر ظروفا مشابهة في 13 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013 وتمركزت التقلبات فوق القاهرة.
المنخفض الجوي الذي تمركز شمال مصر منذ 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري (تطبيق فنتوسكاي)
هل ترتبط هذه الظاهرة بالتغيرات المناخية؟
قد يبدو الأمر غريبا للبعض فكيف يمكن أن يؤدي الاحترار إلى تساقط الثلوج؟
لا غرابة في ذلك، "فزيادة تواتر الظواهر المناخية المتطرفة وشدتها تعتبر أحد أهم تأثيرات الاحترار العالمي وهذا هو الحال بالنسبة لما وقع مؤخرا" وفقا للخبير التونسي الذي يضيف "عند النظر إلى التقلبات الأخيرة في سياق سلسلة الظواهر غير المألوفة التي شهدتها المنطقة سابقا نستنتج أنها حدثت نتيجة للاحترار العالمي".
وقد شهدت دول المنطقة عددا من هذه الظواهر مثل الفيضانات التي ضربت السودان العام الماضي وموجة البرد الشديدة التي اكتسحت كلا من سوريا والأردن وليبيا والجزائر في بداية العام الجاري، وموجة الحر التي ضربت تونس والجزائر، الصيف الماضي.
وعلى سبيل المثال، فإن موجات الحر التي حدثت حتى نهاية القرن الـ19 مرة واحدة فقط كل 50 عاما، أصبحت الآن أكثر تواترا بـ5 مرات تقريبا في منطقة حوض المتوسط بحسب التقرير الأممي السادس حول المناخ الصادر في أغسطس/ آب الماضي. وأشار التقرير إلى أن زيادة التواتر والشدة تشمل أيضا بقية الظواهر المتطرفة الأخرى كالفيضانات والأعاصير موجات الحر والجفاف والبرد.
هل سيصبح مناخ المنطقة أكثر رطوبة؟
وإجابة عن احتمال أن تكون هذه الظاهرة مؤشرا لتحول مناخي بعيد المدى في المنطقة من جاف وحار إلى رطب وأكثر اعتدالا يؤدي إلى اخضرار المناطق الصحراوية القاحلة، يقول الحلاوي إنه لا يشاطر هذا الرأي، فالاتجاه العام هو أن العالم يسير نحو مزيد من الاحترار وارتفاع في وتيرة الظواهر المتطرفة. كما تؤكد الدراسات العلمية والسيناريوهات المختلفة لتطور المناخ أن متوسط الحرارة سيزداد ارتفاعا في المنطقة العربية في المستقبل.
من المؤكد أن موجة البرد القاسية التي حدثت مؤخرا لن تكون الأخيرة، ومن المرجح أن تصبح أكثر تواترا وربما أكثر شدة في المستقبل مثلها مثل بقية الظواهر المناخية المتطرفة.
ورغم أن الدول العربية عموما ليست من الدول الأكثر تلويثا للبيئة عبر انبعاثات الغازات المسببة للاحترار، فإنه ليس أمامها سوى العمل، مثل باقي دول العالم، على خفض انبعاثات هذه الغازات ووضع إستراتيجيات للتأقلم مع الظاهرة تخفيف آثارها الاجتماعية والاقتصادية والصحية.