من أبليستسيخ التي يبلغ عمرها 3000 عام، إلى دير ديفيد جارجا الذي يعود للقرن السادس، والمساكن المنسية منذ فترة طويلة في مدينة سامشفيلد، فإن جميع مواقع الكهوف في جورجيا تُعد مذهلة.ولكن كل هذه المواقع لا تضاهي فرديزا، أي مدينة الكهوف الصخرية الساحرة، التي تُعد الأشهر في جورجيا.

وتنتشر مدينة الكهوف "فاردزيا" عبر منحدرات "Erusheti"، وتلوح في الأفق فوق وادٍ خصب محفوف بمحاذاة نهر كورا.


وقديمًا، كانت المدينة أشبه ببرج محفور في الصخور، يتألف من 6 آلاف غرفة موزعة على 19 طابقًا، إلى جانب 25 من أقبية وأديرة الراهبات، و15 مصلى، وصيدلية. وتجتمع كل هذه المعالم مكونة مدينة ودير نابضين بالحيوية من القرون الوسطى.

أنفاق الهروب السرية، طرق مسدودة مربكة



قلعة خيرتفيسي هي قلعة من القرون الوسطى تمتد فوق نتوء صخري.

وتم تصميم وبناء القلعة لأول مرة في القرن الثاني عشر في عهد الملك جيورجي الثالث، وكانت ابنته هي العقل المدبر للمشروع. وتحت رعايتها الساهرة، تم حفر سلسلة متقنة من الكهوف والغرف في عمق بطن إروشيتي، من بينها نفق هروب سري ومجموعة متشابكة من القاعات المسدودة لإرباك الأعداء.
وعلى مر السنين، تطورت بسرعة من قلعة متواضعة إلى دير مترامي الأطراف، ومركز ثقافي، ومعقل هجوم.
وكانت فرديزا موطنًا لحوالي 2000 راهب، وتؤوي عشرات الآلاف من السكان، وبفضل المدرجات الخصبة ونظام الري المعقد، كانت مدينة مكتفية ذاتيًا.



في عام 1283 هز زلزال المنطقة ودمر أكثر من 70% من مدينة فاردزيا، وحزم غالبية السكان أمتعتهم وغادروا، تاركين وراءهم فقط الرهبان الصامدين.

وكانت على رأس كل ذلك تامار الكُبرى، وهي ملكة أسطورية شرسة وقوية لدرجة أنها حصلت على لقب الملك - تامار ميبي.
وخلال فترة حكمها التي دامت 30 عامًا تقريبًا، ازدهرت جورجيا سياسياً وإقليمياً، وامتد حكمها عبر منطقة القوقاز الكبرى وانخفض جنوباً بين ما يُعرف في العصر الحديث باسم غانجا وأرضروم.
وازدهر الأدب والفن بشكل لم يسبق له مثيل، مما أفسح المجال لبعض أعظم الشخصيات في جورجيا. وبالتحديد، شوتا روستافيلي، شاعر من العصور الوسطى، وكان حبه غير المشروط لتامار وقصيدته التي تحمل عنوان "الفارس في جلد النمر" من أسباب تعزيز مكانته في التاريخ، ما أكسبه مكانًا في كل مدينة تقريبًا في البلاد.



قاعة طعام قديمة داخل فاردزيا

ونجاح مدينة فرديزا كان قصير الأمد نسبيًا، وفي عام 1283، هز زلزال المنطقة، ودمر أكثر من 70% من المدينة، مما ترك فاردزيا دون دفاع قوي، وكان السبب في هجر السكان للمدينة، تاركين خلفهم الرهبان، الذين صمدوا لمدة 300 عام أخرى حتى قضت عليهم غارات أخرى.
وبعد أكثر من 800 عام من حكم الملك تامار، لا يزال عدد قليل من الرهبان يميلون إلى فاردزيا، بعد أن عادوا إبان انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولا يزال هناك حوالي 500 كهف متبقي، بما في ذلك صيدلية مع أرففها المنحوتة بعناية، وأقبية النبيذ مع أواني قديمة لصنع النبيذ لا تزال في مكانها كما لو أن الوقت لم يمر عليها قط.
وحتى في الجبل توجد متاهة من الأنفاق - يزيد طول بعضها عن 600 قدم - وترتبط جميعها معًا في شبكة قديمة.
ولا تزال قاعة الطعام البالية بمقاعدها المنحوتة بالحجر وموقد الخبز باقية.



كان فاردزيا في يوم من الأيام موطنًا لـ 2000 راهب، لا يزال هناك حوالي 500 كهف باقٍ

أما عن الهيكل الأكثر تميزًا الذي ستصادفه خلال زيارتك، فهو برج الناقوس الضخم الذي يبرز من أعلى الجرف الصخري، ولا يزال يحتفظ بمعظم مجده الأصلي، على الرغم من أنك ستلاحظ فقدان قطعة مهمة للغاية والتي نهبت أثناء غارة المغول، أي الجرس.
وتعد كنيسة دورميتيون، برواقها مزدوج القوس والأجراس المعلقة، والمنحوتة بشكل مستحيل في واجهة الجبل، بمثابة المعلم الأكثر إثارة للإعجاب.



نحتت كنيسة دورميتيون في فارديزا، برواقها المزدوج القوس الذي تتدلى منه الأجراس، في واجهة الجبل.

وفي الداخل، تُوجد لوحات جدارية رائعة من التصوير الجصي، بينها واحدة من أربع لوحات فقط موجودة لتامار، ملكة جورجيا في القرون الوسطى.
وسيرغب الزوار في البحث عن دموع الملكة تامار، وهو نبع طبيعي مختبئ في أعماق الأنفاق، حيث ستجد بركة مليئة بالمياه تتدفق - أو تبكي - من الصخور فوقها.


ما وراء فاردزيا

وهناك دير (Vani Caves) الأقل شهرة، وهو دير منحوت بالحجر على بعد 10 دقائق فقط بالسيارة من فاردزيا، ويُعد الدير الذي يسبق تاريخه وجود فاردزيا ببضع مئات من السنين، مثيرًا للإعجاب مثل المدينة نفسها.
ويمكن للمتسلقين المتحمسين تسلق الأنقاض من خلال سلسلة من السلالم الخشبية التي تؤدي إلى كنيسة صغيرة ذات قبة بيضاء، والاستمتاع بمناظر شاملة للوادي.