صورة مقربة لأقرب زوج من الثقوب السوداء هائلة الكتلة (المرصد الأوروبي الجنوبي)
باستخدام التلسكوب الكبير جدا "في إل تي" (Very Large Telescope-VLT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي (European Southern Observatory/ ESO)، تمكن علماء الفلك من رصد أقرب زوج من الثقوب السوداء فائقة الكتلة للأرض تم اكتشافه على الإطلاق. ومن المتوقع أن ينتهي الأمر باندماج الثقبين بعد حوالي 250 مليون عام من الآن.
وبحسب بيان صحفي للمرصد، يقع هذا الزوج في مجرة "إن جي سي7727" ( NGC 7727) في كوكبة الدلو، على بُعد حوالي 89 مليون سنة ضوئية من الأرض.
وعلى الرغم من أن المسافة قد تبدو بعيدة نسبيا، فإنها أقل بكثير من المسافة التي تفصلنا عن أقرب زوج من الثقوب السوداء العملاقة المعروفة حتى اليوم والبالغة حوالي 470 مليون سنة ضوئية، مما يجعل زوج الثقب الأسود الهائل المكتشف حديثا هو الأقرب إلينا حتى الآن.



مجرة "إن جي سي 7727" تبعد 89 مليون سنة ضوئية عن الأرض في كوكبة الدلو (المرصد الأوروبي الجنوبي)


وحشان داخل مجرة

قبل 3 سنوات، أبلغ فريق من العلماء عن رصد تركيز مضغوط للنجوم قبالة المركز اللامع لمجرة "إن جي سي7727″، وهي مجرة مشوهة إلى حد ما في كوكبة الدلو. وتبين أن هذه "النواة الثانية" تنتج أشعة سينية باهتة، مما دفع العملاء إلى اقتراح أنها قد تكون نواة مجرة صغيرة ذات ثقب أسود مركزي نشط بشكل معتدل اندمجت مع مجرة "إن جي سي7727" منذ أكثر من مليار سنة.
وفي دراسة علمية جديدة نشرت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على موقع دورية "أسترونومي أند أستروفيزيكز" (Astronomy & Astrophysics) وجد فريق من علماء الفلك بقيادة الباحثة كارينا فوغيل من مرصد ستراسبورغ (Observatoire de Strasbourg) أدلة على أن كلا من نواة مجرة "إن جي سي7727" والنواة الثانية تؤوي ثقبا أسود هائل الكتلة، تفصلهما مسافة تبلغ 1600 سنة ضوئية.
وتقول كارينا فوغيل، المؤلفة الرئيسية للدراسة إن "هذه هي المرة الأولى التي نجد فيها ثقبين أسودين فائقي الضخامة قريبين من بعضهما، أي أقل من نصف المسافة الفاصلة بين حاملي الرقم القياسي السابق".



الثقبان فائقا الكتلة سيندمجان بعد 250 مليون عام من الآن (المرصد الأوربي الجنوبي)


كيف تم الاكتشاف؟

باستخدام "المستكشف الطيفي متعدد الوحدات" (Multi-Unit Spectroscopic Explorer) -أو اختصارا (MUSE)- المركب على التلسكوب الكبير جدا في المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، تتبع الفريق حركة النجوم حول النواتين عبر قياس سرعتها وتحديد مساراتها وتأثير جاذبية كلا الثقبين عليها. ويوفر هذا الجهاز دقة عالية للغاية تسمح بإجراء قياسات لسرعة الأجسام القريبة جدا من الثقب الأسود، والتي يمكن من خلالها حساب كتلة الثقب الأسود.
وقد مكّنت البيانات التي حصل عليها الباحثون من تحديد كتلتي الثقبين العملاقين، ووجدوا أن كتلة الثقب الأسود في قلب مجرة "إن جي سي7727" تبلغ حوالي 154 مليون مرة كتلة الشمس، بينما تصل كتلة الثقب الجاثم في نواة المجرة المندثرة 6.3 ملايين كتلة شمسية.
وللمقارنة فإن الثقب الأسود القابع في مركز مجرتنا يبدو صغيرا نسبيا مقارنة بهذين الجرمين بما أن كتلته لا تبلغ سوى حوالي 4 ملايين كتلة شمسية فقط.


في طريق الاندماج

وكشف الباحثون أن سرعة الثقبين العملاقين والمسافة الصغيرة التي تفصلهما تشيران إلى أنهما سيندمجان في ثقب أسود أكبر، ربما في غضون 250 مليون سنة مقبلة. وهي فترة طويلة جدا بالنسبة لنا، ولكنها تبدو كطرفة عين في كون يزيد عمره على 13 مليار سنة. وهذا الاندماج يمكن أن يحل لغزا قديما في الفيزياء الفلكية حول كيفية نمو الثقوب السوداء الهائلة لتبلغ هذه الأحجام الهائلة.
ووفقا لبيان المرصد الأوروبي نقلا عن فوغل، فإن هذا الاكتشاف يشير إلى أنه "قد يكون هناك الكثير من بقايا اندماجات المجرات، وقد تحتوي على العديد من الثقوب السوداء الضخمة المخفية التي لا تزال تنتظر أن يتم العثور عليها".
ومن المتوقع أن يحقق البحث عن أزواج ثقوب سوداء فائقة الكتلة المخفية بشكل مشابه في المجرات البعيدة قفزة كبيرة إلى الأمام مع المرصد الأوروبي الفائق (Extremely Large Telescope/ ELT)، المقرر أن يبدأ العمل في وقت لاحق من هذا العقد في صحراء أتاكاما في تشيلي. وسيكون هذا المرصد قادرا على القيام باكتشافات لعمليات اندماج الثقوب السوداء من خلال دراسة الموجات الجاذبية التي تنتج عنها.