تؤدي الشيخوخة إلى تغيير صوتي نهائي ودائم لمعظمنا؛ فبعد عمر طويل من الكلام تفقد الأحبال الصوتية والأنسجة المحيطة قوتها ومرونتها، وتصبح الأغشية المخاطية أكثر نحافة وجفافا.
أصواتنا مثل بصمات أصابعنا هي أدوات فعالة تدل على التفرد بين البشر (غيتي)
هل فكرت يوما كيف ستكون الحياة إذا كان للجميع الصوت نفسه؟ وكم هو مثير للاهتمام أنه يمكنك على الفور التعرف على صوت والديك وصوت مطربك المفضل؟ من المفيد حقا أن يتمتع كل منا بصوت فريد، ولكن كيف يحدث ذلك؟
أصواتنا مثل بصمات أصابعنا أدوات فعالة دلالةً على التفرد بين البشر، ورغم أن الأشخاص قد يتشاركون طبقة صوتية متشابهة أو خصائص صوتية معينة، فإنه عند الفحص الدقيق لا يوجد صوتان متشابهان تماما؛ حيث يلعب كل من الطول، والوزن، والهرمونات، والمنشأ، والحساسية، والعواطف، والعوامل البيئية دورا في تحديد كيفية ظهور صوتك في النهاية.
الأصوات عالية التردد تصل إلى آذاننا بشكل أسرع مما يفسر جزئيا لماذا تكون أصوات الأطفال مزعجة (غيتي)
السر في علم التشريح
لكل منا صوت فريد لأنه نتاج العديد من العوامل، يبدأ صوتك في رئتيك، حيث يتم زفير الهواء لإنشاء تيار هوائي في القصبة الهوائية وعبر الحنجرة.
وكما يشير موقع "منتال فوس" (Mental Foss)، فإن الطيات الصوتية تمتد أفقيا عبر حنجرتك، التي تُعرف أيضا باسم الأحبال الصوتية؛ فعندما يمر الهواء فوقها تهتز الحبال الصوتية بسرعة كبيرة لتصدر أصواتا، وكلما زاد معدل الاهتزاز -المسمى التردد- ارتفعت درجة الصوت. ويتم تحديد نبرة صوتك إلى حد كبير من خلال طول الحبال الصوتية وتوترها.
تنتج الأحبال الصوتية في حد ذاتها صوت أزيز فقط، وتعمل أجزاء جسمك الواقعة بين الأحبال الصوتية والعالم الخارجي -كالحلق والأنف والفم- مثل غرفة صدى لتحويل تلك الأصوات الطنانة إلى صوتك البشري الفريد.
ونظرا لوجود 3 أعضاء في جسم الإنسان تعمل جنبا إلى جنب لتوليد الصوت، فإن الاختلافات الطفيفة حتى في أحد الأعضاء يمكن أن تنتج أصواتا مختلفة؛ لذا فإن تنوع الأصوات يرجع إلى التغيرات الطفيفة في علم التشريح ومدى اعتدال الأحبال الصوتية. ويمكن أن تتغير أصوات الناس مع تقدم العمر أيضا؛ لأن النظام الذي يولّد الصوت -مثل العديد من الأعضاء الأخرى- يتغير بمرور الوقت.
أصوات الرجال تختلف عن النساء
ويعد جنس الشخص أحد المحددات الأكثر وضوحا في اختلاف الأصوات؛ فمن الناحية التشريحية تكون للذكور طيات صوتية أو أحبال صوتية أكبر من الإناث، وحتى قبل زيادة الهرمونات خلال فترة المراهقة تكون عادة لدى الأولاد أصوات أعمق من الفتيات، ويتم شدّ هذه الطيات أفقيا عبر الحنجرة (صندوق الصوت)، وعندما يتم إخراج الهواء من الرئتين للتحدث فإنها تهتز.
ويحدد طول وحجم وشد الطيات ما يُعرف بالتردد الأساسي للصوت الناتج، الذي يبلغ متوسطه نحو 125 هرتزا عند الرجال و210 عند النساء و300 هرتز زائد عند الأطفال. وكلما ارتفع تردد الموجة الصوتية ارتفعت درجة الصوت. وتصل الأصوات عالية التردد إلى آذاننا بشكل أسرع؛ مما يفسر جزئيا لماذا يمكن أن تكون أصوات الأطفال مزعجة للغاية.
عندما تتحدث المرأة إلى الرجل للفت انتباهه يلاحظ ارتفاع طفيف في طبقة الصوت (غيتي)
ماذا يحدث لصوت الفتيان وقت البلوغ؟
وعندما نصل إلى سن البلوغ تتسبب الهرمونات دائما في تغيير الصوت، وخلال هذا الوقت تتمدد الطيات الصوتية وتتكاثف؛ مما يؤدي إلى إصدار صدى لها بتردد أقل، مما ينتج طبقة صوت أعمق.
وعند الذكور يزداد إنتاج هرمون التستوستيرون، ويزداد حجم الحنجرة، وتنمو الطيات الصوتية للفتاة أيضا قليلا -نحو 3 مليمتر مقارنة بـ10 في الأولاد- ولكن نظرا لأنهن لا ينتجن هرمون التستوستيرون تظل أصواتهن مرتفعة نسبيا.
وتلعب الجينات أيضا دورا في كيفية نضوج أصواتنا، رغم أن صوت الطفل يقلد إلى حد ما والديه، فإن الأشخاص من العائلة نفسها يكونون غالبا متشابهين لأن تشريح الحنجرة يحدده الحمض النووي للأجداد مثل أي سمة جسدية أخرى. والاختلافات الطفيفة حول هذا التشريح هي التي تجعل أصواتنا متميزة.
الصوت الذي تدخل به مرحلة البلوغ هو -إلى حد كبير- الصوت الذي يظل معك طوال حياتك (غيتي)
صوتك والإنفلونزا وأشياء أخرى
الصوت الذي تدخل به مرحلة البلوغ هو -إلى حد كبير- الصوت الذي يظل معك طوال حياتك؛ ومع ذلك هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤثر على التغييرات الصوتية، مثل الإصابة بنزلة برد على سبيل المثال. ويشير موقع "كيريوسيتي أنلوكد" (Curiosity Unlocked) إلى أن الصوت الخشن الشائع لدى الأشخاص المصابين بنزلات البرد ينتج عن تورم الحبال الصوتية الناجم عن فيروس الإنفلونزا. ويمكن أن يسبب السعال أيضا مزيدا من التهيج والتورم في الأحبال الصوتية.
ويمكن أن يتغير صوتك أيضا من وقت لآخر نتيجة أي شيء يؤثر على أحبالك الصوتية أو الحنجرة أو أي جزء من أجزاء الجسم الأخرى التي تساعد في إصدار صوتك. بعض هذه العوامل تشمل التلوث والمناخ والتدخين والصراخ كثيرا.
وتؤثر حالتنا العاطفية أيضا على طريقة حديثنا؛ فعندما نشعر بالإثارة أو التوتر أو الخوف تنقبض العضلات التي تدعم الحنجرة بشكل لاإرادي، ويزداد التوتر في الحبال الصوتية لإنتاج تلك النغمة العالية غير المستقرة التي نربطها بالإنذار.
وتترتب على الإثارة والسعادة زيادة في حدة الصوت، في حين قد يتسبب الحزن في صوت أعمق. وقد لوحظ كذلك وجود تأثير هرموني كبير على الحبال الصوتية عندما تتحدث المرأة إلى الرجل للفت انتباهه، من خلال ارتفاع طفيف في طبقة الصوت. ويدرك دماغ الرجل ذلك رغم أن هذه الاستجابة لكل من الرجل والمرأة قد لا تكون واعية.
ورغم أن الصوت سيعود إلى طبيعته بمجرد مرور التحفيز، فإن الأشخاص الذين يعانون من توتر عالٍ بشكل عام سيبقون على بعض الاختلافات في هذا الصوت ليكون جزءا من إيقاعهم الطبيعي.
ومن بين أكثر التسميات الصوتية شيوعا وصف شخص ما بأنه "أنفي"؛ وهي صفة من صفات صوت الإنسان عند الكلام، حيث يتميز بتأثير الأنف الواضح؛ ويحدث ذلك عندما يكون هناك نقص في تدفق الهواء عبر الأنف أثناء التحدث. احتقان الأنف هو السبب الرئيسي، كما يمكن لأي شخص يعاني من الحساسية أو التهاب الجيوب الأنفية المزمن أن يمر بذلك، إضافة إلى عدد من الأسباب الطبية الأخرى.
الأشخاص الذين يعانون من توتر عالٍ بشكل عام يبقون على بعض الاختلافات في الصوت (غيتي)
صوت الشيخوخة
وتؤدي حتمية الشيخوخة إلى تغيير صوتي نهائي ودائم لمعظمنا. بعد عمر طويل من الكلام تفقد الأحبال الصوتية والأنسجة المحيطة قوتها ومرونتها، وتصبح الأغشية المخاطية أكثر نحافة وجفافا.
ويتجلى تغيير الصوت لدى كبار السن -المعروف طبيا باسم "بريسبيفونيا" (presbyphonia) في الشعور بأنهم لا يستطيعون التحدث كما كانوا يفعلون من قبل، أو يلاحظون أن نبرة صوتهم قد ارتفعت أو انخفضت بمرور الوقت.
ويكون هناك اهتزاز ملحوظ في الصوت، ومن المفارقات في هذا العمر أن أصوات الرجال سترتفع في حين ينخفض صوت المرأة، في نوع من المراهقة المعاكسة.
بعض العوامل مثل التلوث والمناخ والتدخين والصراخ تؤثر على الصوت (غيتي)
لماذا لا نتعرف على الشخص من صوته بسهولة؟
لكل إنسان صوت مميز ومختلف عن صوت أي شخص آخر؛ لذلك يبدو من البديهي أننا سنكون قادرين على التعرف على شخص ما من خلال صوته بسهولة إلى حد ما. عندما يتعلق الأمر بالتعرف على أقرب أفراد عائلتك وأصدقائك، فمن المحتمل أنك جيد جدا، لكن لن تكون قادرا على التعرف على صوت معلمك الأول في المدرسة الابتدائية إذا سمعته مرة أخرى اليوم.
وكما يشير تقرير لموقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، فقد توصلت الدراسات إلى أنه يمكننا التعرف على أصوات الأشخاص المألوفين جيدا، إلا أن إدراك الهوية الصوتية يمكن أن يكون صعبا للغاية؛ نظرا لمدى التغير الذي يمكن أن يكون عليه صوت شخص واحد، ومن الصعب أيضا التعرف على المتحدث ثنائي اللغة.
وما يثير الدهشة لدى الباحثين هو مدى سوء الإدراك الصوتي عندما يتعرض المستمعون للتنوع الطبيعي في الأصوات التي يمكن أن ينتجها الشخص؛ لذلك في حين أن لكل منا صوتا فريدا فإننا لا نعرف حتى الآن كيف نميز بين هذه الأصوات.