العراق أشاد بتعاون بلدان ومنظمات دولية في استعادته أكثر من 17 ألف قطعة أثرية من مختلف دول العالم.
على غرار الملحمة الأسطورية التي تحكي رحلة "جلجامش" ملك الوركاء السومرية بحثا عن الخلود ثم إيابه إلى دياره؛ عاد "لوح جلجامش" برفقة قطعتين أثريتين أخريين إلى العراق بعد رحلة طويلة دامت 30 عاما، إذ كان اختفى مطلع تسعينيات القرن الماضي من البلاد وطوّف الآفاق ليستقر في الولايات المتحدة، قبل أن تضبط وزارة العدل الأميركية هذه القطعة عام 2019، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO)، وتقرر إعادتها لموطنها الأصلي.
وزيرا الخارجية والثقافة العراقيان عقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا في بغداد للإعلان عن استلام 3 قطع أثرية تعود لفترات زمنية مختلفة من تاريخ بلاد الرافدين، من بينها لوح جلجامش، إذ تم تسليمها إلى وزارة الثقافة من أجل إيداعها في المتحف العراقي.
وزير الخارجية فؤاد حسين أشار في المؤتمر الصحفي إلى أن بلدانا ومنظمات دولية أسهمت في استعادة العراق أكثر من 17 ألف قطعة أثرية من مختلف دول العالم، مؤكدا أن الأشهر الأربعة الماضية شهدت استرداد العديد من القطع الأثرية المنهوبة من البلاد.
وشهد العراق بعد عام 2003 عمليات نهب منظّمة لقطع أثرية وتماثيل تعود لحقب تاريخية مختلفة، بالإضافة إلى تدمير تنظيم الدولة الإسلامية العديد من المواقع الأثرية التي تعود للعصر الآشوري ومملكة الحضر العربية القديمة، التي تقع أطلالها في محافظة نينوى (شمالي البلاد).
لوح جلجامش (يسار) مع قطعتين أثريتين أخريين أعلن العراق استعادتها مؤخرا
قطع من حقب مختلفة
وتعد ملحمة جلجامش أحد أشهر الأعمال الأدبية في العالم القديم، وتحكي قصة بحث أحد ملوك سومر القدماء عن الخلود، ورحلته في سبيل ذلك إلى بلدان عدة، وتنقل الملحمة جوانب كثيرة من تصوّرات العراقيين القدماء عن الحياة والموت والفناء، ونظرتهم إلى الكون والسياسة والحكم.وقد كتبت نسختها الأولى باللغة السومرية قبل حوالي 3500 عام، ثم ترجمت لاحقا إلى الآكدية بلهجتيها البابلية والآشورية، ولم يتبق منها سوى بضعة ألواح طينية، اكتُشفت بعض نسخها في أنقاض مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال في نينوى وتعود للقرن السابع قبل الميلاد.
وبالإضافة إلى اللوح المذكور، استعاد العراق قطعتين أثريتين، هما تمثال لـ"كبش سومري" وقطعة "آجر" من قصر الملك البابلي نبوخذ نصر.
سناء قالت إن الآثار العراقية قد تعرضت لسرقات ونبش عشوائي
وقالت رئيسة لجنة استلام القطع الأثرية سناء محسن كاظم إن اللوح المستعاد يرجع تاريخه إلى عام 1595 قبل الميلاد فيما يعرف بالعصر البابلي القديم، ويمثل "حلم جلجامش"، في حين تعود قطعة "آجر" الثانية إلى قصر الملك نبوخذ نصر الثاني في العصر البابلي الحديث، ويرجع تاريخها لما بين عامي 624 و539 ق.م.أما القطعة الثالثة فهي تمثال لكبش رابض من حجر الكلس يعود إلى عصر فجر السلالات الثالث في الفترة بين عامي 2900 و2371 ق.م. وستأخذ هذه القطع جميعها أرقاما متحفية لتعرض أمام الجمهور في المتحف العراقي ببغداد.
وأضافت للجزيرة نت أن الآثار العراقية تعرضت خلال السنوات الماضية إلى سرقات ونبش عشوائي، وتم تهريبها من العراق عن طريق تجار آثار بالتعاون مع سماسرة عالميين، إذ تباع بأسعار باهظة وبطرق غير قانونية.
عامر يأمل أن تكون عودة لوح جلجامش بادرة لعودة كل الآثار العراقية المهربة للخارج
جهود لاستعادة الآثار المتبقية
ويعد لوح جلجامش واحدا من القطع الأثرية العراقية التي تم الاستيلاء عليها من سلسلة محلات "هوبي لوبي" ومتحف الكتاب المقدس في الولايات المتحدة، ومعظمها من الرقم الطينية التي يتراوح عمرها بين 3 آلاف و4 آلاف عام، وعرضت القطعة للبيع بمبلغ 1.7 مليون دولار، بحسب السلطات الأميركية.
ويقول خبير الآثار جنيد عامر للجزيرة نت إن استعادة القطعتين الأخيرتين من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى 7 قطع أثرية من هولندا وواحدة من إيطاليا، تعدّ بادرة إيجابية يمكن أن تحذو دول أخرى حذوها، مضيفًا أن الآثار المستردة مؤخرا تحمل كتابات مسمارية، والكثير منها مستخرج من الموقع السومري الأثري (إيريساغريغ) بجنوبي العراق.ولفت خبير الآثار إلى أن اللوح المسماري المعروف بلوح جلجامش صادرته السلطات الأميركية بعد أن كان بحوزة متحف الكتاب المقدس، وهو قيد نزاع قضائي مدني بين الشركة المذكورة ومزاد "كرستيز".
ووفقًا لعامر فإن أهمية ملحمة جلجامش تنبع من كونها الصورة الأولى المعبرة عن وعي الإنسان بوجوده ومصیره، ومثّلت -لأول مرة في التاريخ الإنساني- خروجا عن المألوف وكسرا للقوانین الحاكمة عند الأمم القدیمة، وقد كانت الحكمة التي كتبت من أجلها الملحمة تتلخص في أن تغییر المصیر الإنساني المحتوم وهو الموت؛ لا یتم إلا بمعرفة سِّر الخلود، المتمثل في الأعمال الصالحة التي یؤدیها الإنسان في الحیاة ليبقى صیته خالدا أبد الدهر، على حد قوله.
وقد أقامت اليونسكو حفلا بمناسبة إعادة الولايات المتحدة لوح "حلم جلجامش"، ووصفت الخطوة بـ"الانتصار الكبير في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية".