ففي النفس ما أعيا العبارة كشفُه
وقصّر عن تبيانه النظم والنثر
ومن خاطرات النفس ما لم يقم به
بيان ولم يَنهض بأعبائه الشعر
ويا ربّ فكرٍ حاك في صدر ناطق
فضاق من النطق الفسيح به الصدر
ويا ربّ فكر دق حتى تخاوصت
إليه من الألفاظ أعينها الخزر
أرى اللفظ معدوداً فكيف أسومه
كفاية معنّى فاته العدّ والحصر
وافق المعاني في التصور واسع
يتيه إذا ما طار في جوّه الفكر
ولولا قصور في اللغى عن مرامنا
لما كان في قول المجاز لنا عذر
ولست أخُص الشعر بالكَلمِ التي
تُنظّم أبياتاً كما ينظم الدرّ
وذاك لأن الشعر أوسع من لغى
يكون على فعل اللسان لها قصر
وما الشعر إلا كلّ ما رنّح الفتى
كما رنّحت أعطافَ شاربها الخمر
وحرّك فيه ساكنَ الوجد فاغتدى
مهيجاً كما يستنّ في المرح المُهر
فمن نفثات الشعر سجع حمامة
على أَيْكة يُشجي المشوق لها هدر
ومن شذرات الشعر حوم فراشةٍ
على الزهر في روض به ابتسم الزهر
ومن ضحكات الشعر دمعة عاشق
بها قد شكا للوصل ما فعل الهجر
ومن لمعات الشعر نظرة غادة
بنجلاء تسبي القلب في طرَفْها فتر
ومن جمرات الشعر رنّة ثاكل
مفجّعة أودى بواحدها الدهر
ومن نفحات الشعر ترجيع مطرب
تعاور مَجرى صوته الخفض والنبر
وإن من الشعر ائتلاق كواكب
بجنح الدجى باتت يضاحكها البدر
معروف الرصافي